جون نيكسون .. John Nixon :
سألتني أبنتي سدير ، عندما رأت بيدي كتاب يحتل مساحة غلاف صفحته الرئيسية صورة صدام حسين ملتحياً ، عندما كان سجيناً لدى القوات الإمريكية الغازية لأرض العراق لرجل وكالة الإستخبارات الامريكية جون نيكسون المحقق الفعلي لأستجواب الرئيس صدام حسين طيلة فترة مكوثه في السجن الامريكي . السؤال .. لماذا تقرأ عنه بابا وهو وضعك في السجن ؟. وشردك من وطنك وأبعدك عن أهلك وضيع مستقبلك وجدته سؤال منطقي ووجيه وواقعي فحفزني على الكتابة . في بداية أعمارنا السياسية كنا لانقرأ الا الكتب التي تعبر عن أنتماءاتنا السياسية والفكرية ونجهل كتب وأفكار ساسة أعدائنا وبماذا يفكرون وماذا يريدون ؟. هذه كانت الوجهة العامة مما تحملنا عبأها على عملنا السياسي اللاحق في جهل المعرفة عن طبيعة عدوك وطريقة تفكيره وكيفية التعامل معه .
في كتابه ( أستجواب الرئيس صدام حسين ) ينقل جون نيكسون رجل الإستخبارات الامريكي والمختص بملف العراق وبشخصية صدام حسين والحاصل على شهادة الماجستير من جامعة جورجتاون حول شخصية وتاريخية صدام حسين ولمدة ١٣ عاماً في الطابق السابع لمبنى وكالة الاستخبارات الامريكية قبل أن يقع أختياره في متابعة ملف صدام حسين وأبعاثه الى العراق لهذا الغرض ، الذي وصل الى بغداد قبل أربعة أسابيع من إعتقال الرئيس صدام حسين بل هو من أكد للامريكان في بناية المطار أنه هو بلحمه وشحمه الرئيس صدام حسين في معاينته له وصورة الوشم المطبوعة على جلد جسمه وأثر الرصاصة في ساقه من محاولة إغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم العام ١٩٥٩ في رأس القرية في العاصمة بغداد ، وشفته السفلى المتدلية من كثرة تناول السيكار ، وبعد أن عرضوه على رجالات النظام السابق المعتقلين لدى الامريكان عبد حمود التكريتي الذي أكد على هويته وطارق عزيز قطع الشك باليقين. في لحظتها زفت البشرى الى ساسة البيت الابيض باعتقال صدام حسين والى الشعب العراقي .
هوس جون نيكسون وقبل أنتمائه للوكالة مولعاً بالقراءة حول الشخصيات والقيادات التاريخية والتي تفردت بحكام شعوبها وتركت أثراً غائراً في ذاكرة العالم . نقل جون في كتابه ومن خلال لقاءاته التلفزيونية أموراً لفتت نظري ودغدغة مخيلتي عن حقبة سياسية ماضية كنت أحد ضحاياها . بدأت في بدايات السبعينيات وما يعرف بمشروع الميثاق الوطني ( الجبهة الوطنية والقومية التقدمية ) ، لا سجال على ضرورتها لكن الخلاف حول عقدها وشروطها وتكتيكها ونهايتها المأساوية . يروي في كتابه تفاصيل أستجواب الرئيس صدام حسين حول أهم القضايا ، بدءاً من طفولته التعيسة حيث ولد بدون أب مات أبوه وهو في بطن أمه والتي تزوجت بعد ولادته من عمه شقيق والده إبراهيم الحسن ، مما فتح عينيه طفلاً منبوذاً من أقرانه ، الذين كانوا يعيروه أنه بلا أب وأمه أنسانة شريرة . ولم أعثر على أولويات في صفحات كتاب جون أهمية حول أسلحة الدمار الشامل ولجان التفتيش والعلاقة بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة ( الراديكالية ) والتي كان يعتبرها صدام سلفية وأكثر خطوره من التنظيمات الشيعية على مستقبل نظامه السياسي حسب أدلائه للمحقق الامريكي . ولكن تلك الادعاءات والأفتراءات هي التي بررت الغزو الامريكي للعراق وتدميره ، ولم تشغل حيزاً كافياً في كتاب السيد نيكسون بقدر الاهتمام والتركيز على الجوانب الشخصية والقضايا الإجتماعية والصراعات في محيط القصر بين أفراد العشيرة الواحدة ( الحاكمة ) . لم أعثر في بحر الكتاب ذكراً للشيوعيين وبطشه بهم ، وهم جزء مهم وريادي في تاريخ العراق السياسي الحديث . قدموا تضحيات جسام من أجل الوطن والمباديء والقييم ولايمكن نكران دورهم بهذه الطريقة حتى وأن تختلفون معهم لكنهم يبقون فصيل مهم من تاريخ العراق .
