22 ديسمبر، 2024 10:12 ص

جهود الصهاينة لإحباط الثورة الايرانية 1978-1979

جهود الصهاينة لإحباط الثورة الايرانية 1978-1979

 

قراءة التاريخ تجعلنا نفهم كيف تجري الامور في المنطقة, ان الاحداث الكبيرة التي تحصل ليست وليدة الصدفة, وليست بعيدة عن مخططات الغرفة المغلقة, وهذه القراءة من خلالها نفهم طبيعة الدور الصهيوني في أحداث بلدان الشرق الاوسط, والعراق ليس بعيد عن أطماع الكيان الصهيوني, وقد توضحت الأدوار خصوصا بعد اكتشاف وجود خلايا من الموساد في اربيل قبل عام من كتابة هذا المقال, او الجاسوسة التي تم الامساك بها قبل فترة, ان المناطق الرخوة التي تعيش حالة من التشتت والتمزق الاجتماعي والسياسي والطائفي وتعاني من ضعف القانون, تكون اسهل مكان للكيان الصهيوني كي يخترقها عبر اراذل تلك المجتمعات.

سيكون محور حديثنا عن الأيام الحاسمة للثورة الايرانية (7 يناير 1978 حتى 11 فبراير 1979 ), وكيف نشط صهاينة تل أبيب في سعي محموم لافشال ثورة الايرانيين, فهم كانوا اشد المساندين للشاه, ويرفضون اي حراك إسلامي يمكن ان ينتج قيام جمهورية إسلامية.

لكن في نهاية تلك الأيام فشلت كل جهود الكيان الصهيوني امام ارادة الشعب الايراني, وحصل التغيير الكبير, وتم الخلاص من حكم الشاه, وأعلنت الجمهورية الاسلامية الايرانية.

نحاول هنا فهم ما كان يحصل في تلك الأيام العصيبة, وكيف تصرف الكيان الصهيوني للقضاء على الثورة الاسلامية في ايران.

 

· الصهاينة ومساندة شاه إيران

كان تحرك صهاينة تل ابيب علني جدا, فهم لا يخجلون من قبح اعمالهم, فمع ان ما كان يجري في ايران يعتبر شان داخلي يجب احترامه, لكنهم قاموا بمجموعة اجراءات في مسعى للحفاظ على عرش الشاه! لما يمثله لهم من حليف قوي, فالموقف العام كان معلن بأن الصهاينة مع الشاه, اما اجراءات ذلك الموقف فكانت محاطة بالسرية التامة والتكتم الشديد, وقد كشفت لاحقا تلك الاجراءات ونشرت في الصحف العالمية, وكانت تعتمد على اربع مسارات, وهدفها الاطاحة بالثورة واعادة القوة للشاه.. وهذه الإجراءات الصهيونية هي:

 

· اولا:

عمل الكيان الصهيوني بعد ارتفاع وتيرة التظاهرات ضد الشاه, بتسيير جسر جوي من مطارات الكيان الصهيوني (مطار اللد – ومطار رامات ديفيد العسكري قرب حيفا), لنقل معدات حديثة لمقاومة التظاهرات وتفريقها دون سفك الدماء, وقد شملت هذه المعدات: بنادق تطلق غازات تتسبب في اصابة المتظاهرين بحالات ارتخاء الاعصاب وفقدان السيطرة واجهزة اخرى متطورة.

 

· ثانيا:

ارسل الكيان الصهيوني وحدات خاصة مدربة تدريبا خاصا على مقاومة التظاهرات وحرب العصابات (واعمال التخريب), تتبع لجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) والمهمات الخاصة في الشرطة, ويقود هذه الوحدات جنرال الاحتياط السابق رحبعام زئبقي الذي كان يشغل منصب قائد المنطقة الوسطى في فلسطين المحتلة في السبعينات من القرن الماضي, ثم عين مستشارا لرئيس وزراء الكيان الصهيوني لشؤون مكافحة الإرهاب والمهمات الخاصة.

وقد شاركت هذه الوحدات التي نقلت بواسطة طائرات تابعة لشركة (ال عال) الصهيونية في قمع المظاهرات, واطلاق النار على المتظاهرين في المدن الرئيسية, بعد أن أخفقت كل الوسائل الأخرى في وضع حد لانفاضة الجماهير ضد الشاه.

وكان ضمن هذه الوحدات الصهيونية افراد يجيدون اللغة الفارسية, وهم يهود من اصل ايراني, بالاضافة الى عناصر صهيونية اخرى كانوا يرتدون زي الجيش الايراني.

وقد حاولت السلطة الايرانية التابعة للشاه التستر على هذه الوحدات! فزعمت ان أفراد هذه الوحدات الذين قمعوا التظاهرات هم من منطقة البلوش, شرقي ايران من ذوي الملامح الشقراء.

