22 ديسمبر، 2024 8:13 م

جمال صوت المرأة في السرديّة التعبيريّة

جمال صوت المرأة في السرديّة التعبيريّة

ثانياً : لغة المرآيا والنصّ الفسيفسائي
على قارعة ِالغيابْ .. بقلم : يسرى طعمة – سوريا .
يقول ( هيجل ) : الشعر هو الفن المطلق للعقل , الذي أصبح حرّاً في طبيعته , والذي لا يكون مقيّداً في أن يجد تحققه في المادة الحسيّة الخارجية , ولكنه يتغرّب بشكل تام في المكان الباطني والزمان الباطني للافكار والمشاعر .

مما لاشكّ فيه انّ الموهبة قد تموت وتنتهي بالتدريج اذا لم يستطيع الشاعر تطويرها واستثمارها أقصى إستثمار عن طريق الاطلاع على تجارب الاخرين والاستفادة منها والاتكاء على المخزون المعرفي لديه , وتسخير الخيال الخصب في انتاج وكتابة كتابات متميّزة ومتفرّدة تحمل بصمته الخاصة التي عن طريقها يُعرف ويُستدلّ بها على إبداعه , وقد تموت ايضا اذا لم تجد التربة الصالحة والمناخ الملائم لأنضاجها , وقد تنتهي حينما لمْ تجد مَنْ يحنو على بذورها التي تبذرها ويعتني بها ويُسقيها من الينابيع الصافية والنقيّة , فلابدّ من التواصل والتلاقح مع تجارب الاخرين الناجحة والعمل على صقل هذه الموهبة وتطويرها والاهتمام بها وتشجيعها والوقوف الى جانبها قبل أن تُجهض . نحن سعداء جدا في مؤسسة تجديد الادبية ان نستنشق الان ملامح إبداع جميل وحضور مشرق من خلال دعمنا المستمر للمواهب الصادقة والناجحة في هذا الموقع , فلقد اصبح لدينا الان مجموعة رائعة جدا من الشعراء والشواعر الذين يجيدون كاتبة القصيدة السرديّة التعبيريّة , ونحن لم ندّخر اي جهد في مساعدة الجميع عن طريق الدراسات النقديّة والنشر والتوثيق المستمر في المواقع الالكترونية الرصينة وفي بعض الصحف الورقيّة , وابداء الملاحظات من أجل تطوير وإنضاج هذه الاقلام الواعدة , نحن على ثقّة سيأتي اليوم الذي يشار الى كتابات هؤلاء والاشادة بها والى القيمة الفنية فيها ومستوى الابداع والتميّز وما تحمله من رساليّة فنيّة وجماهيريّة .

فلم تعد قوالب الشعر الجاهزة ترضي غرور شعراء السرد التعبيري لذا حاولوا ونجحوا في الانفلات من هذه القوالب ومن هيمنتها ولو بشكل محدود ( في الوقت الحاضر ) , وتجلّ هذا من خلال طرق كتابة النصّ والموضوعات التي يتطرق اليها , وترسخت فكرة التجديد لديهم وخطّوا لهم طريقا مغايرا في كتاباتهم , وصاروا يواصلون الكتابة وياخذون منحا اخر لهم بعيدا عما هو سائد الان في كتابة قصيدة النثر , صارت القصيدة أكثر حرّية وانفتاحا على التجارب العالمية , لقد منحت السرديّة التعبيريّة لكتّابها الحرية والواسعة والفضاء النقيّ الشاسع والأنطلاق نحو المستقبل خاصة حينما يكون التعبير أكثر شبابا وصدقا عن المشاعر الحقيقية المنبعثة من القلب الصافي كالينبوع العذب , فلقد أحسّ الشاعر بمهمتة الصعبة في الكتابة بهذا الشكل الجديد والمختلف والذي نؤمن به وبقوّة , فنحن نؤمن وعلى يقين بانّ القصيدة السردية التعبيريّة هي قصيدة المستقبل لقدرتها على الصمود والتطوّر المستمر نتيجة التجربة الطويلة والتراكم الابداعي , بروعة ما تقدّمه وتطرحه على الساحة الشعرية , نعم أحسّ الشاعر بالانتماء والاخلاص لهذا اللون الادبي الجديد والذي نطمح في قادم الايام ان يكون جنسا أدبيا متميّزا , لهذا استطاع الشاعر ان يطوّع المفردة رغم قسوتها وعنادها وإعادة تشكيلها وتفجير كل طاقاتها المخبوءة , وأن يفجّر من صلابتها الينابيع والانهار وإستنطاقها نتيجة ما يمتلكه من خيال جامح ابداعي وعاطفة صادقة جيّاشة وإلهام نقيّ وقاموس مفرداتي يعجّ باللغة الجديدة .