يمضي جون نيكسون في صفحات كتابه تخبط السياسة الامريكية في التعامل مع الملف العراقي والتخبط في أتخاذ القرارات المصرية قبل أحتلاله وبعد أحتلاله في الصراع الواضح والمصالح المختلفة بين ساسة مراكز القوى في الادارة الامريكية ، ومن خلال كتاب المحقق جون أن غزو العراق وأحتلاله تم بناءاً على دوافع شخصية ضد الرئيس صدام في محاولة أغتيال بوش الأب على أرض الكويت بعيداً عن أي معايير أنسانية وقانونية في تدمير بلد بالكامل ومازال شعبه يئن تحت مخلفات الاحتلال وعواقبه . آذن ”من يقرأ الكتاب يجد بين صفحاته تخبط وصراع ساسة أمريكيا حول مصير العراق . من يتسنى له مطالعة الكتاب يدرك حجم الخطر الذي كان مبيتاً في العداء للعراق والقرار على تدميره ؟. وقد وردت أفكار وأراء في صفحات الكتاب من أستنتاجات جون نيكسون بعضها على خلاف معها بعيداً عن الواقعية السياسية العراقية في مسيرتها الطويلة لكنها تبقى وجهات نظر مختلفة ومتصارعة سواء أتفقنا معها أو أختلفنا وفي النهاية هي جزء من حال العراق ورأي الكاتب . ألقى الكتاب رواجاً واسعاً على ناصيات التواصل الاجتماعي وتلقف من قبل دور ومنتجي هوليود ليتحول الى فيلماً سينمائياً سيدر مليارات الدولارات لجملة أكاذيب وأكشنات بعيداً عن تطلعات وعذابات العراقيين في حقبة سياسية أمتدت من العام ١٩٦٨ ومازال العراقيين يدفعون ثمنها باهضاً .
أراد جون نيكسون في كتابه تخطئة السياسة الامريكية حول الملف العراقي وهذه حقيقة تأكدت ولا تقبل التأويل والصراع المحموم بين أركان ساسة أمريكيا وتأثير اللولب الصهيوني في سياسة العالم والشرق الأوسط وتحديداً العراق .
وسعى الكاتب أن ينقل للقاريء والمتابع شخصية مختلفة عن صدام حسين وخطأ السياسة الامريكية في أحتلال العراق وتغير النظام مقارنة بساسة العراق الجدد ، والذي نعتهم بالحثالات والمرتزقة في سرقة وضياع بلدهم العراق . لم يكن مستوى الكتاب بحجم الضجة التي أثيرت حوله ولا تلك المعلومات الدفينة عن رؤية العراقيين فهما الأدرى بها وببواطنها .
حاول الكاتب جون نيكسون من خلال عدة سيناريوهات قلب الحقائق عن شخصية صدام حسين وأخراجه بفيلم هو الأقرب الى خدمة مصالح الامريكان ومحاربة الإسلام المتعصب والمتطرف بعيداً عن مصلحة وتطلع العراقيين والأذى الذي تحملوه بسبب سياسة النظام والدكتاتور . ولم يشغل الكتاب مساحة كافية عن معاناة العراقيين جراء سياسة النظام لسنوات طويلة تحملوا فيها القتل والموت .
في وقت سابق قرأت نتفاً في عدة مواقع سطور من الكتاب والتعليقات حوله ، لكن صديقي ورفيقي خالد حسين سلطان كعهده بالوفاء والرفقة بعث لي نسخة من بغداد بواسطة صديقنا المشترك علاوي الشمري مما سهل عليه الأطلاع الكامل حول متون الكتاب ، الذي يعتبر أعتراف ضمني بهنجهية السياسة الامريكية في شؤون شعوب العالم .