أسدل الستار على حقبة ترمب المليئة بالتناقضات والفوضى والأزمات والمفاجآت التي أضرت دول وشعوب العالم عامة، والشعب الكردي خاصة، تحديدا عندما رفض تأييد استفتاء إقليم كردستان، مرورا بأحداث ١٦ أكتوبر وموقفه المتخاذل من تدخل إيران بقيادة سليماني في هذا الصراع، و انتهاء بإعطاء أردوغان الضوء الأخضر لاجتياح المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا. لقد تجلى موقفه السلبي من المسألة الكردية في كلامه الذي سربه مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، الذي ذكر أن ترمب قال في إحدى الاجتماعات بأنّه لا يحب الكرد، ولا يثق فيهم.
إذا يدخل المرشح الديمقراطي الجديد جو بايدن البيت الأبيض من أوسع أبوابه، بعد أن هزم منافسه الجمهوري “التاجر” ترمب، الذي غادر البيت الأبيض من أضيق أبوابه، حيث كان يعتقد بأنّه سيحقق انتصارا “انتخابيا” ساحقا على بايدن، لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن. وبذلك سيتخلص العالم من تغريداته المستفزة، و المتعجرفة، والبعيدة عن الدبلوماسية، التي تصل أحيانا إلى حد الوقاحة، والتطرف.
ولأن أميركا دولة عظمى وبيدها خيوط اللعبة السياسية والاقتصادية العالمية؛ ستتجه أنظار العالم كالعادة إلى واشنطن للإطلاع على سياسة بايدن للأربع سنوات المقبلة. ما يهمنا في كردستان من شخصية وسياسة بايدن هو كيف ينظر هذا الرجل إلى القضية الكردية بشكل عام، و إلى إقليم كردستان العراق بشكل خاص؟ وكيف ينبغي علينا التعاطي مع إدارته الجديدة؟
يُصنف بايدن على أنّه من أكثر السياسيين الأمريكيين الداعمين للقضية الكردية. فقد زار الرجل كردستان في ديسمبر من العام ٢٠٠٢، و ألقى آنذاك كلمة داخل قبة برلمان كردستان في أربيل، أعلن من خلالها عن تعاطفه مع القضية الكردية وتعهد بدعمه لها، و وصف كردستان العراق ببولندا الشرق الأوسط. ثم قال للشعب الكردي: لن يكون الجبال صديقتكم الوحيدة.
بالإضافة إلى ذلك كان لبادين مواقف متعاطفة مع الكرد في سوريا، لا سيما بعد أن أعطى ترمب الضوء الأخضر لأردوغان لاجتياح مناطقهم، وأمر بسحب القوات الأميركية من سوريا، حيث وصف بايدن ذلك القرار بأنّه خيانة للكرد، أو لقوات سوريا الديمقراطية، التي يشكل الكرد الغالبية العظمى فيها، بل أنّه رفض وصف تركيا القوات الكردية في سوريا بالجماعة الإرهابية ، و أعتبرها قوات صديقة و حليفة ساهمت مع الولايات المتحدة في القضاء على داعش في عقر داره في الرقة. بناء على تعاطفه مع الكرد، و وقوفه بصف اليونان وقبرص والأرمن ضد تركيا، يتوجس منه الأتراك خيفة، ويعتقدون بأنّه عدو تركيا المقبل.
إنّ بايدن هو أيضا صاحب نظرية تحويل العراق إلى ثلاث ولايات أو أقاليم على طريقة البوسنة والهرسك، التي قُسمت بعد اتفاقية دايتون للسلام، التي وقعت في دايتون الأميركية، فهو يرى بأنّه من المستحيل أن يجد العراق الاستقرار بصيغته الحالية، ولا بد من تحويله إلى ثلاثة أقاليم سنية- شيعية- كردية. بلا ريب هذا التوجه ينسجم تماما مع تطلعات معظم السياسيين في إقليم كردستان، الذين يؤيدون وبقوة هذه الصيغة، التي طالما دعوا بغداد إلى تطبيقها على أرض الواقع، إذ يعتقدون أن ذلك هو الحل الأمثل والسحري للمشاكل في عموم العراق.
ويقول سكرتير الحزب الإشتراكي الديمقراطي الكوردستاني محمد حاجي محمود، في إحدى لقاءاته التلفزيونية: “إنّ المرشح الديمقراطي جو بايدن، عندما كان نائباً لرئيس الولايات المتحدة الأسبق، باراك أوباما، أبلغ رئيس إقليم كردستان السابق السيد مسعود بارزاني ، بأنّه مع قيام دولة مستقلة للكورد.
مواقف بايدن تجاه القضية الكردستانية، التي ذكرناها آنفا، هي بلا شك محترمة، و تدعو إلى التفاؤل، لكنها جاءت وهو خارج السلطة، ولم يكن الرجل الأول في أميركا، وليس عليه التزامات وضغوطات كثيرة، وقد يتغير بعض قناعته ومواقفه عندما يقود دفة الحكم في بلاده، فما هو مباح له خارج السلطة، قد لا يكون مباحا له أثناء تواجده في هرم السلطة؛ وعليه لكيلا يحدث صدمة كبيرة للشارع الكردستاني، إذا ما حدث خذلانا أميركيا جديدا لهم في المستقبل (لا سامح الله)، كما حدث في مرات سابقة كثيرة، لا ينبغي على السياسي أو الإعلام الكردي أن يفرط في التفاؤل، ويبيع الوهم للناس، ويصور لهم بأنّ بايدن هو المخلص الذي يجب علينا أن نرقص فرحا لانتخابه رئيسا لأميركا، وأنّه سيحقق الحلم الكردي المنتظر، كما حدث مع بداية وصول ترمب لسدة الحكم. وقبل البحث عن المخلص الخارجي، لا بد من إيجاد مخلص داخلي، يوحد الصف الكردستاني المتشرذم، والمتخم بالازمات، و يضع حدا للفوضى السياسية والاقتصادية التي أثقلت كاهل المواطن، ومزقت آماله وأحلامه، وجعلته يترنح. وبصريح العبارة كردستان حاليا غير مستعدة، في ظل مشاكلها الداخلية، من اقتناص أيّ فرص، أو لأي متغيرات قد تطرأ على الساحة السياسية الإقليمية والدولية؛ فهي منغمسة في معضلات داخلية يصعب حلها في الأمد القريب. لذلك ينبغي على الجانب الكردستاني التعامل والتعاطي بعقلانية وموضوعية مع الحليف الأميركي غير الموثوق به، والاستفادة من الدروس التاريخية القريبة والبعيدة، وعدم الإفراط في التفاؤل، وترميم بيته الداخلي، والاستعداد إلى سياسة وعقلية أميركية جديدة قد تُحدث تغيرات كثيرة في الشرق الأوسط ، وقد تشمل القضية الكردية أيضا.