 

· ثالثا:

شاركت مجموعات من الصهاينة الذين يتواجدون في إيران ويعملون كمستشارين وخبراء, بالاضافة الى التنظيم السري الذي شكله يهود ايران, بدعوى الدفاع عنهم وتوفير الحماية لهم, قام بدور التصدي للتظاهرات واطلاق النار على المتظاهرين.

وقد اظهرت الاحداث ان الكيان الصهيوني استطاع ان يسلح مجموعات كبيرة من يهود ايران, وخاصة اليهود الذين يعيشون في طهران, والذي يبلغ عددهم حوالي (25 الف يهودي), وقد استخدمتها في قمع التظاهرات في محاولة للدفاع عن حكم الشاه.

واظهر التدخل الصهيوني وجود مجموعات عسكرية صهيونية في قاعدة تقع على مسافة 1300 كيلو متر من طهران, وبالقرب من مدينة بندر عباس وعبادان, وقد زعم احد افراد هذه المجموعات ويدعى مردخاي كلادينبرج: أن هذه المجموعات تقوم بإنشاء تجمعات وقواعد عسكرية للجيش الايراني وأعمال تدريب.

 

· رابعا:

أعلن الكيان الصهيوني انحيازه الصارخ الى جانب نظام الشاه! وجند كل اجهزة اعلامه تاييدا للشاه وشن حملات اعلامية شعواء ضد التظاهرات وضد القوى المناهضة لحكم الشاه, مبررا ذلك أن هذه القوى سواء ذات الاتجاه الاسلامي او الراديكالي, ستعمد في حال تسلمها مقاليد السلطة الى منع وصول النفط الى الكيان الصهيوني.

وياتي هذا الحماس الكبير في التاييد لنظام الشاه على الصعيد الاعلامي والسياسي, مكملا أشكال الدعم الفعلي الذي سبق التعرض له في النقاط السابقة.

 

· سؤال مهم..؟

ما سبب كل هذا الحماس الصهيوني للدفاع عن نظام الشاه, مع ان ما جرى في ايران كان شأن داخلي!

ويمكن الاجابة على هذا التساؤل بالاتي:

 

· اولا: العامل الاقتصادي

في السبعينات كان الكيان الصهيوني مرتبط مع إيران بعلاقات ومصالح اقتصادية ضخمة, وديمومة هذه المصالح تعتمد على الاستقرار السياسي في ايران, حيث كان الكيان الصهيوني يعتمد على إيران كمصدر رئيسي للحصول على امدادات النفط, ولم يكن النشاط الاقتصادي يقتصر فقط على النفط, بل كان الشاه قد ابرم عقود كبيرة جدا وصلت ال مبلغ (500 مليون دولار), وكان رقم مخيف وكبير جدا في ذلك الوقت.

مثل العقود التي أبرمها نظام الشاه مع شركة (سوليل بونيه) للبناء التي تقوم بشق الطرق واقامة المباني وتنفيذ مشاريع الري, وشركة (كور) للمعدات, وغيرها. بالاضافة الى تواجد الاف المستثمرين الصهاينة في ايران حيث عملوا على استغلال اراضي واسعة وزراعتها واستغلال إنتاجها للكيان الصهيوني.

وكانت ايران تشكل سوق رائج لترويج البضائع الصهيونية, وعلى الاخص الادوات الكهربائية مثل المكيفات والثلاجات واجهزة الراديو والتلفزيون والهاتف والات الري الزراعية والهندسية واطارات السيارات.

 

 

· العامل السياسي

لا يمكن إهمال العامل السياسي وأهميته للكيان الصهيوني في تلك الفترة, حيث كان الصهاينة يتخذون من إيران قاعدة لأنشطتهم في الشرق الأوسط, حيث كانت تنشط الوكالة اليهودية في إيران, وحركة الطلائع والمنظمة الصهيونية العالمية وحركات صهيونية اخرى, وهذا النشاط بدا قبل اقامة الكيان الصهيوني خصوصا مع وجود 80 الف يهودي في ايران في تلك الفترة, لذلك كان الصهيوني يخاف من اي تغيير في ايران, يمكن ان يهدد قواعدها المخابراتية ووجودها الاقليمي, فتخسر موقعا هاما عملت عليه لعقود.

لذلك كانت ردودها عنيفة ضد التظاهرات والجهود الساعية للاطاحة بحكم الشاه, وكانت معلنة لموقفها وبقيت مع الشاه حتى آخر لحظة.

 

· العبرة

ان الكيان الصهيوني لا يمكن ان يهمل الارض الرخوة, بل يتمدد ويتدخل ويساهم في نشر الشر, ودعم المنحرفين وكل من يسعى لاعادة امجاد الدكتاتورية, والعمل على تكريس الجهل والخرافة, وتهدف خطة الكيان الصهيوني في جعل الاكاذيب حقائق يؤمن بها اغلب الجمهور غير الواعي, كي لا يستقر البلد ويدخل في زلزال من الفوضى والمحن, وهكذا يبقى خاضع لسطوة الاخرين.