22 ديسمبر، 2024 10:46 م

جمعة فرحات صانع البهجة

جمعة فرحات صانع البهجة

بهرتني رسوم فنان الكاريكاتير المصري جمعة فرحات حين كنتُ أرتاد سوق السراي في الثمانينيات بحثاً عن الصحف المصرية القديمة خاصة مجلة روز اليوسف.
هل كان سوق السراي يعرض الصحف والكتب القديمة؟
نعم، والأغرب أنَّ السوق كان يضم مكتبات كثيرة قبل أن يحل الخراب، ويتحول إلى محال للقرطاسية والحقائب الجلدية ولكبة البرغل !
من أشهر رسوم جمعة كاريكاتير يصور الرئيس المصري محمد حسني مبارك على أنه حكم في مباراة كرة قدم تجري بين الحكومة المصرية وجريدة (الشعب) ، ويرفع الحكم البطاقة الحمراء لفريق جريدة (الشعب)، وكانت بمثابة نبوءة مبكرة لما  حدث فعلاً  بعد ذلك حين أوقفت الجريدة نهائياً !!
أورثني حب روز اليوسف ورسوم جمعة فرحات الفرح وحساسية الجهاز التنفسي، خاصةً في فصل الربيع !
هل هناك مواد تثير الحساسية أو تشجع عليها في الصحف القديمة ؟ ربما !
ولد  الفنان جمعة فرحات في سنة ١٩٤١م في القاهرة،وحصل على البكالوريوس في التجارة عام ١٩٦٤.
  التحق بعد تخرجه بمؤسسة (روز اليوسف) التي بقي يعمل فيها ٣٥ سنة .
تنقل بين عدة صحف حكومية وخاصة حتى وصل إلى العالمية وكان نقده لاذعاً لكنَّ المجتمع المصري يتقبل النكتة برحابة صدر، فهاجم  سياسة الانفتاح الاقتصادي في عهد السادات والسياسات الاقتصادية في عهد مبارك.
نشر رسومه في جريدة (الوفد) وفي جريدة (الأهرام ويكلي) و (الأهرام الاقتصادي) ثم بدأ بنشر أعماله بصحيفة (الأهرام) اليومية منذ عام ١٩٩٩، ومجلة (صباح الخير) كما رسم لمجلة الأطفال الإماراتية (ماجد) من سنة ١٩٧٢ حتى سنة ١٩٧٩م .
أما على الصعيد العالمي فقد نشرت رسومه  في صحيفة (هيرالد تريبيون) الأمريكية، و(يوميوري) اليابانية التي تطبع بـ ١٢ مليون نسخة وغيرهما، وبعض أعماله معروضة في المتحف الألماني في بون والمتحف الدولي للكاريكاتير في فلوريدا، كما عرضت أعماله في المعارض الأوروبية في بلغاريا ويوغسلافيا وجمهورية التشيك.
تناول في رسومه ‬مشكلات‭ ‬وهموم‭ ‬المواطن المصري ‬اليومية وعذابات الموظف ‬الذي فاتته  ‬العلاوة والمتقاعدين وذوي المهن البسيطة، والمسحوقين كما عالج  ‬مشكلات‭  ‬الزواج‭ ‬والطلاق، وهوس الشباب بالأغاني وكرة القدم، ففي أحد رسوماته الشهيرة يظهر شخصاً يخبر صديقه أنَّ له ثلاثة أولاد، ولدين منهم يلعبون الكرة ويقبضون الملايين بينما الثالث فاشل يدرس الطب !
كما عالج غلاء الأسعار، و البطالة، فضلاً عن الصراعات السياسية والقضية الفلسطينية حتى عد مادياً للسامية، وقد جمع بعض رسومه  في كتابين هما (سلام الدم) و( ٤ حكومات ومعارضة)، وكان له برنامج أسبوعي ناجح في قناة النيل اسمه يقدم يوم الجمعة عنوانه (جمعة في جمعة) استمر ١٢ سنة.
‬يقول‬‮ في أحد الحوارات : (الكاريكاتير‭ ‬له‭ ‬قوة‭ ‬المقال‭ ‬وأكثر‭ ‬والمقال‭ ‬لابدَّ ‭ ‬أن‭ ‬تقرأه‭ ‬ولكن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬مدته‭ ‬نصف‭ ‬دقيقة‭.. ‬توصل‭ ‬ما‭ ‬أريده‭ ‬أما‭ ‬قراءة‭ ‬المقال‭.. ‬فتستغرق ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬لتصل‭ ‬الفكرة).
هذه الريشة المشاكسة للانحراف والتفاوت الطبقي والظلم السياسي والاجتماعي غادرت عالمنا في آخر جمعة من شهر أيلول الماضي بعد ستة عقود من العطاء.

والسؤال : هل يمكن أن يبقى الرسم الكاريكاتيري مؤثراً برحيل رموزه وانحسار الصحف الورقية، وكثرة مفارقات الواقع؟