يرفض بعض القرويين اللجوء الى الفصول العشائرية كوسيلة لحقن الدماء بعد حوادث القتل او حتى حوادث السير غير المتعمدة مطالبين باخذ الثأر ممن كان سببا في فقدانهم احبتهم ، فتمر السنوات عليهم وهم يعيشون عذاب انتظار الانتقام بينما يعيش الفريق المقابل عذاب الخوف من اسلوب الانتقام وتوقيته اذا لم يكن اصلا قد وقع في قبضة العدالة وعاش عذابا من نوع آخر..وان حصل واخذ الفريق الاول بثأره فذر الرماد على جرحه وبردت نار انتقامه ، ستكون النتيجة سقوط قتيل آخر وتعرض قاتله الى ملاحقة العدالة او اهل المقتول للثأر مرة اخرى ..وهكذا يستمر مسلسل الانتقام دون حلقة اخيرة او نهاية سعيدة بينما كان الاجدى للجميع الانصياع لنداء العقل والرضوخ للفصل العشائري واستخدام اوراق المال الخالية من الروح لشراء ارواح يمكن ان تكون مسالمة واجبرتها الظروف على القتل المتعمد او غير المتعمد ثم ينتهي الامر بالفريقين الى العناق وربما الزواج من بعضهم البعض لتوطيد عرى الصداقة والاخوة ..
في بلدنا الذي تشهد اريافه حالات مماثلة ، كان يعيش اغلب ابناء المدن المتحضرين بمنأى عن افكار الثار والانتقام من بعضهم تاركين القصاص ممن يتعرض لهم بالاذى للعدالة ،وكانوا يحلمون بيوم يخلصهم من طغيان سلطة ظلمتهم بلا استثناء ولم تحاب او تقرب الا المتزلفين لها وخدامها من الطوائف المختلفة ..وبعد عام 2003 وغياب تلك السلطة سنحت الفرصة لمعارضيها بدخول العراق فصارعليهم ان يعبروا عن حبهم للعراق لا عن حقدهم على اهله ..
والآن وبعد مرور عشر سنوات رفعت الاقنعة عن الكثير من الوجوه المزيفة وصار يطل علينا سياسيون انيقين بوجوه متعافية وتاريخ مدجج بالنضال المعارض والشهادات الدراسية العليا المزورة منها والصحيحة ليقولوا ويعبروا بطرق مباشرة وغير مباشرة عن نوايا ورغبات خطيرة بالثأر والانتقام والتمسك بمقاعد السلطة لكيلا تذهب لطائفة اخرى في الوقت الذي تنتفخ فيه اوداجهم وهم يتحدثون عن التغيير والديمقراطية امام المذيعات الجميلات في القنوات الفضائية ..لو نزل هؤلاء السياسيون الى الشارع سيجدون نسبة عظيمة من الناس لاتشترط فيمن يعتلي مقعد السلطة ان يكون سنيا او شيعيا او كرديا او تركمانيا بل ان يشعر بهم فقط ويخدمهم فقد تعب العراقيون من سلطات تثرثر اكثر مما تعمل وتخدم مصالحها اكثر مما تخدم الشعب..واذا كان النظام السابق مولعا باشعال الحروب للبقاء في السلطة فرئيس الوزراء الحالي مولع باشعال الفتن للتمسك بمقعده ..
العراقيون في الريف والمدينة يحلمون الآن بجلسة فصل عشائري كبرى يشارك فيها السياسيون من كل الطوائف والاديان ..يجلسون معا ..يتحاورون ، يسامحون بعضهم على قتل متعمد وآخر غير متعمد ويمدون ايد نظيفة من الحقد والرغبة بالثار والانتقام وتصفية الحسابات القديمة ليسلموا على بعضهم وليتهم يتعانقوا وليس شرطا ان تحصل زواجات بين ابناء الطوائف المختلفة فقد فعلها العراقيون دائما قبل ان يدق السياسيون اسفين الطائفية بينهم ..وليعلموا ان اتفاقيات السلام مهما كانت التنازلات فيها كبيرة فالكل رابحين لأن الغاية منها حقن الدماء والعيش بامان ..
العراقيون اليوم يحلمون بقائد يفكر بطريقة غاندي الذي قال يوما انه يكره لعبة الشطرنج لأنه يضطر فيها الى قتل جنوده وجيشه وكل ماعلى رقعة الشطرنج كي يحيا الملك ..لقد سئموا الحروب وهتافات (يحيا القائد ) ويحلمون بيوم لاهتاف فيه الا للوطن ولاتحية الا للحب والسلام ولاعزم وقوة قانون الا لبناءالوطن والنفوس .. البناء فقط !!