جلال فاروق الشريف (1925 – 1983 ) – اسم سوري معروف في الاوساط الثقافية السورية خصوصا والعربية عموما , وقد ارتبط اسمه قبل كل شئ بالسياسة , فقد كان رئيسا لتحرير عدة صحف رسمية حزبية في سوريا ترتبط بحزب البعث السوري , ولكن هناك جانب آخر في نشاطه الثقافي ينعكس في كتاباته حول الادب الروسي , وهو ما نحاول في هذه المقالة التوقف عنده و عرض ملامحه الاساسية , اذ اننا نرى ان هذا النشاط متميز فعلا في موضوعة الادب الروسي في العالم العربي , ويعتبر جزءا في مجمل ما قام به المثقفون العرب في عملية تعريف القارئ العربي بخصائص الادب الروسي واعلامه في النصف الثاني من القرن العشرين , وان جلال فاروق الشريف – هو اسم يستحق ان يكون ضمن تلك الاسماء التي ندرس مساهماتها في هذا المجال, وتحديد مكانتها ودورها في مسيرة هذه العملية الابداعية.
تخرّج الشريف في كلية الحقوق بجامعة دمشق عام 1948 , اي انه ليس متخصصا في الادب الروسي بتاتا , ولا علاقة له به , وان مساهماته في الكتابة حول هذا الادب جاءت انطلاقا من هوايته الثقافية ليس الا ( وهذا شئ رائع ) , وقد ساعدته على ذلك معرفته الجيدة للغة الفرنسية , والتي اطلع على هذا الادب عن طريقها , اذ نجد ان كل مصادره التي يستشهد بها في كتاباته حول الادب الروسي هي فرنسية .
بدأ جلال فاروق الشريف بنشر نتاجاته حول الادب الروسي عام 1952 , حيث صدر كتابه بعنوان – ( مقابلات مع مكسيم غوركي ) في دمشق , ثم صدر كتابه الثاني عام 1953 بعنوان – ( غوركي وتشيخوف – مراسلات ) في دمشق ايضا وعن دار اليقظة المعروفة ( والتي لعبت دورا متميّزا في عملية نشر الادب الروسي ) , وصدر كتابه الثالث عام 1964 في دمشق بعنوان – ( علم الادب السوفيتي ) , وفي عام 1972 صدر في بغداد كتابه الرابع بعنوان – ( ماياكوفسكي شاعر الثورة الاشتراكية ) , واخيرا صدر كتابه الخامس عام 1983 بعنوان – ( في الادب السوفيتي ) عن وزارة الثقافة السورية . اما مقالاته حول الادب الروسي , فقد نشر مقالة عام 1953 في مجلة الاديب اللبنانية بعنوان – ( بين غوركي والقيصر ) , وفي عام 1954 ظهرت له مقالة في مجلة الاداب اللبنانية بعنوان – ( انطون تشيخوف ). هذه هي النتاجات البارزة في الادب الروسي لجلال فاروق الشريف , وربما فاتنا الاشارة الى نتاجات اخرى لا نعرفها, و لكن من الواضح تماما , انها – بمجملها – لا ترسم صورة متكاملة لهذا الادب الكبير , وانما تعكس بعض ملامحه ليس الا , وتركز على فترة محددة من تاريخ الادب الروسي , وترتبط بالذات باسماء تشيخوف وغوركي وماياكوفسكي بالاساس, رغم ان الشريف ذكر في نتاجاته تلك اسماء ادباء روس آخرين طبعا وتحدث عنهم بشكل عام .
