17 نوفمبر، 2024 12:23 م
Search
Close this search box.

جهود الإمام الشافعي – رحمه الله – في نصرة سنّة رسول الله ﷺ

جهود الإمام الشافعي – رحمه الله – في نصرة سنّة رسول الله ﷺ

لدراسة التراث العلمي والفكري لعلماء الأمة وأئمتها الكبار دور كبير في بناءِ النهوض الحضاري، فلربما يساهم تراث بعض المصلحين في نهضة الأمة بعد وفاته بقرون، ومن هؤلاء الأئمة بل من أبرزهم على الإطلاق الإمام الجليل والعلم الكبير، ناصر السنة وقامع البدعة، محمد بن إدريس الشافعي، فقد ذاع صيته، وطارت شهرته في الافاق، وتناقل العلماء وطلبة العلم كتبه، ورحل إليه أهل الحديث والفقه من شتى أطراف العالم الإسلامي، ليأخذوا عنه العلم، وظلت كتبه واثاره محجة للأجيال التي جاءت من بعده، وإلى يوم الناس هذا().
اسمه ونسبه:
هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو عبد الله القرشي الشافعي المكي؛ نسيب رسول لله (ص) وابن عمه() . قال النووي ــ رحمه الله ــ : الشافعي ــ رضي الله عنه ــ قرشي مطلبي بإجمــاع أهل النقل من جميع الطوائف، وأمه أزدية () ؛ وينسب إلى جده شافع بن السائب صحابي صغير لقي النبي (ص) وهو شاب مترعرع، ويروى: أنَّ النبي (ص) كان ذات يوم في فسطاط؛ إذ جاءه السائب بن عبيد ومعه ابنه ـ يعني شافع بن السائب ـ فنظر النبي (ص) إليه، فقال: من سعادة المرء أن يشبه أباه() .
2 ـ لقبه:
يلقب ـ رحمه الله ـ بناصر الحديث، وذلك لما اشتهر عنه من نصرته للحديث، وحرصه على اتباعه.
3 ـ مولده ونشأته:
اتفق المؤرخون على أنه ولد عام (150 هـ)، وهو العام الذي توفي فيه الإمام أبو حنيفة رحمه الله() .
4 ـ مكان ولادته:
اختلفت الروايات في مكان ولادته، فأشهرها: أنه ولد بغزة، وقيل: بعسقلان، وقيل: باليمن() . وقد قال ابن حجر في ذلك: إنه لا مخالفة بين الأقوال؛ لأن عسقلان هي الأصل في قديم الزمان، وهي وغزة متقاربتان، وعسقلان هي المدينة، فحيث قال الشافعي: غزة؛ أراد القرية، وحيث قال: عسقلان أراد المدينة. والذي يجمع بين الأقوال: أنه ولد بغزة عسقلان، ولما بلغ سنتين حوَّلته أمه إلى الحجاز ودخلت به إلى قومها وهم من أهل اليمن؛ لأنها كانت أزدية، فنزلت عندهم، فلما بلغ عشراً؛ خافت على نسبه الشريف أن ينسى ويضيع، فحولته إلى مكة() ، وبهذا الجمع يذهب اللبس في اختلاف الروايات. والله أعلم() .
توفرت في الإمام الشافعي مآثر وصفات رفعته إلى مصافِّ المجددين، ولعل من أبرزها:
1 ـ دفاعه عن عقيدة النبي (ﷺ) وأصحابه: وحربه للمنحرفين عنها.
2 – تدوينه على أصول الفقه: ويعد الشافعي أول من صنَّف في أصول الفقه، وأرسى قواعده بلا اختلاف ولا ارتياب، وذلك في كتابه (الرسالة).
3- نصرته للسنة:
وقد برزت نصرته للسنة في عدة ميادين:
أ – وضعه لقواعد أصول الحديث: يقول أحمد شاكر: وليس كتاب (الرسالة) أول كتاب ألف في علم أصول الفقه، بل هو أول كتاب في علم أصول الحديث؛ لأن ما عرض له الشافعي في كتاب (الرسالة) من بيان لحجية خبر الواحد، وشروط صحة الحديث، وعدالة الرواة، وردِّ الخبر المرسل، والمنقطع إلى غير ذلك هو أدق، وأعلى ما كتب العلماء في أصول الحديث، بل إن المتفقه في علوم الحديث يعرف أن ما كتب بعده، إنما هو فروع منه وعالة عليه، وأنه جمع ذلك وصنفه على غير مثال سبق() .
ب ـ تعظيم السنة ورد شبهات المنكرين لحجيتها أو حجية بعضها.
