18 ديسمبر، 2024 7:49 م

الحصول على جواز سفر ليس من الأمور البسيطة في العراق، لذا يشعر المواطن بنشوة النصر وهو يتسلم جواز سفره بعد رحلة مراجعات مملة وانتظار طويل خلف طوابير مزدحمة طالما تعرقل مسيرتها خروقات أصحاب الواسطات، وسالكي طريق التوريق الذي يفتح لهم الأبواب الموصدة على مصاريعها، برغم التعليمات التي تشدد على منع مثل هذا الأسلوب من التعامل، لكن الفساد غير مسيطر عليه في ظل وجود ضعاف النفوس الذين يشكلون حلقات متصلة ببعضها تتقاسم الحصص والنسب.
المعاناة والمكابدة والمصابرة تجدها عند أولئك الذين لايملكون ” واسطة” ولا ” فلوس”، وهؤلاء يقفون بكل رباطة جأش على النوافذ ، ويحاولون أن ينظمون حركة السير خطوة الى أمام من دون خروقات تفرض نفسها عليهم، لكن ما حيلة المضطر الا الإنتظار وترويض النفس المروضة أصلاً على تحمل حر الصيف وبرد الشتاء، و”رزالة” الموظف، الذي يغلق نافذته متى يريد، أو يترك المكان خالياً الى حيث لايدري، هو أو ذاك الذي تصور أنه جاءه الفرج بعد أن أمسك بكتيبة النافذة وضربته بعض نسائم الهواء العليل، تراوح الأرجل مكانها فيما يتهامس المنتظرون في ما بينهم، ويتطلعون بعين الأمل الى عودة الموظف الى مكتبه، وتنتهي رحلة لتبدأ أخرى، وتتقلب الوجوه من نافذة الى نافذة لينتهي المشوار باليوم الموعود لتسلم جواز السفر.لايكتم المراجع فرحته وهو يحصل على جوازه، فما أن يركب الـ ” كيا” حتى يقص عليك رحلته مع الجواز وهو يلوح به اليك وقد غلفه بجلاد خاص، ثم يحكي لك رحلته التي بدأت بتجديد هوية الأحوال المدنية، وشهادة الجنسية، لأن الإجراءات السامية تفرض أن تكون الصورة نفسها في جميع الوثائق الثبوتية للشخص المتقدم بطلب الجواز.
الإشكالية التي تزيد من الأمر تعقيداً، لو ظهر هناك مؤشر أمني ما، كتشابه بالأسماء لأشخاص مطلوبين للعدالة أو ممنوعين من السفر، حتى وان كان بعض هذه المؤشرات يمكن تجاوزها بسبب العمر أو المكان الجغرافي، لكن لابد من إجراءات روتينية أو لنقل إحترازية للتأكد بأن طالب الجواز ليس هو المقصود في قوائم المنع.
أحد الأصدقاء سافر الى الشقيقة مصر، وكان بإنتظاره صديقه المصري الذي كان يوماً ما في العراق، فسأله عن سبب تأخره، فأجابه بسبب الجواز، فظن أنه يقصد الزواج وأخذ يؤنبه لعدم اصطحابها معه، لكنه التمس اليه العذر قائلاً : ” لعل التكاليف كانت المانع”، غير إنه أخرج من جيبه الجواز وقال : هذا الذي أخرني.هذا التعب وتلك المشقة، ينبغي أن يقابلهما قيمة متميزة لهذا الجواز تعكس مكانة العراق في العالم، لكن ما يدمي القلب، أن الجواز العراقي صنف في ذيل الجوازات على مستوى العالم، إذ إحتل المرتبة الثالثة في الأسوء عالمياً، والأخير عربياً، وليس ذلك بسبب شكله ولا تصميمه، وانما للحضور العراقي المتدني على مستوى الدبلوماسية والسياسة الخارجية في المحافل الدولية، والذي إنعكس سلباً على نسبة منح سمة الدخول للعراقيين في دول العالم.

دعونا نعيد النظر في إجراءات منح الجوازات مثل بقية دول العالم، ونعمل على الإرتقاء به عالمياً من خلال سياسة خارجية ناجحة، تفتح افق العالم للعراقيين من دون تحفظ.