18 ديسمبر، 2024 9:17 م

جمالُ صوت المرأة في السرديّة التعبيريّة

جمالُ صوت المرأة في السرديّة التعبيريّة

ثانياً : – التوافق النثروشعري كما في :
– بقلم : مرشدة جاويش أُذُن الجوزاء 2 –
المقدمة :

يقول ( هيجل ) : الشعر هو الفن المطلق للعقل , الذي أصبح حرّاً في طبيعته , والذي لا يكون مقيّداً في أن يجد تحققه في المادة الحسيّة الخارجية , ولكنه يتغرّب بشكل تام في المكان الباطني والزمان الباطني للافكار والمشاعر .

مما لاشكّ فيه انّ الموهبة قد تموت وتنتهي بالتدريج اذا لم يستطيع الشاعر تطويرها واستثمارها أقصى إستثمار عن طريق الاطلاع على تجارب الاخرين والاستفادة منها والاتكاء على المخزون المعرفي لديه , وتسخير الخيال الخصب في انتاج وكتابة كتابات متميّزة ومتفرّدة تحمل بصمته الخاصة التي عن طريقها يُعرف ويُستدلّ بها على إبداعه , وقد تموت ايضا اذا لم تجد التربة الصالحة والمناخ الملائم لأنضاجها , وقد تنتهي حينما لمْ تجد مَنْ يحنو على بذورها التي تبذرها ويعتني بها ويُسقيها من الينابيع الصافية والنقيّة , فلابدّ من التواصل والتلاقح مع تجارب الاخرين الناجحة والعمل على صقل هذه الموهبة وتطويرها والاهتمام بها وتشجيعها والوقوف الى جانبها قبل أن تُجهض . نحن سعداء جدا في مؤسسة تجديد الادبية ان نستنشق الان ملامح إبداع جميل وحضور مشرق من خلال دعمنا المستمر للمواهب الصادقة والناجحة في هذا الموقع , فلقد اصبح لدينا الان مجموعة رائعة جدا من الشعراء والشواعر الذين يجيدون كاتبة القصيدة السرديّة التعبيريّة , ونحن لم ندّخر اي جهد في مساعدة الجميع عن طريق الدراسات النقديّة والنشر والتوثيق المستمر في المواقع الالكترونية الرصينة وفي بعض الصحف الورقيّة , وابداء الملاحظات من أجل تطوير وإنضاج هذه الاقلام الواعدة , نحن على ثقّة سيأتي اليوم الذي يشار الى كتابات هؤلاء والاشادة بها والى القيمة الفنية فيها ومستوى الابداع والتميّز وما تحمله من رساليّة فنيّة وجماهيريّة .

فلم تعد قوالب الشعر الجاهزة ترضي غرور شعراء السرد التعبيري لذا حاولوا ونجحوا في الانفلات من هذه القوالب ومن هيمنتها ولو بشكل محدود ( في الوقت الحاضر ) , وتجلّ هذا من خلال طرق كتابة النصّ والموضوعات التي يتطرق اليها , وترسخت فكرة التجديد لديهم وخطّوا لهم طريقا مغايرا في كتاباتهم , وصاروا يواصلون الكتابة وياخذون منحا اخر لهم بعيدا عما هو سائد الان في كتابة قصيدة النثر , صارت القصيدة أكثر حرّية وانفتاحا على التجارب العالمية , لقد منحت السرديّة التعبيريّة لكتّابها الحرية والواسعة والفضاء النقيّ الشاسع والأنطلاق نحو المستقبل خاصة حينما يكون التعبير أكثر شبابا وصدقا عن المشاعر الحقيقية المنبعثة من القلب الصافي كالينبوع العذب , فلقد أحسّ الشاعر بمهمتة الصعبة في الكتابة بهذا الشكل الجديد والمختلف والذي نؤمن به وبقوّة , فنحن نؤمن وعلى يقين بانّ القصيدة السردية التعبيريّة هي قصيدة المستقبل لقدرتها على الصمود والتطوّر المستمر نتيجة التجربة الطويلة والتراكم الابداعي , بروعة ما تقدّمه وتطرحه على الساحة الشعرية , نعم أحسّ الشاعر بالانتماء والاخلاص لهذا اللون الادبي الجديد والذي نطمح في قادم الايام ان يكون جنسا أدبيا متميّزا , لهذا استطاع الشاعر ان يطوّع المفردة رغم قسوتها وعنادها وإعادة تشكيلها وتفجير كل طاقاتها المخبوءة , وأن يفجّر من صلابتها الينابيع والانهار وإستنطاقها نتيجة ما يمتلكه من خيال جامح ابداعي وعاطفة صادقة جيّاشة وإلهام نقيّ وقاموس مفرداتي يعجّ باللغة الجديدة .