ج ـ جمعه بين رواية السنة ودرايتها: فقد كان أصحاب الحديث يُـعْنَون بالرواية والنقل، أكثر من عنايتهم بالفقه والاستنباط، مما جعلهم عاجزين عن المناظرة والمجادلة، وغير قادرين على تزييف طريق أصحاب الرأي، فجاء الإمام الشافعي، فأقام توازناً بين الفقه والحديث، وبين الرواية والدراية من غير غلو ولا شطط، وأعاد الناس إلى منهج الاعتدال والوسطية، لذلك فرح أصحاب الحديث بالشافعي فرحاً شديداً، وأثنوا عليه ثناء حارّاً، وسموه ناصر السنة() ، وقال إبراهيم الحربي: سألت أبا عبد الله عن الشافعي فقال: حديث صحيح، ورأي صحيح() . وقال محمد بن الحسن: إن تكلم أصحاب الحديث يوماً فبلسان الشافعي، يعني لما وضع من كتبه() ، وقال أحمد: ما كان أصحاب الحديث يعرفون معاني أحاديث رسول الله (ﷺ) فبيَّنها لهم().
د – إنصافه ورجوعه إلى الدليل وعدم تعصبه: فقد قال: إذا صح عندكم الحديث عن رسول الله (ﷺ) فقولوا به، ودعوا قولي، فإني أقول به وإن لم تسمعوا مني، وفي رواية: فلا تقلدوني. وفي رواية: فلا تلتفتوا إلى قولي. وفي رواية: فاضربوا بقولي عُرض الحائط، فلا قول لي مع رسول الله (ﷺ) () ، وقال الحميدي: روى الشافعي يوماً حديثاً فقلت: أتأخذ به؟ فقال: رأيتني خرجت من كنيسة، أو عليَّ زنار، حتى إذا سمعت عن رسول الله حديثاً لا اخذ به؟!() . وكان يقول لأحمد: يا أبا عبد الله إذا صح عندكم الحديث، فأعلمني به أذهب إليه، حجازياً كان، أو شامياً، أو عراقياً، أو يمنياً() .
ه – عموم علمه ونفعه أهل الإسلام: ومن خلال ما مضى عن سيرة الإمام الشافعي يتضح لنا: أن اختيار نظام الملك لتراث الإمام الشافعي وفقهه في مناهج المدارس النظامية كان صحيحاً، وقد كانت جهود الوزير نظام الملك في نصرة المذهب الشافعي ذات أثر بالغ الأهمية في تثبيت دعائمه في المشرق، وتزامنت هذه الجهود مع وفرة عدد من كبار فقهاء الشافعية المتبحرين، من الذين رسخت أقدامهم في العلم، وليس أدل على المكانة المرموقة التي حطي بها الوزير نظام الملك عند علماء الشافعية من تصنيف إمام الحرمين الجويني ـ وهو من أكابر الشافعية ـ كتاباً في أحكام الشريعة، وجهه لنظام الملك، وسماه بالنظامي، ثم تصنيفه لكتاب الغياثي، والمسمى أيضاً (غياث الأمم في التياث الظلم) ، وهو في أحكام السياسة الشرعية كذلك، حيث جعل قسماً كبيراً منه موجهاً للوزير نظام الملك، بعد أن أثنى عليه في مقدمة الكتاب ثناء حسناً ومدحه ببعض أبيات الشعر() .

المراجع:
التجديد في الفكر الإسلامي، عدنان محمد أسامة، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، رجب 1424 هـ.
تهذيب الأسماء واللغات، لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، إدارة الطباعة المنيرية.
توالي التأسيس، لمعالي محمد بن إدريس، للحافظ ابن حجر، حققه أبو الفداء عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط 1، 1406 هـ.
دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 1427ه.
سير أعلام النبلاء، تصنيف شمس الدين محمد أحمد بن عثمان الذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة.
المدخل إلى المذهب الشافعي، أكرم يوسف عمر القواسمي، دار النفائس، الأردن ـ عمّان، الطبعة الأولى، 1423 ه/ 2003 م.
منهج الإمام الشافعي في إثبات العقيدة، محمد عبد الوهاب العقيل، أضواء السلف، الرياض، الطبعة الثانية 1425 هـ/ 2004 م.

أحدث المقالات