يكادُ لم يدهشني يوماً كما أدهشتني وسائل الإعلام العربية وخصوصاً المحلية والحزبية والأسلامية التي بعضها تجاهلت نشر خبر الجنرال وبعضها الأخر مرّت عليه بسرعةٍ فائقةٍ تفوق مرور الكرام , واعتبرته وكأنه حدثٌ لم يحدث او بلا أهمية ولا يستدعي الإلتفات اليه .!
فعدا القنصل الأمريكي المقيم في اربيل هو وطاقمه في القنصلية الأمريكية , وإذ هو ادنى مستوى سياسي او دبلوماسي وتقتصر معظم مهامه على اصدار سمات الدخول واجراء مقابلات في السفارات الأمريكية لمواطنين يرومون السفر للولايات المتحدة , فالزيارات المتكررة للسفير الأمريكي الى اربيل وكذلك لقاءات مسؤولين امريكان مع السيد نيجرفان البرزاني غدت وبدت وكأنها لا تثير اهتمام الحكومة العراقية ولا ” خارجية الجعفري – الأشيقر ” , وإذ سبق في الآونة الأخيرة زيارات وزراء دفاع وخارجية من بعض الدول الأوربية لعاصمة الأقليم , فَلَم يحدث ايّ موقفٍ او ردّ فعلٍ حتى هادئٍ ! من حكومة المركز ايضاً , ولم تكن المرّة الأولى التي سافروا فيها مسؤولون امريكان الى كردستان , لكنّ أن يأتي الى هناك ويتحمّل عناء السفر وطول الطريق ” والوقت من ذهب ” , الجنرال ” جين جوزيف فوتيل ” الى اربيل وهو ليس كما ايّ جنرالٍ امريكيٍ آخر , فهو يُشغل منصب ” قائد القيادة المركزية الأمريكية ” وهو مسؤولٌ ” أمنيّا وعسكرياً ” عن قارّاتٍ ودول في السياسة الخارجية – الدفاعية الأمريكية , وهو ايضاً من ارفع واقوى المناصب العسكرية في الولايات المتحدة , وبزيارته الغامضةِ هذه فتكاد تبدو اربيل وكأنها محور الصراع في الشرق الأوسط وحتى الشرق الأدنى !
هذه الزيارة ينطبق عليها ” الى حدٍّ ما ” المثَل العربي القائل < وراء الأكمّةِ ما وراءها > .! , على الرغمِ من تصريح القائد الأمريكي بأنّ الهدف من زيارته هو للتأكيد على استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية وتزويدها قوات البيشمركة بالأسلحة . فهل ديمومة واستمرارية ضخّ هذه الأسلحة المجهولة نوعيتها وكمياتها تستدعي وتتطلب قدوم الجنرال فوتيل الى عاصمة الأقليم .؟ , وقد شكرَ الجنرال منتسبي قوات البيشمركة على تعاونهم مع الضباط والجنود والمدربين الأمريكان < ولم يكن صعباً إرسال ذلك الشكر عبر إيميل او مسج او مكالمة هاتفية ! > , وهل كان من داعٍ لهذا الشكر ! او هل مفترضاً عدم تعاون البيشمركة مع الأمريكان والتنسيق معهم لأبعد الحدود .! , ويبدو لنا أنّ السيد الجنرال لم يتمكّن من إخفاء طبيعة مهمته المبهمة الى اربيل إلاّ بهذا التصريح الضعيف والواهن .!
من اكثر من الواضح أنّ لزيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية لها اهمية استثنائية , وأنّ تأثيراتها وانعكاساتها لا تظهر في المدى المنظور والقريب , وفي إحدى جوانبها التسليحية المعلنة فأنها تُعتبر بالضّد من حكومة المركز ووحدة وسيادة العراق تحت أية حكومة او احزاب , إنها لتجذير وتعميق الخلاف والإختلاف البرزاني مع بغداد والمحافظة عليه ورعايته وسقايته ! , ولماذا الأحزاب الكردية الأخرى وقياداتها وبيشمركة الأتحاد الوطني الكردستاني لا يُحسب لها ايّ حسابٍ ” امريكياً ” بل حتى شعب كردستان برمّته .!
منَ المُدرك والمعروف مسبقاً أنّ قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني – البرزاني تعاني من هاجس وعقدة الخوف من هجوم عسكري عراقي لإكتساحها واجتثاثها مهما طالت سنواته المفترضة وخصوصاً بعد إنهيار الإستفتاء وتداعياته ومفعوله العكسي , لكنه بالأخذِ بنظر الإعتبار الخاص أنّ كميات السلاح الهائلة كانت تتدفق من امريكا ودول اوربية اخرى كألمانيا وايطاليا وبريطانيا وربما سواهم ايضاً وخصوصاً من اسرائيل التي للموساد مقرات ومكاتب في اربيل , وكان تدفّق الأسلحة المتطورة الى حزب البرزاني وبيشمركته قبل ظهور داعش واثناء احتلالها لمدن واراضٍ عراقية , وحتى بعد القضاء على الدواعش , فكميات الأسلحة تلك قد فاقت القدرة الإستيعابية للبيشمركة بالرغم مّما بيعَ من بعضها في السوق السوداء .
في الإستقراء العسكري التجريدي , فأنّ تسليح البيشمركة يتجاوز الجانب الدفاعي بالرغم من أنّ طبيعة الأرض لا تخدم تلك البيشمركة إلاّ في جوانب الهجوم التكتيكي .
وبالرغم من عدم امكانية او استحالة التوصل بالكامل والمطلق لهدف زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية الى اربيل عبر الإستنتاجات والتحليلات الإعلامية والمعلومات الخاصة المتسرّبه , لكنّما في جانبٍ او زاويةٍ من الأهداف الأمريكية المُبيّته , فأنّ الفترة الحالية المعلّقة الى حين إجراء الأنتخابات المقبلة , وبتحسّبٍ وحساباتٍ لأحتمالِ فوز رئيس وزراءٍ آخر غير العبادي , ويكون اكثر تشدداً منه في التعامل مع الملفّ الكردي او ” البرزاني ” بشكلٍ أدقّ .! , فأنها فترةٌ تتطلّب الأخذ بكلّ الأحتمالات المحتملة وغير المحتملة ايضاً !
هذا , ونضطرّ لإعادتها وتكرارها للمرّة الألف او الترليون أنّ من اكبر الأخطاء الجسيمة لحكومة العبادي هي منع وحظر زيارات ولقاءات ” علنيّة ! ” لمسؤولين اجانب من الساسة والعسكر مع جزءٍ < سياسي مسلّح بالأسلحة الثقيلة > في عموم كردستان , وكأنه نظير لأيّة حكومة عراقية لها سيادتها على كلّ العراق .
اللعبة السياسية الأمريكية في شمال العراق والتي تتّسم بالخبث ” الذي لا مكان له في عالم السياسة ” , فلها أبعادٌ ستراتيجية في الأوضاع التي جرى تسخينها مؤخراً في سوريا , ومعها المداخلات القائمة بين الأتراك والأمريكان في التدخّل العملي – العسكري في الأراضي السورية , بأستغلالٍ بائن وفاضح لأكراد سوريا وتركيا والعراق والتلاعب بهم وفيهم كآلياتٍ ووسائلٍ تنفيذيّة آنيّة , ومن زوايا متضادّة اكثر من محدّبه ومقعّرة !