سنتحدث اليوم عن صوت المرأة الشاعرة في السرديّة التعبيرية ونختار بعض القصائد كي نشير الى مستوى الابداع وكميّة الشعرية فيها , ونستنشق عبير هذه القصائد النموذجية .

انّ حضور الصوت النسائي في السرديّة التعبيرية له تاريخه المشرق وحضوره البهيّ , فمنذ تاسيس موقع ( السرد التعبيريّ ) كان حضور المرأة الشاعرة متميّزا ينثر عطر الجمال ويضيف ألقاً وعذوبة في هذا الموقع الفريد والمتميّز, وقدّمت قصائد رائعة جدا تناولها الدكتور انور غني الموسوي بالقراءات الكثيرة والاشادة بها دائما , وتوالت فيما بعد الاضاءات والقراءة النقدية لهذه التجارب المتميّزة من قبل بعض النقاد ومن بعض شعراءها . فاصبحت هذه القصائد نوعية مليئة بالابداع الحقيقي وبروعة ما تطرحه من أفكار ورؤى ومفعمة بالحياة وروح السرديّة التعبيريّة وخطّتْ لها طريقاً تهتدي به الاخريات ممن عشقن السرد التعبيري وحافظن على هيبته وشكله وروحه والدفاع عنه . لقد أضافت الشاعرة الى جمالية السرديّة التعبيريّة جمالا آخر وزخما حضورياً وبعثت روح التنافس وحرّكت عجلة الابداع فكانت بحق آيقونة رائعة . القصائد التي كتبتها المرأة في السرد التعبيري كانت معبّرة بصدق عن اللواعج والالام والفرح والشقاء والحرمان والسعادة , بثّت فيها شجونها وخلجات ما انتاب فؤادها , ولقد أزاحت عن كاهلها ثقل الهموم وسطوة اللوعة , ولقد جسّدت في قصائدها آلامها ومعاناتها في بناء جملي متدفق , منحت المتلقي دهشة عظيمة وروّت ذائقته وحرّكت الاحساس لديه . كانت وستظلّ زاخرة بالمشاعر والاحاسيس العذبة ومتوهّجة بفيض من الحنان , نتيجة الى طبيعتها الفسيولوجية والسايكولوجية كونها شديدة التأثر وتمتاز برقّة روحها فانعكس هذا على مفرداتها وعلى الجو العام لقصائدها , فصارت المفردة تمتلك شخصية ورقّة وعذوبة وممتلئة بالخيال وبجرسها الهامس وتأثيرها في نفس المتلقي , فكانت هذه القصائد تمتاز بالصفاء والعمق والرمزية المحببة والخيال الخصب والمجازات ومبتعدة جدا عن المباشرة والسطحية , كانت عبارة عن تشظّي وتفجير واستنهاض ما في اللغة من سطوة , كل هذا استخدمته بطريقة تدعو للوقوف عندها والتأمل واعادة قراءتها لأكثر من مرّة لتعبر عن واقعها المأزوم وعن همومها وهموم النساء في كل مكان . فرغم مشاغلها الحياتية والتزاماتها الكثيرة استطاعت الشاعرة ان تخطّ لها طريقا واضحا وتتحدّى كل الصعاب وترسم لها هويّة واضحة الملامح , فلقد بذرت بذورها في ارض السرد التعبيري ونضجت هذه البذور حتى اصبحت شجرة مثمرة . لقد وجدنا في النصوص المنتخبة طغيان النَفَس الانثوي واحتلاله مساحة واسعة فيها معطّرة برائحتها العبقة واللمسات الحانية والصدق والنشوة , فكانت ممتعة جدا وجعلت من المتلقي يقف عندها طويلا منتشيا , وحققت المصالحة ما بين الشاعرة والمتلقي وهذا ما تهدف اليه الكتابة الابداعية .