سنتحدث اليوم عن صوت المرأة الشاعرة في السرديّة التعبيرية ونختار بعض القصائد كي نشير الى مستوى الابداع وكميّة الشعرية فيها , ونستنشق عبير هذه القصائد النموذجية .

انّ حضور الصوت النسائي في السرديّة التعبيرية له تاريخه المشرق وحضوره البهيّ , فمنذ تاسيس موقع ( السرد التعبيريّ ) كان حضور المرأة الشاعرة متميّزا ينثر عطر الجمال ويضيف ألقاً وعذوبة في هذا الموقع الفريد والمتميّز, وقدّمت قصائد رائعة جدا تناولها الدكتور انور غني الموسوي بالقراءات الكثيرة والاشادة بها دائما , وتوالت فيما بعد الاضاءات والقراءة النقدية لهذه التجارب المتميّزة من قبل بعض النقاد ومن بعض شعراءها . فاصبحت هذه القصائد نوعية مليئة بالابداع الحقيقي وبروعة ما تطرحه من أفكار ورؤى ومفعمة بالحياة وروح السرديّة التعبيريّة وخطّتْ لها طريقاً تهتدي به الاخريات ممن عشقن السرد التعبيري وحافظن على هيبته وشكله وروحه والدفاع عنه . لقد أضافت الشاعرة الى جمالية السرديّة التعبيريّة جمالا آخر وزخما حضورياً وبعثت روح التنافس وحرّكت عجلة الابداع فكانت بحق آيقونة رائعة . القصائد التي كتبتها المرأة في السرد التعبيري كانت معبّرة بصدق عن اللواعج والالام والفرح والشقاء والحرمان والسعادة , بثّت فيها شجونها وخلجات ما انتاب فؤادها , ولقد أزاحت عن كاهلها ثقل الهموم وسطوة اللوعة , ولقد جسّدت في قصائدها آلامها ومعاناتها في بناء جملي متدفق , منحت المتلقي دهشة عظيمة وروّت ذائقته وحرّكت الاحساس لديه . كانت وستظلّ زاخرة بالمشاعر والاحاسيس العذبة ومتوهّجة بفيض من الحنان , نتيجة الى طبيعتها الفسيولوجية والسايكولوجية كونها شديدة التأثر وتمتاز برقّة روحها فانعكس هذا على مفرداتها وعلى الجو العام لقصائدها , فصارت المفردة تمتلك شخصية ورقّة وعذوبة وممتلئة بالخيال وبجرسها الهامس وتأثيرها في نفس المتلقي , فكانت هذه القصائد تمتاز بالصفاء والعمق والرمزية المحببة والخيال الخصب والمجازات ومبتعدة جدا عن المباشرة والسطحية , كانت عبارة عن تشظّي وتفجير واستنهاض ما في اللغة من سطوة , كل هذا استخدمته بطريقة تدعو للوقوف عندها والتأمل واعادة قراءتها لأكثر من مرّة لتعبر عن واقعها المأزوم وعن همومها وهموم النساء في كل مكان . فرغم مشاغلها الحياتية والتزاماتها الكثيرة استطاعت الشاعرة ان تخطّ لها طريقا واضحا وتتحدّى كل الصعاب وترسم لها هويّة واضحة الملامح , فلقد بذرت بذورها في ارض السرد التعبيري ونضجت هذه البذور حتى اصبحت شجرة مثمرة . لقد وجدنا في النصوص المنتخبة طغيان النَفَس الانثوي واحتلاله مساحة واسعة فيها معطّرة برائحتها العبقة واللمسات الحانية والصدق والنشوة , فكانت ممتعة جدا وجعلت من المتلقي يقف عندها طويلا منتشيا , وحققت المصالحة ما بين الشاعرة والمتلقي وهذا ما تهدف اليه الكتابة الابداعية .

