في بادرة هي الاولى من نوعها على الساحة الاعلامية العربية , كرمت قناةُ الميادين الفضائية – قبل ايام – بطلةَ الثورة الجزائريةَ, المناضلةَ جميلةَ بوحيرد, وجاء التكريم في زمن نَسيتْ فيه الشعوب العربية ووسائل اعلامها ثورات العرب ضد الاستعمار , ونسيت الثوّار والمناضلين والقادة التاريخيين , وانشغلت هذه الشعوب ووسائل اعلامها بثورات الضياع “الربيع العربي” التي يقودها الصهيونيّان برنارد ليفي وجون ماكين . وصارت الشعوب العربية واعلامها تحتفل بالانتحاريين والمُفخِخين وقاطعي الرؤوس وآكلي القلوب البشرية .
لم يكن التكريم غريبا على قناة الميادين – التي تبث من بيروت – لان القناة ومنذ انطلاقها – قبل عام تقريبا – اعلنت انها “مع مهنيتها العالية وحيادها التام ” ستكون منحازة الى مقاومة الشعوب ضد مستعمريها ومضطهديها وخاصة مقاومة الشعوب العربية ضد اسرائيل التي تحتل فلسطين وتستوطنها منذ اكثر من ستة عقود على حساب حياة وارض وحقوق الشعب الفلسطيني .
واذا كان تكريم المقاومة ليس غريبا على هذه الفضائية ( الميادين) اذن كيف نقرأ هذا التكريم في هذا الزمن الرديء !؟ لا شكّ ان الهدف الاول من التكريم هو اعادة الروح الوطنية النقية الصافية للمقاومة العربية . خاصة واننا نشهد هذه الايام مقاومة وثورات عربية ملوثة ووبائية بتوجهاتها الدينية والطائفية والارهابية التكفيرية والعنصرية . ولابد ان يكون الهدف الثاني من التكريم هو اعادة توجيه بوصلة المقاومة العربية باتجاه اسرائيل, بعد ان تعطلت وانحرفت هذه البوصلة واضحت تقود الى اثارة الفتن وتغذية النعرات الطائفية والصراع العربي الداخلي المبني على اسس طائفية او عرقية او حتى سياسية غير وطنية . ويظل الهدف الاهم من التكريم هو اعتراف الجيل العربي الراهن بنقاء وصفاء وصدق المقاومة العربية الاولى ضد الاستعمار والاعتراف بالعطاء الكبير لتلك المقاومة وبتضحياتها الجسام , ولكن الهدف الاخطر في هذا التكريم يكمن في تحريض الجيل العربي الحالي على المقاومة والوطنية النقية والانسانية , خاصة بعد ان شهد العرب اسوء حالات الضعف والهوان والانبطاح والاستسلام والارتماء في احضان الاعداء .
لم يكن, متوقعا للتكريم ان يكون بهذا الشكل المدهش والمثير, وبهذا الحضور المتنوع والفريد من المقاومين والسياسيين والمثقفين وشرائح المجتمع الاخرى المختلفة وخاصة الشباب , ولكن يظل حضور اليدا جيفارا حفيدة الثائر والمقاوم العالمي ارنستو تشي جيفارا حضورا متميزا , ليس بسبب انها ابنة هذا الثائر العالمي بل لما قدمته هذه الابنة ولما قالته وفعلته اثناء التكريم وقبله وبعده , لقد تحدثت – وهي الطبيبة البارعة – بروح ولغة والدها المقاوم , وفاجأت جمهور الحاضرين بان كانت كلمتها بالحفل اشبه بالشعر الذي انساب كالنسيم فرقّ وتأنق في خواتمه ليتحول الى غناء , نعم لقد غنّت اليدا من على المنصة بصوت رخيم اطرب الحاضرين جميعا .
واذا كان التكريم مخصصا للمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد فان اليدا جيفارا كانت نجمة هذا التكريم بلا منازع , وكان حضور السيدة جيفارا في تكريم جميلة بوحيرد قد خلق صورة جديدة لهذا التكريم , صورة لم يلتفلت أليها الكثيرون , الا وهي: ان هذا الاحتفال بالمقاومة كان احتفالا بالمرأة المقاومة اكثر منه احتفالا بالرجل المقاوم – الذي يهيمن بحضوره على الساحة العربية المُقاوِمة منذ قرن من الزمن – وتجسد ذلك بتألق نجمتي الاحتفال , جميلة بوحيرد واليدا جيفارا ليشكلا مع كلمة المقاومة ( الانثى) ثلاثة اناث كنَّ اضلاع مثلث الاحتفال .
وقد كشف التكريم عن ان جميلة بوحيرد اعادت – حقّاً – ورفاقها الجزائرَ للجزائريين, امّاً وبلدا حرا مستقلا عن فرنسا , كما كانت تطالب الفرنسيين وتجاهدهم طوال سنوات , ولكن الغريب والمدهش ان فرنسا التي تركت الجزائر تستقل, بقوة السلاح ومقاومة جميلة, اخذت معها جميلة الى باريس, ليس بقوة السلاح, بل بثقافة فرنسا وحرياتها واغراءاتها الانسانية والحضرية . وقد تجلى هذا الاخذ لجميلة من قبل فرنسا في كلمة جميلة التي القتها في حفل التكريم , اذ اعتذرت عن القائها باللغة العربية لانها ” اي جميلة” لا تجيد هذه اللغة التي اخرجت الفرنسيين من الجزائر – ذات عام – من اجلها. وقد صَدَمتْ بوحيرد الجمهورَ وهي تلقي كلمتها باللغة الفرنسية , وترسخ لدى الجمهور ان فرنسا قد اخذت جميلة بُعيد تحرر الجزائر , ذلك عندما علم الجمهورانها تزوجت من محاميها الفرنسي الذي توكل بالدفاع عنها ابان اعتقالها من قبل حكومته, وانها تقيم معه واولادها منذ ذلك الحين في فرنسا .