23 ديسمبر، 2024 9:41 ص

بداية اؤكد، انها ليست مرشحة للانتخابات، ولا تتطلع الى مقابل ازاء عملها، لكن اسمها يتردد كثيرا في فعل “الخير” داخل الدائرة التي تعمل فيها، ليس من زملائها طبعا، وانما من المراجعين.
ولعل احدهم يعاتبني ، على كلمة “فعل الخير” ويتنطع في العبارة ويشتد في رده عليّ بالقول :” انها تؤدي واجبها وتأخذ عليه راتبا مجزياً”.. اقول له نعم ، بالتأكيد ، لكن كم هم الذين يؤدون واجباتهم من دون تنغيص وسوء معاملة.. اننا ازاء حالة نحاول من خلالها ان نؤكد ان الدنيا لم تزل في خير، وجزء من هذه الخيرية هذا الأنموذج الذي نستعرضه.
جنان، موظفة حسابات ، أو مديرة حسابات ، لا ادري، في دائرة “كاتب عدل بغداد الجديدة” ، ما ان تذكر اسمها بين المراجعين حتى تسمع منهم عبارات المديح، وكأن هناك اجماعا منهم :”خوش بنية”، اضافة الى الدعاء لها بالموفقية.
راجعتها ، وكانت كذلك ، تعامل  المراجع، وكأنه مسؤولا في دائرتها ، او من ذوي الواسطات، أو من الذين يحسنون التوريق،  تجلسه وتشرح له ، وعندما تريد ان توقعه على سجلاتها او تختمه ، فانها تحملها اليه ، وهو جالس مستريح، حتى اذا ما اكملت الاجراءات الخاصة بها ، حملتها بنفسها الى كاتبة العدل للتوقيع عليها ، وتسليمها اليه بوجه بشوش.
لا اكتمكم خبرا ، انني قد ساورتني الشكوك بسبب واقع سوداوي عشته وتعايشت معه، خيّل لي انها ربما تتطلع الى ان ادفع لها “رشاُ” او “اكرامية” أياً تكون التسمية ، لكن باسلوب جديد، لا يعتمد “الشرط” المسبق، لكنها اثبتت سوء ظني، واعادت لي بعض الثقة من ان هناك من يعمل باخلاص من دون مقابل .. نعم انها تقبض راتبا من الدولة، لكنها تأخذه باستحقاق، فهناك كثيرون ممن يقبضون راوتب اضعاف ما تقبض، لكنهم لا يقدمون لوطنهم شيئا، وحسبك   هذا الواقع المأساوي الذي نعيشه بكل المقاييس لتدرك هذه الحقيقة.
بالتأكيد ، هناك اكثر من جنان .. واكثر من فاطمة وعائشة، واحمد وعلي وعمر، لكن وسط عتمة الفساد، والمحسوبية والواسطات، والعلاقات المشبوهة، والرشا، يعدون قلة، وهنا ينبغي ان نعطي مقاييس جديدة للاغلبية والاقلية، على اساس العمل والانتاج ، لكن مع هذه القلة فانهم يمثلون بريق أمل لبناء نظام دولة يتعامل مع المواطن كـ”سيد” وليس مجرد هم ثقيل من الحاجات المشروعة التي يطلبها.
الأنموذج الذي نطرحه ، لا يبحث عن مدح ، ولا يبغي دعاية، ولا يمثل دور “الخدوم” و”الحريص” قبل الانتخابات فقط، ثم يتوارى بعد اغلاق صناديق الاقتراع اربع سنوات خلف الجداران والزجاج المظلل.
كما انه لا يتحداك بكاميرات ، ولا يريد ان تسلط عليه الاضواء ، وهو يبكي على واقع الفقراء، ويتحزم للدفاع عن الدماء والحقوق ، فيما دوره خلف الكواليس أدهى وامر.
القضية لا نريد من خلالها الترويج لهذه الموظفة، بقدر ما نريد ان نؤكد ان العراق ليس بتلك السوداوية التي كنا نراها، وان كانت العتمة اوسع واكبر، لكن النقاط البيض تعيد لنا بعض العافية.. وهو ما نحتاج الى ان نبحث عنها في كل مكان، ونسهم من خلالها في تقليص مساحة الظلمة.