المقالة التي نود ان نتوقف عندها قليلا هنا ( وليس ذلك من باب الصدفة , وانما لانها تجسّد فعلا مفاهيمه نحو الادب الروسي ) هي – ( بين غوركي والقيصر ) والتي شغلت (4 ) صفحات باكملها من مجلة الاديب, وقد كتبها بعد صدور كتابه الاول بعنوان – ( مقابلات مع غوركي ) , وهو كتاب مترجم عن الفرنسية . مقالته عن غوركي كانت ذات نكهة سياسية قبل كل شئ عن المناضل غوركي وليس عن الكاتب غوركي (رغم انه حاول ان يرسم صورة عامة عن سيرة حياته ) , اذ انه طرح الموضوع وكأن هناك صراع مباشر بين غوركي من جهة وبين القيصر الروسي من جهة اخرى , ويشير الشريف الى ان القيصر قد انتصر على (غريمه!) عندما سحب منه عضوية اكاديمية العلوم الروسية , ولكن غوركي اعاد له الصاع صاعين كما يقول التعبير العربي , و انتصر على القيصر بعد قيام ثورة اكتوبر 1917 , وهو طرح يتميّز بالسذاجة طبعا, وبعيد جدا عن النظرة العلمية والموضوعية, ولكن روحية تلك المقالة كانت تتناغم وتنسجم مع العقلية العربية السائدة آنذاك في الاوساط السياسية اليسارية في العالم العربي عموما , والتي كانت لا تعرف الادب الروسي على حقيقته , وانما كانت تنظراليه على انه ادب يساري ثوري يؤيد افكار ثورة اكتوبر منذ بداياته , و لا يهدف سوى الى تحقيق الثورة ضد القيصرية, وان كل ما عدا ذلك لا يستحق أخذه بنظر الاعتبار.
اود ان اشير هنا ايضا الى اني نشرت عام 1972 مقالة في صفحة ( آفاق ) بجريدة الجمهورية في بغداد ( والتي كانت بادارة الصحافي العراقي الكبير محمد كامل عارف ) حول كتاب جلال الشريف بعنوان – ( عشر ملاحظات حول كتاب ماياكوفسكي شاعر الثورة الاشتراكية) , ولا توجد لديّ هذه المقالة مع الاسف الان , ولكني اتذكر اني كتبت ان ( عنوان الكتاب يسيل اللعاب ) , ولكن لا يمكن اعتباره بحثا علميا حقيقيا حول ماياكوفسكي ( لم يكن في الكتاب حتى فهرس !!), وانما تجميع مواد من اربعة مصادر فرنسية ليس الا, وانتقدت المؤلف لانه ابتدأ كتابه بالاستشهاد بكلمة ستالين عن ماياكوفسكي ( باعتباره اعظم شاعر سوفيتي !), وقلت له , انه لا يجوز لكاتب عربي يصدر كتابا عن الادب الروسي في سبعينات القرن العشرين دون ان يعرف تلك الوقائع الكبيرة التي حدثت في روسيا. وقد التقيت بالمؤلف في مؤتمر المربد في بغداد , واخبرني انه سمع بمقالتي , فحاولت ( تخفيف !) الوقع طبعا, وقلت له انه توجد في كتابك ( هفوات ) , وانه بحاجة الى اعادة صياغة . واكرر الان , ان النظرة السياسية الى الادب الروسي تقلل من قيمة اي عمل ابداعي في هذا المجال , وهي الصفة الاساسية في كتابات جلال فاروق الشريف حول الادب الروسي .
ختاما لهذه السطور , اود ان أشير الى كتاب ( مراسلات غوركي وتشيخوف ) الذي ترجمه جلال فاروق الشريف , وان أشيد به ايضا , لانه عمل وثائقي مهم جدا لتعريف القارئ العربي بخصائص هذين الاديبين الكبيرين , وان هذا الكتاب لا زال – ولحد الان – يمتلك اهميته وقيمته , وليس عبثا , اعادة طبعه في دمشق عام 1983 , اي بعد ثلاثين سنة من صدوره.
جلال فاروق الشريف – ابن من ابناء النصف الثاني من القرن العشرين , ونحن بحاجة الى دراسة تراثه في اطار عصره حتما, وانطلاقا من تلك المفاهيم التي كانت سائدة آنذاك .