السلوك السياسي في البلاد يُظهر بوضوح أن المجتمع , وعلى مر العصور والفترات , يعبر بسلوكه عن جنون الشخصنة , أي أنه يركن إلى فرد ما ويجعله حالة لا بشرية , ويمنحها طاقات مطلقة وصلاحيات خارقة.
وهذا السلوك يتكرر في المجتمع ولا يعرف التشافي منه , وكأنه يتحرك بدائرة مفرغة من التداعيات القاسية , ولا يعنيه الوطن والحاضر والمستقبل.
وأهم أسباب الحالة القائمة هو جنون الشخصنة , وكأن الذي تمكن من المنصب (الفلاني) , صار مقدسا ولا يمكن إستبداله , أو أن المجتمع أصبح عاجزا تماما عن إيجاد بديلا عنه , لأن الناس يستحوذ عليها التقديس والإنقياد والتبعية والإذعان لما هو متحقق في لاوعيها الجمعي , من الصور والتهيؤات.
والعجيب في جنون الشخصنة أنها تجعل من الفرد المُشخصن يتصرف وكأنه الإله , ولا يشعر بما يدور حوله , وإنما يعيش في فنتازيا إنقطاعية عن واقعه , ويزداد نرجسية وشعورا بالفوقية والعظمة , حتى لتجده يتهاوى في كرسيه الذي زعزعته الأوهام.
وما نعانيه اليوم , هو الإمعان بجنون الشخصنة , الذي يمنع الرؤية الواضحة والحل الصائب , ويدفع بإتجاه تدمير الذات والموضوع.
وهذا السلوك ليس فرديا وحسب , وإنما مستمد من تفاعلات جماعية , وطاقات لاواعية مؤثرة في السلوك الجمعي في المجتمع , الذي يبدو وكأنه يسعى بطاقاته الخفية نحو الإنتحار الجماعي , والتحول إلى قرابين للكراسي والأشخاص!!
تلك بعض حقائق ما يحصل في أروقة الوجيع القائم في بلادٍ لا ترى في أيامها إلا الدمار والخراب والتصارع على المناصب والسلطات , وتمضي في دروب التفاعلات السلبية الماحقة لكل موجود , ولن تتبدل الأحوال , أو تحصل تغيرات ذات قيمة إيجابية , بل أنها تتدحرج إلى مستنقعات الوعيد , بقدراتها المستعدة لصناعة سقر!!
ومن الواضح أن الفردية جنت على البلاد في عصر الجمهوريات , وهاهي تقضي عليها بالضربة القاضية في زمن الديمقراطية المزعومة , حيث دخل الدين بأحزابه المتطرفة وقدراته العدوانية المنفعلة العمياء الهوجاء ليحيل الوجود إلى رماد ودخان.
والعجيب في الحالة الجديدة , أنها تعتمد على الآخرين من القوى الإقليمية والدولية , التي تنظر إلى مصالحها فقط ولا يعنيها ما ينفع البلاد.
وبهذه العقلية والتوجهات والجنون الشخصاني , يمضي ناعور الآهات بدورانه الفظيع , والدنيا ترقب وتترقب , ولا يعنيها الأمر ما دامت مصالحها تتحقق!!
و”سعيد مَن إكتفى بغيره”!!