ان اولئك الذين يصفون المنتفضين العراقيين من الشباب بالمندسين وانتفاضتهم بالمؤامرة لايعلمون مالذي يجري في العراق، فكيف يعرفون مالذي يجري في العالم. انهم كهول العقول، مشبعون بافكار رجعية مسبقة , يتحدثون بالخرافات، ويعتقدون انهم قادرون على ادارة البلد بهذه الافكار التي عفى عنها الزمن. وحتى المومياءات في البرلمان المهووسات بعمليات التجميل ليحافظن على شبابهن المفقود لم يدركن ومعهن ممثلي الاحزاب من الرهط المتخلف المحنط ان افكارهم واحاديثهم قد شاخت كوجووهم واجسادهم ، وانهم لم ولن يفهموا مالذي يجري في الشارع العراقي
ايها الساسة الغارقين في التخلف والشعوذة، انه جيل الميلينيالز millennials. جيل نهاية التسعينات وبداية الالفية الثالثة الميلادية . انهم يختلفون عنكم كثيرا. حيث رفضوا الافكار المتخلفة والرغبة باعادة الزمن الى الوراء. بل هم ينظرون الى المستقبل، ويريدونه باهرا يليق بشعب العراق الواعي، ولذلك لايمكنكم التواصل ولا التوافق معهم لانكم في واد اخر مختلف تماما عن افكارهم وطموحاتهم
وصف جيفري ارنت، استاذ علم النفس بجامعة كلارك بولاية ماساتشوستس شباب الالفية بانهم
اكثر ثقة بانفسهم، وانهم اكثر تقبلا للتنوع العرقي والثقافي، وهم اليوم ليسوا اقل انانية فحسب، بل ايضا جيل غاية بالكرم ويحمل وعودا مبشرة بعالم جديد قادر على النهوض. وبذلك فان جيل الالفية سيكون القوة الدافعة في السياسة والادارة على مدار العقود الثلاثة القادمة ، وان تفضيلاتهم ونقاط القوة والضعف لديهم تشكل بالفعل استراتيجية جديدة. لذلك يجب الا يكون مفاجئا رغبة جيل الالفية بتغيير الواقع الاجتماعي والسياسات العامة. وهذا يتناسب مع التطور التكنولوجي من التواصل الاجتماعي والتقنيات الاخرى في المشهد الرقمي المتقدم بشكل متزايد. وهذا التطور يسير جنبا الى جنب مع مطالب جديدة وقيم جديدة ومواقف جديدة
وفي كتابه ” المستقبل السريع” ، يصف المؤلف ديفيد بورستين مقاربة جيل الألفية في التغيير الاجتماعي بأنها “مثالية براغماتية” مع رغبة عميقة في جعل العالم مكانًا أفضل ، إلى جانب إدراك أن القيام بذلك يتطلب بناء مفاهيم جديدة أثناء العمل داخل وخارج المؤسسات
ان هذا ينطبق على نفس الجيل العراقي، فهو يطمح كذلك لتغيير المجتمع والسياسة بما يحقق طموحاته الرائدة، ولذلك وجدنا شبابا ثائرا مدركا لقيمه السياسية والاجتماعية المختلفة عن قيم الاجيال السابقة، وبالرغم من انه يحتفظ بذاكرته لموروثات قديمة، الا انه يتبنى الموروث القيمي الذي ينسجم مع تطلعاته المستقبلية، وهذا المفهوم القيمي الجديد يختلف عن الموروثات المحرمة السابقة
لم يشهدجيل الالفية الثالثة العراقي حروب الجيل الاول والثاني السابقة، ولذلك فهو لم يتعاطف مع اطروحات رجال الدين والاعلام في تقسيم المجتمع العراقي الى طوائف ومكونات، ولكنه ركز على حرمانه من الخدمات الاساسية وانعدام فرص التشغيل والفقر المنتشر، وشاهد العنف والفوضى، وفقدان العدالة الاجتماعية، والفساد المستشري، وهو يرى الدول الخليجية المجاورة ودول العالم المتقدم، فشعر بالحيف والغبن وهو يعلم انه ليس اقل شأنا منهم، ومما ساعد على تعميق الفروقات استخدام الهاتف النقال ووسائل التواصل الاجتماعي، التي مكنته من الاطلاع على اساليب وطرق العيش المتحضرة والرفاهية التي يعيش فيها العالم المتقدم. وهم يرون ان الوضع في البلاد يسير من سئ الى اسوأ. والسياسيين غير مبالين بالانتفاضات والثورات التي تواجه البلاد بصورة مستمرة. وان الوضع قد وصل الى طريق مسدود، بعد الوعود الكاذبة بالاصلاحات
انتفض الشباب الواعي هذا بوجه ساسة العراق الذين خذلوه، ولم يفهموا مطالبه وطموحاته، وامعنوا في الاستغلال والسلب ونكران الحقوق الاساسية للشعب، واهانوا العراق الذي كان من الدول العريقة، ولما خرج محتجا على التعامل اللاانساني هذا واجهوه بالرصاص ونيران القناصة، ولانهم غير قادرين على محاورته او اقناعه تمادوا في استخدام القوة المفرطة امام مرأى ومسمع دول العالم اجمع، وقطعوا الانترنت واعلنوا منع التجوال في سابقة لم يشهد العراق لها مثيلا
وهاهو يعاود الانتفاضة يوم 25 من الشهر الجاري حتى تحقيق مطاليبه العادلة في تغيير نظام الحكم، ومحاسبة اللصوص. وان لم يستطع في هذه المرة او في القريب العاجل من تحقيق كل طموحاته، فانه على الاقل استطاع ان يرعب السياسيين وينهي التفكير العنصري الطائفي المتخلف، واستطاع توحيد الشعب في وجه التجهيل والتدخلات الاجنبية، وخصوصا من نظام الملالي في ايران الذي ادخل العراق في نفق مظلم. . كما اعطى درسا في الوطنية والاستقلال لكل السياسيين المتخلفين الفاسدين عبيد الاجنبي الطامع. وهم بانتفاضتهم هذه وبدماءهم وتضحياتهم وضعوا اللبنة الاولى في طريق الخلاص من هذه الطغمة الفاسدة الضالة. وهكذا بدأت مرحلة جديدة من مراحل الاستقلال الناجز للعراق
الف تحية للجيل الجديد. الجيل النقي، البهي وهو يخرج العراق من متاهات التخلف والتجهيل، ويعيد الينا الوطن بعد ليل داج