23 ديسمبر، 2024 9:10 ص

جولة بين أروقة الكتب

جولة بين أروقة الكتب

زرت معرض بغداد الدولي للكتاب والذي أقيم على أرض بغداد الدولي بعد أفتتاحه بأربعة أيام˛ وقد أذهلني حجم التفاعل والمشاركة الرائعة سواء بدور النشر المشاركة والتي بلغت بحدود ˛700 دار نشر عراقية وعربية وعالمية والكم الهائل من العناوين المعروضة لدى تلك الدور والتي قدرت بحدود 2 مليون عنوان حيث لم يتم حضر أي عنوان سوى التي تدعو إلى الإرهاب والتطرف حسب ما ذكر لي أحد أفراد الفريق المنظم لتلك التظاهرة المثيرة.
ولكن ماشد أنتباهي أكثر هو الحظور المنقطع النظير من المواطنين حيث شاهدت شباباً˛ وشابات ويافعين ويافعات وحتى الشيوخ ونساء كبيرات˛ وهن يهمن بتصفح وشراء الكتب المتنوعة وبدأت أتذكر تلك المقولة التي كنا نسمعها سابقاً والتي تقول: القاهرة تؤلف وبيروت تطبع وبغداد تقرأ. وبدأت اتوقع نهاية عهد الأفيون الألكتروني في العراق والذي شهد للأسف أهمال الكتاب الورقي˛ بسبب توافر خدمة الأنترنيت وأنتشار شبكات التواصل الأجتماعي˛ وكذلك أنتشار لعبة البوبجي التي كانت وماتزال تستنزف الكثير من وقت الشباب حتى وصلت إلى مستوى الأدمان˛ أضافة إلى كونها تشيع العنف والتطرف في أوساط شريحة الشباب من كلا الجنسين.
فقد كنت سابقاً قبل عدة سنوات عندما أقدم على شراء كتاب فأني كنت أخفيه˛ حتى لا يراه أحد ويشرع في سؤالي عن سبب قرأت ذلك الكتاب ولأ أقرا كتاباً أخر˛ أو من اين لي وقت للقراءة؟ وماذا أحقق بعد قراءته؟ ˛وأني أدعي الثقافة أو أصرف أموالي في أمور غير مهمة وغيرها من الأسئلة والأستنتاجات المستفزة ˛أما اليوم فعند حضوري للمعرض كنت أحمل خمسون ألفاً وكنت أتقع اني سوف أعود بأكثر من نصف المبلغ.
ولكن عندما وجدت أسماء لكتب ولمؤلفين قد بحثت عنها مسبقاً ولم أجدها˛ وكانت بأسعار مرتفعة وليس هذا فحسب˛ حيث أن الأقبال الشديد على الشراء من قبل الزوار أثار قريحتي ودفعني لشراء كل ما أستطعت شرائه˛ بل المجيء في اليوم التالي لغرض شراء البقية التي لم أستطيع شرائها في المرة الأولى.
كما أن معرض بغداد الدولي للكتاب لسنة 2019 تميز بمبادرة فريدة من نوعها˛ وهي أفتتاحه من قبل رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح˛ وهذا يعبر عن أهمية الكتاب والقراءة والأهتمام بهما وقد راودتني فكرة˛ وهي ليست فكرة جديدة على مستوى العالم أو الوطن العربي والتي كان الهدف منها التشجيع على القراءة˛ ومنها ما حدث في البرازيل حيث أقدمت أدارة أربعة سجون أتحادية تظم بعضاً من أعتى المجرمين في البرازيل˛ بأتاحة الفرصة للنزلاء تلك السجون قراءة أعمالاً في الفلسفة والأدب والعلوم لخفض مدة أقصاها 48 يوماً سنوياً˛ من عقوبتهم مقابل قراءة تلك الأعمال والأستفادة منها.
حيث يمكن تجربة ذلك على مصنع التطرف الذي يقع بين ثنايا سجن بوكا˛ حيث أن أبو بكر البغدادي الذي أعتقل لوجوده في منزل أحد الأرهابين˛ فخرج منه زعيم أشرس التنظيمات الإرهابية في العالم. حيث لم يكن بوكا للأصلاح بل كان لتعبئة التطرف و الإرهاب. وكذلك حملة القراءة للجميع التي أطلقتها سوزان مبارك حرم الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك والتي أستمرت لأكثر من ثلاثة عقود˛ حيث تأسست العديد من المكتبات والتي تحمل أسم مبارك في عدة محافظات.
وتعد مكتبة مبارك في الأسماعلية هي الأكبر حيث تبلغ مساحتها 5000م2 وبلغت كلفة أنشائها 90000000 جنيه وتظم 32 وعاء ثقافي وهناك نظام إلكتروني يربطها ببقية المكتابات في الجمهورية.
فالنبدأ بأطلاق حملة القراءة حق لكل عراقي فالعراق أجدر بذلك لما يزخر تراثه من مأثر تدل على أحترام الكتاب القراءة فعلى سبيل المثال مكتبة الأمبراطور أشور بانيبال ومن أشهر المكتبات في بلاد النهرين وأعظمها مكتبة آشور بانيبال الذي لقب نفسه بعناية الحاكم الآشوري المثقف آشور بانيبال ملك العالم وملك الآشوريين ، وقد اختلف العلماء حول مقدار مقتنياتها حيث قال البعض بأنها 1000 رُقم طيني ، ويذهب البعض بأنها أكثر من ذلك ،
وكذلك دار الحكمة في بغداد وسوق الوراقين وفيه أنشد وصف ابو الطيب المتنبي الكتاب أجمل تعبير قائلاً:
أَعَزُّ مَكَانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ … وَخَيْرُ جَلِيْسٍ في الزَّمَانِ كِتَابُ
فلعمري أن القراءة والكتاب من أفضل الوسائل التي يمكن أن نحارب بها التطرف و الإرهاب˛ حيث أن شبكة الأنترنيت تحوي الكثير من المعلومات المغلوطة التي تسبب الفهم الخاطىء˛ والذي يعد من أهم مهاد الإرهاب أضافة إلى إن القراءة تشجع على الأبتكار والأبداع وأن قضاء الوقت في تصفح مواقع التواصل الإجتماعي˛ يؤدي إلى ظهور جيل يعيش حالة السأم والفراغ الدائمة وعليه فلابد من جعل القراءة عادة يدمنها الموظف في القطاعين العام والخاص والعمال بل حتى نزلاء السجون والأصلاحيات حتى تصبح الهواء الذي يتنفسه الجميع.