18 ديسمبر، 2024 11:00 م

جهاد البيانات القديمة المجددة

جهاد البيانات القديمة المجددة

يقال إن الجمل لا يرى سنامه ويضحك حين يرى سنام أخيه. ولا أدل على ذلك من الإيرانيين، من أعلى من فيهم إلى أسفل سافلي موظفيه العسكريين والمدنيين، خصوصا حين يتحدثون عن جبروت جمهوريتهم العامرة المزدهرة المنتصرة كالجبل لا تهزها ريح أعدائها، وتعدهم بيوم حسابها العسير.

فقبل أيام قليلة على رحيل أعدى أعدائها، دونالد ترمب، أعلنت الولايات المتحدة، رسميا، عن ضمّها إسرائيلَ إلى مسؤولية القيادة المركزية الأميركية، في خطوة من شأنها أن تحقق اندماجَها الكامل في الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال، وهي أول من نشر نبأ التغيير، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن “الخطوة تهدف إلى تعزيز التعاون العربي الإسرائيلي ضد إيران“.

وفي تحليل نشره موقع (ريل كلير ديفينس) المتخصص بالتحليلات العسكرية، قال الجنرال المتقاعد (تشارلز والد) إن “ضم إسرائيل لمنطقة القيادة المركزية الأميركية من شأنه أن يمهد الطريق أمام البنتاغون لاستخدام إسرائيل بشكل أكبر في العمليات الإقليمية“.

وهذا يعني أن شرطي الأمن الجديد في المنطقة هو نتياهو، وأن ما سيقوم به في سوريا ولبنان والعراق، وفي طهران ذاتها، من الآن فصاعدا، هو استراتيجية أمريكية مباركة من أوربا ومن دول الإقليم العربية المنخرطة في حصار النظام الإيراني لإضعافه ودفعه إلى الموت البطيء أو الانتحار السريع.

وفي ظل هذا الحصار المحكم والاقتصاد الإيراني المرهق الذي جعل الشعب الإيراني أفقر شعوب المنطقة تجتهد المخططات الأمريكية الإسرائيلية العربية من أجل إغراق النظام الإيراني بالمزيد من مسؤوليات الإنفاق الخارجي الباهظة على شراء السلاح وتصنيعه لتأهيل المليشيات وتعزيز قدرتها من أجل حمايته من السقوط. 

فقد نقلت وكالة الأنباء الإيرانية، (إرنا) عن وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، قوله إن: “أعداء إيران لا يفهمون لغة أخرى غير لغة القوة”، و”جميع مؤامرات الأعداء لتطويق إيران باءت بالفشل”، وإن”القوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية باتت اليوم واحدة من أفضل الجيوش على مستوى العالم”.

وقبل ذلك بأيام نقلت الوكالة ذاتُها عن رحيم صفوي، كبير المستشارين العسكريين للمرشد الإيراني، قوله إن “أقل تأثير لدماء الجنرال سليماني وأبو مهدي المهندس ومحسن فخري زاده، والمدافعين عن الأضرحة، سيكون طرد القوات الأميركية من غرب آسيا وتحرير القدس”.    
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال محمد رضا نقدي، نائب المنسق العام للحرس الثوري، في مقابلة تلفزيونية، إن إيران أنفقت 17 مليار دولار على أنشطتها الإقليمية في المنطقة، بما فيها الأنشطة الدبلوماسية والثقافية والدفاعية.
وفي يناير (كانون الثاني) 2016، قال قائد الحرس الثوري السابق، محمد علي جعفري، إن بلاده ترعى 200 ألف مقاتل موالٍ لها في سوريا واليمن والعراق وأفغانستان وباكستان.
وتأتي تصريحات صفوي بعد أيام من كلمة بثها التلفزيون الرسمي للمرشد الأعلى علي خامنئي قال فيها: “على النقيض من الولايات المتحدة، يحقق التدخل الإيراني في المنطقة الاستقرار، ويهدف إلى منع الاضطرابات. إن تدخل إيران في المنطقة حتمي وسيستمر”.

ومن جانبه أكد قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني، علي حاجي زادة، أن “كل ما تمتلكه غزة ولبنان من قدرات صاروخية، تم بدعم الجهورية الإسلامية في إيران، وهما الخط الأمامي للمواجهة“.

وقال علي حاجي زادة خلال مقابلة مع قناة “المنار” اللبنانية “نحن نُعلّم جبهة المقاومة صناعة سنارة الصيد، بدلا من تقديم السمك لها”، وإن “قدرات محور المقاومة لم تعد كما كانت قبل عشر سنوات، فاليوم يطلق الفلسطينيون الصواريخ بدلا من الحجارة“.

وأضاف قائد القوات الجوية الإيراني مهددا: “لدينا أمر عام من المرشد، علي خامنئي، بتسوية حيفا وتل أبيب بالأرض، في حال ارتكبت إسرائيل أي حماقة ضد إيران”.

وقدم القومجيون الفرس في البرلمان الإيراني، مشروع قانون، يُلزم الحكومات الإيرانية المتعاقبة بـالقضاء على إسرائيل خلال مدة أقصاها عشرون عاما”.

ونكتفي بهذه الحزمة البائسة من بيانات الجهاديين الإيرانيين، وهي، في حقيقتها، لا تكشف سوى عن شعور عميق بالإحباط والضعف والخوف على المصير. ففي قناعة علماء التحليل النفسي أن المبالغة في التهديد والوعيد، والمباهاة بالقوة لإخافة العدو، دليلٌ على شعور المتكلم بقلة القيمة، وقلة الحيلة، في مواجهة الخطر المحدق المخيف.

وقد علّمنا التاريخ البشري الطويل أن القويّ غير الضعيف، والشجاع غير الجبان، والمطمئنّ غير الخائف، لا يتبجح ولا يباهي ولا يهدد.

وبالتأني والتمحيص الدقيق لا نجد لإيران ما يدعيه قادتها العسكريون الكبار من وجودٍ راسخ ومستقر وثابت في لبنان والعراق وسوريا واليمن وفلسطين. بل إن كل ما تمكنت إيران من زراعته في هذه الدول هو مجرد قلاقل ومناوشات ومؤامرات ومحاولات هيمنة، تقابلها قوىً محلية وخارجية عديدة تتحدى قوتها، وتقتل جنرالاتها وجنودها وعملاءها ووكلاءها المحليين، وتبقي النار تحتها وحولها موقدةً على الدوام، ولا تنطفئ.

وسيكون قادة النظام الإيراني قد جنّوا، أو عميت عقولهم وقلوبهم وخانتهم قدرتهم على الإبصار إذا ما توهموا أن البلاد التي تسللوا إليها، بمعونة الأمريكان ورعايتهم، وخربوا حياتها، وعطلوا جيوشها، وأقلقوا أمنها، وأفسدوا اقتصادها، وأهانوا شعوبها، ستبقى ذليلة مستسلمة، ويَبقوْن هم، وحدَهم، مالكين أرضَها وماءها وهواءها، إلى يوم يبعثون. والزمن كالنهر لا يجري إلى وراء.

وكما ترون، ها هم، المرشد الإيراني وفرسانه الأشداء، يجاهدون بالبيانات القديمة المجددة التي يعود زمن عجنها وخَبزها لعشرات السنين.