22 ديسمبر، 2024 11:47 م

جمال العتابي ينظر الى الوراء مقهقها!

جمال العتابي ينظر الى الوراء مقهقها!

خرّج المعلم حسن العتابي، خلايا شيوعية، في مجملها تشكل منظمة محلية بمقاييس أربعينيات القرن الماضي.
المعلم المثقف، أنجبت زوجته عشرة أبناء، كلهم خاضوا في المعرفة والثقافة والسياسة.
واذا كان الأب حسن، عاش السجون، والتعذيب، فان نجله سامي العتابي، فقد حياته اثناء الهجمة الوحشية على حلفاء البعث، في الحزب الشيوعي العراقي بقيادة عزيز محمد بعد انتهاء عرس الجبهة عام 1978، ولم يعثر الى الان على قبر له، بلا ملف حقيقي عن إعدامه او قتله تحت التعذيب.
بتواضع نادر هذه الأيام، يكتب جمال العتابي، عن الشـطــــرة المقسومة بالغراف، يوقظ المدينة منبع الحركات الوطنية من سباتها ، ويرسم صورًا قلمية أخاذة بريشة خطاط، أورثها الأب حسن العتابي لمعظم أبنائه المبدعين.
داخل المكان..
المدن روح ومعنى..
عنوان يختزل عشرات القصص والمشاهد والأحداث الكبيرة بمنظور تلك الارياف، المتنورة بالمكتبات، والحكايات العجيبة الغريبة ؛؛؛
عزيز سيد جاسم، يلتقط بصعوبة في قرية “الغازية”، مكالمة هاتفية من بغداد، عبر بدالة البلدة التي تغيرت الى “النصر”، يطلب من خلالها الرفاق في بغداد، استقبال خبيرين سوفيتيبن، يصلان الى البلدة، بهتاف :
مير مير دروجبا!!
لم يتمكن عزيز سيد جاسم رغم التكرار من كتابة الشعار باللفظ الصحيح، لكنه خط على الورقة شيئا من ذلك القبيل..
سلم سلم صداقة!
اعتقد، شيوعيو الغازية وربما بعضهم الاحياء الى اليوم ما زالوا يؤمنون ، ان الخبيرين، سيلتقطان الهتاف ، وان الكرملين سيهتز لهوسات أهالي البلدة الميمونة باسم الملك غازي قبل عام 1985 ، لانهم استقبلوا بحفاوة منقطعة النظير مواطنين من الساحة الحمراء!
أكاد اجزم ، ان جهود عزيز سيد جاسم والمنظمة الحزبية وكل الحشد المحتفي بالرفاق السوفيت، ذهبت عبثا.
فالزائران، ليس فقط كانا مستغربين من الاهازيج غير المفهومة ، بل انهما كانا اخر من يفكر بالتضامن الاممي الذي، جعل الفلاح جبارة، متيبس العروق، يزحف نحو الشـطــــرة ، عله يحظى بفرصة مشاهدة الرفاق
” السوبيت”.
اما لطيف صاحب المكتبة، فقد روى كيف انه أخترق جموع مستقبلي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي انستاس ميكويان في بغداد، ليطرق زجاج سيارة مصطحبه الزعيم عبد الكريم قاسم وليسمع منه الكلمة السحرية ::::
مرحبا رفيق لتيف!
ميكويان يعرف اسم لطيف بالحاسة الشيوعيه السادسة!
اي خيال خصب للكادح الذي كان يغذي البلدة الوادعة بامهات الكتب، يتلقفها متعلمو المدينة، مثل ارغفة الخبر الحار.
هذه القصص، الصادقة، البسيطة، تتشكل مثل جدارية جواد سليم في ذاكرة جمال العتابي الحية، المتجددة بالسخرية.
ينظر جمال مقهقها الى الوراء.
انه يستعرض حياة الوف الاشخاص الذين عاشوا الأوهام،فسقتهم الأنظمة الثورية المتحالفة مع الرفاق السوفيت، العلقم، وكسرت عظامهم،مع احلامهم، وغيبت الألوف في غياهب السجون والمعتقلات والمقابر.
يحرص جمال العتابي على الإيجاز، في زمن أصبحت القراءة مهنة شاقة، لا يقدم عليها، الا أصحاب البال الطويل، وبفضل حكاياته القصيرة، المنثورة مثل “الكليجة” في صينية العيد، تشعر بخدر لذيذ، وتفوح رائحة المسيح والزحلاوي ، والكباب، واللبلبي وضحكات تلعلع لأرواح نقر قلم جمال، أبواب مقابرهم فِي صمت العراق الموحش.
كم كانت المدن زاهية، وجميلة وأنيقة ، ومتعلمة، رغم الطين، والمجاري الاسنة، وبيوت الصرائف، والمستنقعات.
كانت تلك الأجيال، تعتني بعقلها، وتنمي روحها، وتتعمق فِي معرفة العالم، كما لو كان العراقي مسؤلا عن إدارته.
حتى الاوهام والخيبات داخل مكان جمال العتابي، تبدو شامخة، مثل عرانيس النخل الفواح، بالطلع !