22 نوفمبر، 2024 6:51 م
Search
Close this search box.

جولان

وجولان بالجيم المعجمة بثلاث نقط، وجولان هو الابن الثاني لعائلة قدمت من الكوت لتسكن الثورة، لم تكن من سكنة العاصمة والمجزرة ولا من سكنة الشاكرية او الوزيرية، سمعوا ان الزعيم وزع قطع اراضٍ في بغداد فقدموا، مات الاب في الثورة وبقي كاظم الابن الاكبر وكان معاقا وجولان معه يعيلان امهما واختهما (نوميه)، كان لديهم حصان افردوا له غرفة في الدار ولم يربطوه خارج البيت بالرغم من توفر المساحة الخالية، جولان انسان وديع ، شاب كبير بعقلية طفل، ممتلىء بالبراءة والطيبة، وهو جاد من جهة اخرى، فهو يعمل بالعمالة، ولايتسكع في الطرقات، كان يمتلك صفات جسدية ممتازة وبنية قوية، لكن وجهه يحكي قصة من الانسحاق والفقر، فالانف طويل جدا، تزينه عينان صغيرتان، وفم مندفع الى الخلف كثيرا، مع اسنان غير منتظمة، يحاول ان يندمج مع الشباب لكنه يواجه في الكثير من الاوقات بالسخرية فيعود ادراجه، يقضي اغلب حاجات البيت عندما يعود من العمالة، فهو مكلف بكل شيء، كان قطاع 55 مكتظ بالخوشية ومدعي القوة والشجاعة، بعض الشباب الطائش كان يحمل سكينا ( ام الياي) ويضع خلف ياقة القميص منديلا ويكف ردني قميصه ليظهر عضلاته، ومن هؤلاء كان نجيب، فتى يحب اذى الآخرين، ليس له عمل ثابت سوى التسكع في الشوارع ، تارك للدراسة.
(امهات الروبه) كما نسميهن، يعملن شفتين، ففي الصباح القيمر وفي المساء ( الروبه)، والروبة هي اللبن الجامد كما هو اللبن المعلب لدينا الآن، يحملنه في اوانٍ معدنية كبيرة، والمكيال الذي يستعملنه صحن الشاي العادي، وكلنا كانت تبعثنا امهاتنا لجلب الروبه، وصادف ان بعثت ام كاظم الشاب جولان بثلاث نقط تحت الجيم لجلب الروبه، ونجيب يقطع الطريق مع (سكينه ام الياي)، فامسك بجولان واراد ان يصادر قدر الروبه، وسحب سكينه، فما كان من جولان الا ان يضربه بقدر الروبه ومن ثم يتناوله بضربات بكل مكان، كان تلك الامسية مجالا للتندر في ارجاء القطاع على نجيب، اختفى نجيب بعدها ولم يظهر الى العيان وبقي جولان مرفوع الرأس يمشي على قدميه بفخر بعد ان خلص الناس من نجيب ومن اذاه، وتفاجأ الجميع ان بيت نجيب رحلوا من القطاع الى مكان آخر، بقي جولان بطيء الفهم، لكن تربطه علاقات ودية مع الجميع، الى ان جاءت حرب الثماني سنوات والتي كان حطبها الناس الفقراء فقط.
الشهادة ربما كانت تنقذ صاحبها نوعما، خصوصا في بدية الحرب، والواسطة ايضا مؤثرة، والمال مؤثرا، ولكن المسكين الذي لايمتلك من هذه الثلاث واحدة، حتى
الوكاحة ومعرفة بعض الطرق الملتوية قد تنقذ صاحبها، لكن جولان لم يكن يمتلك ايا من هذه الصفات، كان انسانا وديعا، ولم يكن يعرف طرق الشباب الاخرى، وكان فقيرا، ولايعرف احدا ولايمتلك واسطة، فكان من اكبش فداء قادسية صدام، ذهب الى الجبهة وعاد جولان بلا رأس، فقد تأكدوا من بطاقة هويته، لم يكن احد واثقا انه جولان، ربما لم يكن هو ، وبقيت آمال اهله المساكين متعلقة بالاحتمالات التي لم تأت ابدا، وتزامن الامر مع شريط كاسيت ظهر في تلك الفترة بصيغة الفكاهة لعلي طاهر وهو يردد سخرية من النظام وربما انتقاما للجثث التي جلبت بلا رأس: ( مالك راس ورجلين يلعيبي يمّه).

أحدث المقالات