2- التوافق النثروشعري :

لقد قّدمت مجموعة السرد التعبيري وتقّدم وستقدّم قصيدة نثر متطوّرة بنائيا وشكليا ومضمونا , كتابات تمتاز بالشعرية العالية والفنيّة المتطورة والرسالية فذّة , حتى اصبحت هي النافذة المشرعة دوما لتقديم قصيدة نثر عربية بصيغتها الواقعية والموضوعية , أي بصيغة النثر الكامل بدون تشطير او فراغات او نقاط او توقفات وببناء جملي متواصل على شكل فقرات لغوية ناضجة اللغة , وهذا يعني ان هندسة القصيدة أصبحت على شكل كتلة واحدة أفقية تمتاز بالزخم الشعوري والخيال الخصب والرمزية العذبة وتبتعد كثيرا الرمزية المغلقة , لغة تمتاز بالعذوبة والرقّة والأناقة . انّ جميع كتابات مجموعة السرد التعبيري تمتاز بكونها تُكتب / بالفقرات النصيّة – البناء الجملي المتواصل – وبالسردية التعبيرية / . وفي هذه اللغة يتجلّى البُعد الدلالي والبُعد الأبداعي والأسلوبي , في هذه اللغة تتجلّى طاقات اللغة المدهشة والعظيمة والجميلة , فهناك ثلاثة عوامل من خلالها نحصل على هذه الدهشة والصدمة عن طريق / عناصر كتابية نصّية يمتاز بها النسيج اللغوي في النصّ و وعناصر التجربة العميقة عند الشاعر وعناصر قراءاتية لدى المتلقي / . في كلّ مقالاتنا وحواراتنا سنؤكد على انّ السرد التعبيري / السرد لايعني الحكائية أو القصصية وإنما السرد الممانع للسرد , فحينما نقرأ نصّاً سرديا نتوهّم أولا باننا نقرا حكاية , لكن سرعان ما تنحرف اللغة وتنزاح انزياحا عظيما مبهرا وتبتعد عن واقعيتها من خيال الخيال فنجدها رقيقة تنساب كالينبوع العذب وتكون مهمتها نقل المشاعر العميقة والاحاسيس المرهفة عن طريق الايحاء من أجل تعمد الأبهاء والتجلّي . وكلما كان النصّ مقنعاً وجدنا أنفسنا نعيش داخل أجواءه وهذه من مميّزات السرد التعبيري ان يجد المتلقي يعيش في أجواء النصّ ولا يبتعد عنه . وكما قلنا في مقالنا السابق بانّ هناك تضاد وتناسب عكسي بين الشعر والنثر وهذا هو المعهود والمتعارف عليه سابقاً , وهذا يعني كلّما إبتعدنا عن الشعرية إزدادت النثرية وبالعكس ايضا , الاّ أن الكتابة بالطريقة السردية التعبيرية منحت كتّابها فضاء واسعا للتعبير عمّا يعانونه ويعيشونه في هذا الواقع , فكلّما تعالت اللغة الشعرية تعالت وتجلّت معها النثرية , بحيث أصبح التناسب طرديا وممكن تحقيقه والكتابة فيه , وجميع كتابات مجموعة السرد التعبيري شاهد واضح وجليّ لهذه الفكرة الجديدة وهو نتاج الاسلوب الكتابة الذي يمتاز به كتّاب السرد التعبيري .

