23 ديسمبر، 2024 12:14 ص

لا شك اننا كعراقيين، اصلاء نجباء، لا يخلو احد منا، من انتمائه لعشيرة اصيلة متأصلة الجذور والنسب والشرف الرفيع، حتى بات انتماؤنا لها مدعاة للفخر، فهي عزوتنا وملجأنا، وقت الشدة.
العشيرة لها دور في توجيه افرادها، بما يوافق هويتها الحسنة وصفاتها الحميدة الرشيدة، حيث انها تأخذ بيدهم نحو امور تنفعهم وتنفع مجتمعهم وبلدهم، فهي التنظيم الاجتماعي والاخلاقي لهم، بعد الاسرة، ولست هنا اروج لتقديم العرف والتقاليد على الدولة المدنية والقانون العام، او اجعلها البديل المناسب للدستور،  فمع اعتزازنا واحترمنا للعشيرة، الا انه هناك مسميات داخلة في العرف العشائري، يحاول بعضهم اليوم توضيفها لجلب منافع شخصية والتربح منها، مثل الفصل العشائري.
الكثير منا يصطدم بواقع مغاير لما ذكرته آنفاً، ولا ابالغ حينما اقول ان اغلبنا شاهد بأم عينيه بيوتاً او محال، كتب على جدرانها “مطلوب عشائرياً” او “مطلوب دم” اضافة الى زخرفة على الجدران نتيجة العيارات النارية المطلقة عليها.
مشهدٌ آخر، حين تخطيء بتصرف ما او قول ما مع شخص غريب، حتى وان كان خطؤك غير مقصود، فانه سيقول لك “جيب عمامك” او “حظر عمامك” وهنا تبدأ الطامة الكبرى، حتى ان بعض النفوس الضعيفة تصنع لك حادثة عرضية او تفبرك لك مقلباً  او تنصب لك فخاً لتوقعك في شراكه، ليجروك الى هاوية الــ” جيب عمامك”، والامثلة كثيرة لديكم.
من طريف ما سمعت عن هذه “الفصول” من بعض الناس، ان طالباً مسكه الأستاذ بقاعة الامتحان في حالة غش، ففصلته عشيرة الطالب بكذا مليون، ولاعب كرة قدم تعرض لاعاقة بدنية من لاعب آخر، فدعوا “عمامه”، وطالب كلية انتحر لرسوبه فتم استدعاء “عمام” رئيس القسم، وووو الخ امثلة كثيرة لا اول لها ولا آخر، والحبل عالجرار، امثلة تجعلك تقف مذهولاً من هول ما ترى وتسمع، وربما تقرر السير “بصف الحايط” تجنباً للوقوع بمثل هكذا فصول، ومن يدري فقد يمسك بك احدهم ويقول لك “جيب عمامك” لانك سرت بجنب الحائط الخاص بداره متهماً اياك بالتلصص على اهل بيته.
وبصريح العبارة، فان القانون يقف اليوم عاجزاً عن التدخل بمثل هكذا امور، لا ابالغ حين اقول ان الفصل العشائري تحول من اعراف وتقاليد مهمتها تنظيم حياة مجاميع من الافراد داخل العشيرة، الى وسيلة، وظفتها بعض النفوس الضعيفة لمصلحتها، للتربح والابتزاز، بعد ان كان حلاً للنزاعات والخلافات بالتفاهم والتشاور والتراضي، مستعينين على ذلك بشيوخ وهميين “خمسة بربع” يفترشون مقاعد المقاهي و”چايتهم” بالدين، مهمتم الدخول كطرف مطالب بالفصل، بحيث يصوغون الحديث في الفصل وينسقون السرد بشكل مقنع، وكلما كانوا حذقين في استخدام العبارات وسرد القصص كوسائل ايضاح، كلما نجحوا في استحصال مبالغ اكبر، وبالتالي يدخل المفصول في متاهات لها اول وليس لها آخر.
عجبي على اولئك الذين يقرأون كتاب الله، عز وجل، وينتفعون باسماء عشائرهم و”عگل” شيوخهم الاصلاء، ويأخذون الاتاوات تحت مسمى الفصل العشائري، ألم تطرق مسامعهم او تشاهد اعينهم هذه الايات :
*(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)  
*(وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ  وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
الظاهرة في تفاقم مستمر، طالما اسبابها متوفرة، من ضحايا لا حول لهم ولا قوة، وشيوخ “البالات”، مع احترامي للشيوخ الاصلاء، وبالتالي فإن الحال اذا ما بقي هكذا فستصير الامور الى مشاكل عشائرية عقيمة ونحن في وقت احوج ما نكون فيه الى طلاق الخلافات والمشاكل بالثلاث.
واخيراً وليس آخراً، سأورد لكم “فصل عشائري” واقعي حقيقي مأساوي من نوع “شر البلية ما يضحك”.
رجل يقود سيارته الاجرة نوع سايبا، كان يقل معه راكبة الى منطقة ما، فجأة اتصل به صديق له، فسأله “وين انت ابو فلان”، فاجاب السائق: “ويه السايبة كاعد افرفر بيها”، ولم يكمل الرجل حديثه مع المتصل حتى صرخت به المرأة لقلة ادبه معها متهمتة اياه بوصفها بــ”السايبة”، ظناً منها انه كان يقصدها بالوصف، فضل السائق “يحلف يمين” انه لم يكن يقصدها، لكن دون جدوى ولم تقتنع بكل تبريراته، وما ان وصلا الى المكان الذي ارادت ، حتى نادت على اولادها وابناء جيرانها بصوت مرتفع، ثم…… “جيب عمامك”.