19 ديسمبر، 2024 12:09 م

جون بولتون ونحن وإيران

جون بولتون ونحن وإيران

أطلق كثير من زملائنا الكتاب والمحللين العراقيين والعرب سيولا من التوقعات المتفائلة جدا بمقدم جون بولتن إلى موقع مستشار الأمن القومي الأمريكي.
حتى أن بعضا منهم ذهب بعيدا فنسج قراراتٍ ومواعيد لحربٍ جديدة وشيكيكة مؤكدة سيشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بتأثير بولتن ووزير الخارجية الجديد مدير الاستخبارات المركزية السابق مايك بومبيو وباقي صقور إدارته الأشداء ضد نشاط النظام الإيراني الإرهابي في المنطقة وضد نفوذه، وتحديدا في العراق، ثم في سوريا واليمن بعد ذلك.
وهذا يعني أن ترمب كان جاهلا بطبيعته الإرهابية ونشاطه في المنطقة. أو يعني أنه لم يكن يدري بأن قاسم سليماني هو الحاكم الحقيقي في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
أو يعني أنه لم يسمع ولم يقرأ تهديدات مليشيات الحشد الشعبي لسلامة القوات الأمريكية المتواجدة في بعض القواعد المتناثرة في العراق.
ويعني أيضا أنه كان عاجزا عن التحرك ضد عبث النظام الإيراني بأمن المنطقة، وأنه كان ينتظر دخول الصقرين الجديدين، بولتن وبومبيو، إلى حديقة اُسودِه ونُموره الآخرين، ليفي بوعوده التي قطعها على نفسه مرارا ويشنَّ حربه المؤجلة ضد إيران وجواسيسها ووكلائها المحليين.
والذي يعرف الرئيس ترمب، من منذ نعومة أظفاره، ومن أولى خطواته على سلم المال والأعمال، يقول إنه كان يباهي بأنه الآمر الناهي الأوحد الذي لا يقبل شراكة ولا وصاية من أحد.
ويتذكر مشاهدون كثيرون حول العالم غرابة سلوكه في برنامجه التلفزيوني الشهير The Apprentice (المتدرب)، وطريقته الدكتاتورية في إدارته لأعماله، على الشاشة، وأسلوب معاملته لموظفيه الكبار والصغار، معا، بما فيها من إهانة وإذلال:
يسأل أحدَ مستخدميه:
ماذا عملت اليوم في الموضوع الفلاني؟
كذا وكذا
وكيف عالجت المشكلة الفلانية؟
بكذا وكذا
لا، هذا لا يعجبني. You’re fired (أنت مطرود).
ومن أول فوزه بالرئاسة وآلافٌ من الذين يعرفونه جيدا يؤكدون أنه سيُدير أمريكا وشؤونها المحلية والخارجية الصغيرة والكبيرة منها بنفس أسلوبه في برنامجه التلفزيوني الشهير.
فهو، بهذه الخلفية والثقافة، لابد أن يكون، وقد أصبح رئيس أمريكا، مستشارا لنفسِه للأمن القومي ووزير خارجيته ودفاعه وخزانته وكبير موظفي بيته الأبيض، دون شريك.
وما جون بولتن ومايك بومبيو وغيرُهما من وزرائه ومستشاريه الكثيرين الآخرين عنده بأفضل ممن كانوا موظفين لديه في شركاته وفنادقه ونواديه التي لا تغرب عنها الشمس.
ومن أول عهده في الرئاسة، وحتى يوم أمس، لم يتغير إلا أقل القليل. فهو يضع هذا في منصبه اليوم ويطرده منه صباح غد بتغريدة على تويتر قصيرة يُبلَّغ بها صاحبها وهو يغتسل في حمامه، أو يكون في رحلة عمل.
وبناءً على ما تقدم يكون أغلب ما يقال عن حروب قادمة سيشعلها جون بولتن ومايك بومبيو وغيرُهما من صقور الإدارة ضد إيران، وتحديدا ضد نفوذها في العراق واليمن وسوريا، كلاما ليس له ربَّاط.
فأيُّ شيء، نعم أيُّ شيء، لن يحدث إلا إذا أراد ترمب. ولن يريد ترمب إلا إذا أدرك أن ذلك الشيء صفقة مجزية في حساب الربح والخسارة. وحسابُ الربح والخسارة لا مكان فيه لصداقة أو عداوة. فـ (كلُ شيء بثمن).
وأما الحق والعدالة والقيم الإنسانية وحرية الشعوب فهي لزوم ما يلزم لتهدأة خواطر المظلومين والمطرودين من ديارهم والمقصوفين بالأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة، ولمغازلة الموهومين بالضمير الإنساني وصحوته القادمة.
فلو كان ترمب ناويا على شيء مما يهجس به المحللون والمعلقون، اليوم، لفعله منذ شهور.
ولكن، والحق يقال، إن كلامنا عن ديكتاتورية ترمب وتفرده بالقرار وعدم قدرة أحد من وزرائه ومستشاريه على تغيير رأي له أو قناعة لا يعني أنه ليس عازما على ردع النظام الإيراني إذا تخطى حدود ما تسمح به المصالح الأمريكية العليا من دورٍ له في الإقليم، خصوصا وأن المنطقة التي تتلاعب بها إيران تبقى، برغم كل المتغيرات، مربط خيول أميركا، ومصدر رزقها الكبير.

أحدث المقالات

أحدث المقالات