19 ديسمبر، 2024 1:02 ص

جيش العراق والهوية الوطنية

جيش العراق والهوية الوطنية

كثير منا  يستذكر هذه الايام انجازات الجيش كمؤسسة مهنية بكل أمجادها وبطولاتها ، لكن ما مر به الجيش في حقبة الثمانينات و التسعينات وصولا الى يومنا هذا شهدت جدلا واحكاما وطروحات شتى حول  مهنية هذه المؤسسة الكبيرة ، بعض هذه الطروحات كانت على مستوى مخيف من التجني على هذا الطرف او ذاك ، هناك من اتفق على ان هذا الجيش هو جيش العراق ولا يحق لاحد ان يقرنه بحاكم  معين ، وفي المقابل هناك من يصر على ان هذا الجيش لا يمثل الا فئة معينة وهو يعمل وفق مصالح هذه الفئة ، كل هذه الآراء لم تسلم  من التجريح والتسفيه . تذكرت ايام الخدمة العسكرية وتحديدا ايام الانسحاب المخزي من الكويت سنة 1991 ، وما قاساه الجيش المنكسر بعد شهور من المطحنة التي خلفت بقايا جيش .. جنود مرهقون تورمت اقدامهم مشيا للوصول الى ارض الوطن بعد ان كانوا هم  وعجلاتهم اهدافا مجانية تتمرن على قنصها كل اسلحة الجيش الامريكي  من طيران ودبابات وغيرها ، هؤلاء الجنود عادت اليهم الحياة بعدما ايقنوا انهم يتعرضون الى الفناء بآلة القتل والدمار الامريكية  ،عادت اليهم الحياة بعد ان  وصلوا حافات ارض الوطن حيث المدن الجنوبية مثل البصرة  والناصرية ، لكنهم تفاجؤوا بنبرة عدائية لم يعتادوا عليها من سكان هذه المناطق فقد سيق كثير منهم بعد تحقيق اولي الى حتفه على يد اشخاص يفترض انهم  من ابناء جلدتهم ، ومن المشاهد التي لا تنسى عجوز تحمل في يدها “منجل” تصر على  ذبح  ما أسموه بوقتها “اسرى” هم عبارة جنود او بقايا جنود متهالكين اخذ منهم التعب والجوع والعطش الشيء الكثير ، ناهيك عن حالتهم النفسية المزرية  ، و للوهلة الاولى سرى فيهم شعور انهم وصلوا ارض الوطن حيث الامان المفترض ، لكن هذا الشعور بدده صوت تلك المرأة المسنة وهي تصيح  ” اتركوهم لي كي اذبحهم بيدي هاتين !! هؤلاء جنود صدام !!” ، هذه الحادثة تذكرتها وانا استمع لمن يقول الآن “هذا ليس جيش العراق  بل هو جيش المالكي  ” ، الآن تفهمت   ان  تلك العجوز الجنوبية الملامح لها اسبابها التي دفعتها لمثل هذا  الموقف ، وفي نفس الوقت اتفهم الآن ايضا موقف  البعض الذي يرفض مقولة ان  هذا جيشٌ يمثل هوية العراق بكل مكوناته ، كلا الموقفين نابع من شعورٍ بالظلم  والحيف الذي تلقوه على يد اناس متخلفين ومتعصبين اصبحوا بمحض الصدفة ضمن المؤسسة العسكرية ذات التاريخ المكلل بالزهو ، حريا بنا أن  نؤمن بحقيقة مفادها أن “الظلم مرتعه وخيم”  وحين يستشري الظلم في أي زمان  ومكان فانه يخلف عاهات مستديمة تكون سببا في خراب كل ماهو نقي ليحيل اوطانا عامرة الى ركام .
 [email protected]