22 ديسمبر، 2024 9:33 م

“موعدنا معكم الجنازات” بهذه العبارة توعد الأمام أحمد بن حنبل مخالفيه فى الدنيا باعتبار أن الجنائز ستفصل بين الحق والباطل ، وتعبر عن طبيعة انتماء المجتمع وتوجهاته.
تذكرت عبارة الإمام أحمد بن حنبل وأنا أتابع الأخبار التي تداولتها المواقع الإخبارية حول تشييع جنازة تحسين علي بك، أمير الطائفة الأيزيدية فى العراق والعالم الذي توفي نهاية يناير وتم دفنه فى الأسبوع الأول من فبراير الجاري.
عبرت جنازة أمير الأيزيدية عن حالة التعايش والتسامح بإقليم كردستان الذى يعتبر مثال للتعايش الديني والمذهبي والعرقي، قلما نشهده بالشرق الأوسط ، حيث يتجاور الكردي مع العربي ، ويجلس الشيعي مع السني ، والمسلم مع المسيحي فى ضيافة الأيزيدي بجوار التركماني.
خلطة عجيبة ربما لا نجدها إلا فى أماكن قليلة بالمنطقة على رأسها جمهورية مصر العربية التي لا تعرف فيها المسلم من المسيحي ، حيث يخطب البابا فى المسجد، ويحتفل الشيخ بافتتاح الكنيسة ويحضر المسيحي خطبة الجمعة!
مشاهد غريبة رافقت مراسم دفن أمير الأيزيدية فى العراق والعالم، فالرجل الذى يتزعم طائفة قد يعتبرها بعض المسلمون كافرة ضجت المساجد خلال تشييع جثمانه بالتكبير!
كما ارتفعت أصوات الأجراس من كنائس بإقليم كردستان حزنا على الزعيم الديني للأيزيديين ، وشارك ممثلي ثمانية مكونات دينية في مراسم استقبال جثمان الراحل لدى وصوله إلى مطار أربيل الدولي حيث كان يعالح بأحد المستشفيات الألمانية، واكتظت شوارع مركز قضاء الشيخان حيث دفن الرجل بالمواطنين من شتى المكونات والانتماءات الدينية والقومية والمذهبية.
جنازة تستحق الفرح رغم قدسية الموت وجلالته وهيبته التي طغت على المشهد ولكنها أكدت عمق الأواصر الطيبة بين مكونات الشعب الكردستاني باختلاف أعراقهم ودياناتهم ومذاهبهم .
أصوات الزغاريد التي رافقت تشييع الجثمان كتعبير عن الاحترام للفقيد تستحق أن تكون زغاريد فرح بتلك الوحدة وذلك المشهد الإنساني الراقي فى التسامح والتعايش بكردستان العراق.
حالة التعايش وقبول الأخر بكردستان تدفعنا لرفع القبعات لحكومة الإقليم برئاسة السيد نيجرفان برزاني الذى شارك بشخصه فى استقبال جثمان الراحل بمطار أربيل .
استطاع نيجرفان أن يصنع حالة خاصة بإقليم كردستان ذابت فيها الفواصل، واختفت الفروق، بصورة أصبح معها الدين لله وكردستان للجميع، لا فرق فيها بين كردي أو عربي أو إيزيدي أو مندائي أو تركماني إلا بالولاء للإقليم والعمل على تقدمه ونجاحه.
نيجرفان الذي يتعامل كرئيس لكل الكردستانيين ، تعهد خلال جنازة تحسين بك بالعمل على تحرير كل ايزيدي مازال فى قبضة داعش كاشفا عن نيته العمل على تحويل قضاء سنجار إلى محافظة بما يدفع إلى دور أكبر للإيزيديين فى إدارة مناطقهم.
رحل تحسين بك أمير الأيزيديين ولم تتوقف رسائله الدينية رغم موته فكانت جنازاته أقوى رسالة جسدت وعبرت عن قوة كردستان وتسامح ورقي شعبه .. حقا أنها جنازة تستحق الفرح

يسعي حاليا كما أعلن خلال جنازة تحسين بك لتحويل قضاء سنجار أكبر تمركز للإيزيديين إلى محافظة مستقلة بما يجعل من الأيزيديين.