لغة المرآيا والنصّ الفسيفسائي

انّ نظرة واحدة الى نصّ الشاعرة : يسرى طعمة / على قارعة ِالغيابْ / سيتبيّن لنا مقدار الشعرية المنبعثة من خلال هذا البوح السردي الجميل , وسنستشعر بوضوح مسحة القلق ومركزية الذات الشاعرة الغارقة في وحدتها وهمومها في هذا العالم الفسيح , هذا القلق الذي اصبح علامة فارقة في هذا العصر نتيجة الدمار الذي حلّ في وطن الشاعرة , فالشاعرة هنا اتخذت من هذا القلق والوحدة جسراً لها في محاولة يائسة للخلاص والعبور الى الضفة الاخرى , انه محاولة الانفلات من هذا الواقع والأنفصال عنه أو قل هي عملية رفض وصرخة مدوّية في وجه هذا الخراب القبيح الذي إستشرى فصار لزاماً من موقف ثابت لأيقاف هذا النزف المستمر . انّ النصّ تكوّن من ثلاثة مقاطع كل مقطع يبدأ بالضمير المنفصل / أنا / الاّ المقطع الثالث فقد تأخّر قليلاً , فإنّ الضمير المنفصل / أنا / عبّر عن حضور الذات الاخرى في هذا المقطع ( فقط ) , لتوحي لنا بعجزها وخوفها المستبدّ في أعماقها المسكونة بوحدتها وحزنها العميق وغربتها وحاجتها الى الاخر ليشعرها بالامان والطمانية , وانّ تكرار الـ / أنا / هنا خلق لنا اجواء جمالية ودلالات شحنت النصّ بحالات شعورية متدفقة في كلّ مقطع من هذه المقاطع , فكل مقطع كان عبارة عن مقطع نصّي طويل تداخلت فيه همومها وأحلامها مشبوبا بطاقات إيحائية عظيمة وصورا مشحونة بالمشاعر المتأججة ولغة مكثّفة محمّلة بصدق المشاعر وقوّتها . لذا فنحن أمام ثلاثة مقاطع نصّية أو نحن أمام ثلاث صرخات أنثوية , كل مقطع أو صرخة تحدثت فيه الذات الشاعرة عن القلق الذي كانت تدور حوله بصور شعرية متعددة داخل فكرة واحدة وهي / القلق / . لذا فنحن نعتبر أنّ اللغة التي كُتب بها النصّ لغة سردية تعبيرية كان من اوضح ملامحها هي لغة المرآيا والنصّ الفسيفسائي , فما هي هذه اللغة ..؟ .

انّ لغة المرآيا والنصّ الفسيفسائي هي احدى مظاهر السردية التعبيرية , انّ المتعارف عليه في اللغة لكل نقطة معنوية تعبيرا لفظيا واحدا الذي يعبّر عنها , لكن ماتفعله لغة المرآيا هو الانطلاق من معنى واحد وبوحدات لفظية متعددة , وبمعنى آخر يعني وحدة المعنى وتعدد الالفاظ , فيكون لدينا تناصات متكررة , أي تناص بين وحدات النصّ نفسه وليس تناص مع نصوص أخرى . ان تناول الفكرة والاشتغال عليها عن طريق تراكيب لفظيّة مختلفة يمكّننا من النظر الى النصّ من زوايا مختلفة , وهذا يعني بأنّ هذا لنصّ متعدد الزوايا , وفيما نظرنا الى هذه التركيب اللغوية فيما بينها سنراها تراكيب فسيفسائية , أي انّ كل تركيب فيه يكون بشكل مرآة , فيمكننا حينها انّ نصف هذه اللغة بلغة المرآيا بينما نستطيع ان نصف النصّ بالفسيفسائي .

