22 نوفمبر، 2024 10:58 م
Search
Close this search box.

( جيش المالكي ).. لا يشترى أو يؤجر أو يباع

( جيش المالكي ).. لا يشترى أو يؤجر أو يباع

منذ براءة طفولتنا ونحن نسمع عن معنى كبير عنوانه الجيش العراقي , وحين أصبحنا في المدارس كنا نحتفل في السادس من كانون الثاني من كل عام بمناسبة اسمها عيد الجيش فنخرج في مسيرات أو ننظم احتفالات ونرفع فيها معالم الزينة ونصرخ بأعلى أصواتنا الحماسية ( عاش الجيش ) وغالبا ما كانت تقترن كلمة الجيش بالجيش العراقي الباسل , وحين كبرنا قرأنا وعايشنا ظروف تأسيس هذا الجيش وما قام به من بطولات وقدمه من تضحيات في الانتفاضات الوطنية و الحروب العربية التي خاضها في 1948 أو في الحروب الأخرى دفاعا عن الوطن والقضية الفلسطينية , ورغم انه اضطر للدخول بحروب لاحقة إلا إن صورته بقيت زاهية وجميلة في عقول وقلوب العراقيين , فالجيش ليس صاحب القرارات السياسية ولكنه ينفذ ما يطلب منه وهذه حال الجيوش في العالم اجمع .

وبعد ظهور تشكيلات باسم الحرس الجمهوري أو الحرس الخاص وغيرها من الأسماء التي لا أجيد ذكرها جميعا بقي الجيش جيشا ولم يجير اسمه لمصلحة شخص محدد بالذات , ورغم إن العراقيين جميعا افنوا سنوات مهمة من عمرهم في الخدمتين الإلزامية أو الاحتياط , عندما كان الانخراط في الجيش واجبا قانونيا لمن يبلغ الثامنة عشر من العمر ولهم ذكريات صعبة في هذه الخدمة إلا إن صورة الجيش لم تهتز عند اغلب العراقيين , وعندما دخلت الجيوش الأجنبية تحت مسمى الاحتلال أو التحرير وتلاشى الجيش في ليلة وضحاها لم تقع اللائمة عليه وإنما على القيادات السياسية التي تركت الميدان فبقي الجيش يلازم البيوت خارج الثكنات والمعسكرات بانتظار الأوامر , وحين تمت إعادة تنظيم الجيش بعد 2003 عاد الجيش ليبنى من جديد من قبل بعض العاملين فيه أو بإضافة متطوعين آخرين .

والكل يعرف الظروف التي مر بها الجيش في إعادة بنائه من جديد , فرغم إن الأمريكان قد اشرفوا على إعادة البناء ولكن التشكيل الأساسي كان من الجيش العراقي , فالسفير بول بريمر قام بإصدار قرار يقضي بإلغاء الخدمة الإلزامية وجعلها طوعية لكي يتم الاعتماد على المهنيين والمحترفين من خلال اعتقاد خاطئ ومقصود بان البلد لم يعد بحاجة إلى جيش كبير لانتهاء التهديدات التي تواجه البلد من الداخل والخارج , والجيش الذي تم بنائه من جديد لم يسميه أحدا جيش بريمر أو الجيش الأمريكي بل بقي اسمه الجيش العراقي , كما بقي البلد يحتفل في كل عام في السادس من كانون الثاني سنويا بعيد الجيش وهي عطلة رسمية وطنية لحد اليوم , ولمقبوليته لدى الشعب فقد أصبح قوامه أكثر من نصف مليون من الضباط والمراتب والجنود وهم جميعا من العراقيين , إذ لم يتم استيراد مرتزقة من دول العالم للعمل في الجيش عدا ما يتعلق بالاستعانة بالخبرات الأجنبية للتدريب والتي تنتهي بانتهاء الغرض الذي وجدت من اجله .

إلا إن ما يثير الانتباه , هو لجوء بعض وسائل الإعلام ومن يقف ورائها تمويلا أو دعما أو تشجيعا بإطلاق تسمية جيش المالكي على الجيش العراقي , ورغم إن السيد نوري المالكي لم يكن يوما من جنرالات الجيش العراقي أو غيره إلا انه أصبح القائد العام للقوات المسلحة وهو منصب لم يستولي عليه انقلابا أو عنوة بل إن المادة 75 من الدستور هي التي نصت على أن يكون رئيس مجلس الوزراء قائدا عاما للقوات المسلحة , ويلاحظ إن الذين يرددون تلك العبارات لم يقولوا جيش القائد العام وإنما يقولون جيش المالكي , رغم إن الجيش يتكون من قيادات وفرق وألوية وكتائب وغيرها من التشكيلات إلا أنها تختصر بكلمة جيش المالكي من قبل من يطلق هذه التسمية , وبمعزل عن الرأي بالسيد المالكي مواطنا أو سياسيا أو رئيسا لمجلس الوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة فان الجيش لايمكن أن يكون جيشه وإنما هو جيش الشعب والوطن وهو ما نص عليه الدستور صراحة , ولا نعتقد انه في يوم من الأيام نطق بكلمة تشير بان الجيش جيشه لأنها لو فعل ذلك فإنها تعد مثلبة يحاسب عليها القانون , فالجيش تم بنائه من أموال الدولة وان الدماء التي سالت وتسيل منه هي من دماء العرقيين .