اذا نحن الان أمام لغة يتصالح فيها الشعر والنثر بتوافق جليّ وواضح ومدهش , انّه نصّ الشاعرة : مرشدة جاويش / أُذُن الجوزاء / . انّ من الاساليب الواضحة والتي تتحقق فيها حالة التوافق النثروشعري هي اللغة التي تتماوج ما بين القرب والتوصيل ومابين الرمز والايحاء ومابين التجلّي والتعبير ونقصد بالاخير وقعنة الخيال , أي إظهار الخيال بلباس واقعي , مما يعطي للنصّ العذوبة والقرب واللألفة ويزيل عنه كل حالات الجفاء أو الجفاف اللغوي والأغتراب يطرأ عليه بفعل الرمزية والايحائية . لنقف بخشوع امام هذا الأنهمار اللغوي الجميل ../ نثار نسائم عشقي بين زغابات أفيائي يضمني إلى صدرصباحاته المرمرية الوقع في دمي حين تنشر سفائن الروح أشرعتها على سفوح الريح في خلجان دياجيري ولاتبحر بي إلا إلى صدى مروجه يجتاح إنحسارات الوعود في كؤوس سراج اليباب يتنفس ظلمة رفيف الحلم في آفاق الزبد الممدودة الضياء ../ . انّ النصّ كُتب ببناء جمليّ متواصل حافظ على نثريته الجميلة وشعرية العالية بطريقة مذهلة توحي بأنّنا أمام قردات شعرية هائلة تمتلكها الشاعرة / مرشدة جاويش / استطاعت تطويع اللغة بطريقة عجيبة بهذا البناء المحكم والمتواصل , سخّرت الرمزية المحببة وفجّرت طاقات اللغة المخبوءة فيها ورسمت لنا هذه الصور المشرقة الحافلة بالانزياحات . وفي جزء آخر من هذا البناء الجملي المتواصل نقرأ لها ../ تصعد رعشاتي لتصعق أذن الجوزاءوتغزوني رجفة قرب الشطآن المجهولة وجزر الدمع المنسية سأرتمي بين أحضان الصلبان الممشوقة الخريف وأعزف ترنيمة الزمن المسروق الجسد وأنتظر شقشقة زنبقة الرّنوإلى حيث تنتهي أنفاس اشتجاري ../ . لقد حققت الشاعر في نصّها هذا الغاية القصوى لقصيدة النثر من خلال الشعر الكامل في النثر الكامل واستطاعت ان تخلق حالة من التوافق النثروشعري وإبحاراُ وتعمّقاً وإدهاشاً واضح ومتميّز . ولنقرأ للشاعرة هذا الجزء الأخير من نصّها ../ لعلها تحكي لي قصة العناق المتعرش قلب الرباب المهاجرة إلى قمم المطر فتسقي يباب الحنين لأغصان لهيبه حاملة حطام ذكرياتي على ظهر الوقت الزاعق بالرحيل وأمحو آخر أثر لخرائب الروح فلقد أدركت ماوراء حدود نزفي ..
فلتبذرني همهمة النسيان رحيلا” ولاتجنيني ../ . نجد هنا مع كل درجة شعرية اعلى يحققها الشعر هناك درجة نثرية تتحققأ من النثر , فنجد هنا تناسبا طرديا يتحقق داخل النصّ .

انّ جمالية صوت الشاعرة نتلمّسها ونحن نتنفس أجواء النصّ من خلال هذه الطاقات المنبعثة منه , طاقات تظلّ مخبوءة فيه على المتلقي المبدع إكتشافها اذا ما حاول القراءة بطريقة ابداعية تتناسب مع هذه الاشعاعات المنبعثة من أعماق النصّ , ولقد استطاعت الشاعرة هنا ان تكتب بلغة ساحرة عامرة بالايحاء والأشعاعات الروحية تأخذ بلبّ المتلقي , طاقات حسّية توحي بها المفردات وتزيد من سلطان اللغة وجماليتها .

أُذُن الجوزاء .. بقلم : مرشدة جاويش

نثار نسائم عشقي بين زغابات أفيائي يضمني إلى صدرصباحاته المرمرية الوقع في دمي حين تنشر سفائن الروح أشرعتها على سفوح الريح في خلجان دياجيري ولاتبحر بي إلا إلى صدى مروجه يجتاح إنحسارات الوعود في كؤوس سراج اليباب يتنفس ظلمة رفيف الحلم في آفاق الزبد الممدودة الضياء تصعد رعشاتي لتصعق أذن الجوزاءوتغزوني رجفة قرب الشطآن المجهولة وجزر الدمع المنسية سأرتمي بين أحضان الصلبان الممشوقة الخريف وأعزف ترنيمة الزمن المسروق الجسد وأنتظر شقشقة زنبقة الرّنوإلى حيث تنتهي أنفاس اشتجاري لعلها تحكي لي قصة العناق المتعرش قلب الرباب المهاجرة إلى قمم المطر فتسقي يباب الحنين لأغصان لهيبه حاملة حطام ذكرياتي على ظهر الوقت الزاعق بالرحيل وأمحو آخر أثر لخرائب الروح فلقد أدركت ماوراء حدود نزفي ..
فلتبذرني همهمة النسيان رحيلا” ولاتجنيني