من خلال العنوان نجد الغياب والقلق يسيران جنبا الى جنب في هذا النسيج الشعري المدهش / على قارعة ِالغيابْ / , فاللغة هنا توحي به وتدلّ عليه وتخلقه في نفس الوقت . بالعودة الى النصّ سنجد انّ المقطع الاول كان … / أنا جزيرةُ مشاعرِ منْفِيّةٍ وغابة كثيفة الأحلامِ حَجَبَتْ تضاريسَ فَجْرٍ لمْ يستيقظْ على أغصانٍ مُتْعَبَةٍ كانتْ تُساهِرُ أهدابَ الأملِ على توقيتِ انطفاءِ قَضَمَ الوقتُ أزهارها وسنديانها انحنى للبقاء لم يستطعْ الفرحُ إليها سبيلًا وخريف العمر ودَّع ضفافَها الضَّحلة المتشعِّبة الأفكار بين راحتيّ المُمْسِكَتَيْنِ بأطرافِها المجهولة تتأرجحُ حروفُها كعقدةِ الحبْلِ في مسرحٍ يَكْثُرُ فيه الضَّجيجُ وعناقٌ آيلٌ للنكوثِ بشَرَفِ الانتظار . / زاخراً بالازياحات اللغوية وتفجير طاقاتها المحبوءة ومشبعة بلغة المشاعر والأحاسيس والخيال الخصب المنتج لنا كل هذا الجمال والدهشة . اننا أمام صور جذابة ومحيرة في نفس الوقت لغرابة اللغة وتشظّيها وجنوحها المتطرف , ان الشاعرة استطاعت ان تنتج لنا هذه الشعرية الخصبة والمثيرة من خلال لغتها , فهي ابتعدت كثيرا عن لغة المباشرة والسطحية او الوصف الواقعي وانما غرّبت لغتها وبشدّة لتخلق هالات من التوتر والإيحاء كي تثير ذهنية المتلقي وتسوقه الى نصّها ليتفاعل معه ويكتشف اسرار جماليته الفذّة والغوص في آفاقه المجهولة والبعيدة . أما المقطع الثاني فكان …/ وأنا أُغادرُ وخلفي بيادرٌ مَلْأى منْ صباحاتٍ تتنفَّسُ تاريخًا مُحَنَّطاً وصومعاتِ مجْدٍ تائه ويفاعُ زنابق على ثغورِها قُبَلُ مُحاربٍ يأخذُ قيلولةً على جذعِ الحنين بينَ حقولِ القصَبِ الدافئةِ تُدَنْدِنُ أنغامًا تَجْدِلُها الريح على قارعةِ الغيابِ تُحيكُ جسرًا من ضوءٍ يَرْبِط بين أفئدةٍ عاتمةٍ أنفاسُها شلالٌ من أريجٍ تَخَثَّرَ مَلَأَ أكمامَ عطوري الفضْفاضةِ بِهَمَساتٍ كَتَأَوُّهاتِ مِبْخَرَةٍ وغصّاتٍ مُتْرَعةٍ شغفًا تَتَضوّرُ عِشقًا تَسْكبني على نوافذكَ المُطِلَّةِ على شرودي رعشةً رعشة. / عبارة عن لغة وجدان عبّرت أصدق تعبير عن وحدة الذات الشاعرة وانفرادها عن هذا العالم والسكون الى غربة النفس وقلقها , انها الانطلاق من الذاتية البعيدة والبحث عن الضور وسط العتمة والخراب , فالمتلقي هنا يحتاج الى قراءة متأنية وحذرة في نفس الوقت لمعرفة أسرار هذه اللغة كونها تختلف عن لغة التفاهم الطبيعية , فالمفردات قد تخلّت عن معانيها الواقعية ولبست معاني أخرى ناشزة ابتعدت كثيرا عن دلالاتها المتعارف عليها , اللغة هنا ممتليئة بشحنات وطاقات جعلتها غير مالوفة زاخرة بالأنبهار . أما المقطع الثالث فكان ../ بهجةٌ تَتَساقطُ تَنْدَلِقُ كالنجومِ في أكوابٍ أَدْمَنَتْ ثُمالة الأرقِ فوانيسُ ليلٍ هاجعة أنا كراقصةٍ في بحيرة البجع أُنثى تلُفُّها فوضى ودخانُ يقينٍ تبَدَّدَ من كثرةِ الخذلانِ أَقِفُ مَوْعودةً بالوصلِ قبلَ الاحتراقِ أُناشدُ القدرَ ياقديسَ الهوى ياسادِنَ العشقِ هلْ لي على أَعْتابِكَ مثولُ ياراقدًا على تخومٍ يُدثِّرها النسيانُ تتكىءُ على عَرْشٍ بلا عَمَدٍ والأرضُ تثورُ حناجِرُها براكينَ تَحْرِقُ بذورَ الحياةِ وتصلبُ روحي الشاحِبَة اغرِسْني على حدودِ جمرة علَّها تُعيدُ إثقابَ العدمِ . / عبارة عن محاولة اللجوء الى الذات الاخرى وطلب النجدة منها للخلاص من هذا القلق الموجع والوحدة القاتلة , فقد تكررت الذات الاخرى ثلاث مرّات من خلال المفدرات / ياقديس الهوى / ياسادن العشق / ياراقدا على تخوم يدّثرها النسيان / , وكأنها محاولة في تعادلية الذوات في هذا المقطع , فمقابل هذه الذات الاخرى نجد ما يساويها من الذات الشاعرة , الاّ انّ الفارق بينهما في حجم الحضور والغياب , فاذا كانت الذات الاخرى غائبة في المقطع الاول والثاني نجد قوة حضور الذات الشاعرة في المقاطع الثلاثة لتوكيد هذه الذات وإبراز حالة الصراع النفسي وخلق عالم من الايحاء والحركية وإبراز حالة الشعور العميقة والتخلّص من حالة الرتابة في النسيج الشعري وإضفاء الجمال في الصوت الأنثوي في هذا النصّ الممتع .