وإذا كان الجيش على وصف البعض هو جيش المالكي , فماذا سيفعل بالجيش عندما يغادر الموقع في يوم من الأيام كرئيس لمجلس الوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة فهل سيعرض الجيش للبيع أو للإيجار عندما يكون خارج المنصب السيادي لأنه لايقوى على دفع نفقاته مهما امتلك من ثروات , وهل سنبني جيشا جديدا لمن سيخلفه في المنصب ؟ , إن إطلاق مثل هذه التسميات وان كانت من قبل أشخاص أو مجموعات أو دول فإنها مرفوضة كل الرفض لأنها تعد إساءة للشعب والوطن وللجيش , لأنها توحي وكأن الوطن ليس له جيش يحميه وإنما يحمي مصالح خاصة لشخص بعينه , كما إنها تشير بشكل مقصود بان جيشنا ( لاسامح الله ) ليس مهنيا وكأن المهمات التي ينفذها هي بمعزل عن متطلبات السيادة والقيام بواجباته التنفيذية .

إن المناخ الديمقراطي الذي انشأ في العراق والحريات التي أتيحت في التعبير عن الآراء تبقى محفوظة ما دامت في إطارها الموضوعي ولكنها تعد تجاوزا عندما تخرج عن حقيقتها وتبوب ضمن أجندات غايتها إضعاف المعنويات وتقليل الولاءات لإعطاء الفرصة للطرف الآخر في تنفيذ أهدافه غير المشروعة , وفي مثل الظروف التي يمر بها بلدنا في مواجهة أخطار متعددة المصادر تتحمل أشكالا متعددة من الحلول بعضها عسكري والبعض الآخر سياسي وربما حلولا أخرى تعين في حل المشكلات , والجزء العسكري مهما بلغ حجمه يجب أن ينجز من قبل القوات المسلحة وهو ما يتطلب دعم هذه القوات وإسنادها وليس تخوينها أو تجييرها لاسم محدد بالذات , وحين يقوم الجيش بواجباته فإنما ينجزها نيابة عن الشعب بكل مكوناته ما دام الخطر محدقا بالجميع حتى وان اختلفت وجهات النظر بالحلول .

إن أقوى جيوش العالم تعرضت لكبوات ونكبات ونكسات والعبرة ليس بما تتعرض له وإنما بالقدرة على تجاوز تلك الظروف , وفي ظل ظروف سيجيئ الوقت المناسب لكي تحلل وتعرض حقائقها وخلفياتها , فقد تعرض جيشنا إلى واحدة من تلك الأوصاف في العاشر من حزيران الماضي ولكن سرعان ما تعافى منها وتجاوزها وهو الآن في جبهات المواجهة لأداء مهمات أسندت أليه ومن واجبه تنفيذها بالطريقة المهنية , ولا نريد هنا أن نعطي تقييما لاستخدام الحل العسكري في الحسم أو دونه فتلك قرارات من اختصاص السلطات المختصة في البلد لأنها هي المسؤولة بموجب التشريعات النافذة لاتخاذ ما تراه من قرارات . ولكن ما يهم هو الحفاظ على سمعة وهوية جيشنا لأنه جيش العراق وليس جيشا لأحد وهو جزءا لايتجزء من الشعب ولا يمكن أن يباع أو يشترى أو يؤجر في يوم من الأيام .

لقد مرت سنوات عديدة على تأسيس الجيش كما مرت ثمان سنوات على تولي المالكي قائدا عاما للقوات المسلحة ولم نسمع بتلك التسمية إلا أخيرا , إذ تزامن إطلاق تسمية ( جيش المالكي ) في الفترة التي ترافقت مع تباين وجهات النظر بخصوص توليه أو عدم توليه الولاية الثالثة , وقد تكون جزءا من الحملات الإعلامية كما إنها قد تكون من الأدوات التي استخدمها البعض في الرد على الأحداث في التي تجري بعض المناطق , ومهما كانت الآراء والدوافع فلا نعتقد بان توظيف استخدام تلك التسمية على الجيش كان موفقا لان الجيش مؤسسة والمؤسسة الحكومية لا تقترن بالشخصنة , فالمعترضين والمعارضين وما يحملوه من رغبات بإمكانهم أن يجدوا الوسائل التي يرونها مناسبة في النقد والتعبير عن الرأي بشرط أن يكون اسم الجيش العراقي محفوظا وبعيدا عن مواطن الشبهات , فالجيش يبقى ضمن مؤسسته الدستورية العسكرية وهو جزءا لا يتجزأ من الدولة وتسكن محبته في قلوب العراقيين , وهو بهذا المعنى لا يشترى أو يؤجر أو يباع لغير العراق شعبا وأرضا وسماءا ومياه .

أحدث المقالات