انّ لغة المرايا والنصّ الفسيفسائي تحقق لنا تجلّي كبير للفكرة والمعنى وترسّخ هذا المعنى لدى المتلقي هذا من جهة , ومن جهة أخرى انّ تعدد صور الفكرة داخل النسيج الشعري يحقق لنا الحركة فيه .

النصّ :

على قارعة ِالغيابْ .. بقلم : يسرى طعمة – سوريا .

أنا جزيرةُ مشاعرِ منْفِيّةٍ وغابة كثيفة الأحلامِ حَجَبَتْ تضاريسَ فَجْرٍ لمْ يستيقظْ على أغصانٍ مُتْعَبَةٍ كانتْ تُساهِرُ أهدابَ الأملِ على توقيتِ انطفاءِ قَضَمَ الوقتُ أزهارها وسنديانها انحنى للبقاء لم يستطعْ الفرحُ إليها سبيلًا وخريف العمر ودَّع ضفافَها الضَّحلة المتشعِّبة الأفكار بين راحتيّ المُمْسِكَتَيْنِ بأطرافِها المجهولة تتأرجحُ حروفُها كعقدةِ الحبْلِ في مسرحٍ يَكْثُرُ فيه الضَّجيجُ وعناقٌ آيلٌ للنكوثِ بشَرَفِ الانتظار . وأنا أُغادرُ وخلفي بيادرٌ مَلْأى منْ صباحاتٍ تتنفَّسُ تاريخًا مُحَنَّطاً وصومعاتِ مجْدٍ تائه ويفاعُ زنابق على ثغورِها قُبَلُ مُحاربٍ يأخذُ قيلولةً على جذعِ الحنين بينَ حقولِ القصَبِ الدافئةِ تُدَنْدِنُ أنغامًا تَجْدِلُها الريح على قارعةِ الغيابِ تُحيكُ جسرًا من ضوءٍ يَرْبِط بين أفئدةٍ عاتمةٍ أنفاسُها شلالٌ من أريجٍ تَخَثَّرَ مَلَأَ أكمامَ عطوري الفضْفاضةِ بِهَمَساتٍ كَتَأَوُّهاتِ مِبْخَرَةٍ وغصّاتٍ مُتْرَعةٍ شغفًا تَتَضوّرُ عِشقًا تَسْكبني على نوافذكَ المُطِلَّةِ على شرودي رعشةً رعشة. بهجةٌ تَتَساقطُ تَنْدَلِقُ كالنجومِ في أكوابٍ أَدْمَنَتْ ثُمالة الأرقِ فوانيسُ ليلٍ هاجعة أنا كراقصةٍ في بحيرة البجع أُنثى تلُفُّها فوضى ودخانُ يقينٍ تبَدَّدَ من كثرةِ الخذلانِ أَقِفُ مَوْعودةً بالوصلِ قبلَ الاحتراقِ أُناشدُ القدرَ ياقديسَ الهوى ياسادِنَ العشقِ هلْ لي على أَعْتابِكَ مثولُ ياراقدًا على تخومٍ يُدثِّرها النسيانُ تتكىءُ على عَرْشٍ بلا عَمَدٍ والأرضُ تثورُ حناجِرُها براكينَ تَحْرِقُ بذورَ الحياةِ وتصلبُ روحي الشاحِبَة اغرِسْني على حدودِ جمرة علَّها تُعيدُ إثقابَ العدمِ .