23 ديسمبر، 2024 11:54 ص

جلاألدين ألرومي-موسيقى-شعر ورقصات:

جلاألدين ألرومي-موسيقى-شعر ورقصات:

ولد محمد جلال ألدين الرومي، ألمعروف خاصة بإسم ألرومي، في 30 أيلول سنة 1204 م في بلخ، وهي مدينة من خوارستان، وقد كان والده أللاهوتي وألمعلم ألصوفي قد ترك ألمدينة في 1219 م خوفا من غزو المغول وذهب حاجا إلى مكة، وأستقر أخيرا في قونية.

بعد موت والده، وكان عمر جلال الدين آنئذ 24 سنة، درس ألرومي في حلب ودمشق وبعد سبع سنوات عاد إلى قونية وخلال ألفترة بين 1240-1249 م علّم ألإجتهاد وألشريعة ألقانونية.

 في 29 نوفمبر 1249 وصل إلى ألمدينة شمس ألدين ألتبريزي درويشا هائما وكان عند وصوله في ألستين من عمره.

تشير بضعة نصوص إلى لقائهما، وكل واحدة من هذه أللقاءات تروي بطريقة مأساوية، قلّت أو كثرت، قصة إهتداء ألرومي: وبذلك أصبح ألقانوني وأللاهوتي ألشهير واحدا من كبار ألصوفيين وربما ألشاعر ألأكثر عبقرية في ألإسلام.

سافر شمس ألدين ألمضطهد من قبل تلامذة ألرومي ألذين حسدوه لهيمنته على معلّمهم إلى دمشق ثم رضي بألرجوع، إلّا أنّه في 3 كانون أول سنة 1247 أختفى، مغتالا بشكل سري.

بقي الرومي لفترة طويلة حزينا وقد ألّف مجموعة من ألأناشيد ألصوفية ألتي تحمل إسم معلّمه ( ديوان شمس التبريزي ) وهي “اناشيد جديرة بألتقدير وألحب وألاسى” وهذا ألعمل ألثري مكرّس بكامله لهذا ألحب ألأرضي في ظاهره، ولكنه في حقيقته أقنوم للحب الإلاهي، وإضافة إلى ذلك فإنّ ألرومي أسس ألنغم ألروحي (ألساما) على شرف شمس.

حسب قول ولده (سلطان ولد): ” لم ينقطع لحظة عن ألإصغاء للموسيقى وعن الرقص،، ولم يسترح ليلا ولا نهارا، لقد كان عالما، فاصبح شاعرا، وكان ناسكا فاصبح منتشيا بالحب، ليس من خمرة العنب فألروح ألمستنيرة لا تشرب إلّا من خمرة ألنور”.

حوالي نهاية حياته، أختار ألرومي حسام ألدين شلبي لإدارة تلامذته وبفضل ألشلبي، ألّف ألمعلّم مؤلفه ألأساسي “ألمثنوي” وحتى موته في سنة 1273 أملى ألرومي على ألشلبي ألثنائيات (بيتان متكاملان في الشعر) أحيانا وهو ماشي في ألشوارع، أو حتى عندما يكون في حمامه.

ألثنائيات تتعلق بملحمة صوفية مكونة من خمسة وأربعين ألف بيت تقريبا محتذيا فيها نصوص ألقرآن وألسنة ألنبوية وكذلك خرافات وطرائف وأساطير وجمل من ألفولكلور ألشرقي وألمتوسطي.

 

لقد أسس الرومي أخوية صوفية (كونفريرية) وهي الطريقة المولوية، لأنّه كان يدعى من قبل تلامذته ورفاقه  بمولانا، وعرفت ألجماعة في ألغرب تحت إسم “ألدراويش ألدوارين” لأنّه أثناء حفلة ألساما يدور ألراقصون أكثر فأكثر سرعة على ذاتهم وحول ألقاعة.

يقول ألرومي:

“في إيقاعات ألموسيقى يختبيء سر، إذا كشفته فسيقلب ألدنيا”. وفي ألواقع، إنّ ألموسيقى توقظ ألنفس جاعلا إياها تتذكر جزءها ألحقيقي وتذكّرها بنهايتها ألأخيرة، وكلنا نشكل جزءا من جسد آدم- وأصغينا لهذه ألأنغام في ألجنة، ولكننا لم نعد نتذكر سوى ألقليل.

وكالموسيقى وألشعر ألمقدّسين، فإنّ الرقص ألوجدي كان مطبقا منذ بدايات ألصوفية، وحسب بعض ألصوفيين فإنّ رقصهم ألوجدي كان يستنسخ رقص الملائكة.

في الطريقة ألمجددة من قبل الرومي ( ولكن المنظمة بصورة خاصة من قبل أبنه سلطان ولد) فإنّ للرقص صفة كونية ولاهوتية معا.

في هذا الرقص يلبس الدراويش ألثياب ألبيضاء (ترمز للكفن) مغطاة بمعطف أسود (رمز القبر) ويكونون معممين بقبعة طويلة من أللباد (صورة حجر ألقبر) ويمثل الشيخ البرزخ (ألوسيط بين السماء وألأرض).

أثناء ألرقص يعزف ألموسيقيون على الناي ألمصنوع من ألقصب ويقرعون الطبول وألطبلات.

ترمز ألفرقة حيث يدور الدراويش إلى العالم، والدراويش إلى ألأجرام ألدائرة حول ألشمس وحول ذاتها، والطبول تذكّر بالناقورات في ألدينونة الأخيرة، وتكون دائرة الراقصين مقسمة إلى نصف دائرة، أحدهما يمثل قوس الهبوط أو إنغماس الروح في المادة، وألآخر قوس صعود ألأرواح نحو ألله.

عندما يصبح ألإيقاع سريعا جدا يدخل ألشيخ في ألرقص ويدور في وسط ألحلقة لأنّه يمثل ألشمس ” وهذه في أللحظة العليا للإتحاد ألمحقق”. يضاف إلى ذلك أنّ رقص ألدراويش لا يصل إلّا فيما ندر إلى رعدات عصابية وهذه قد تحدث في بعض ألأجزاء ألهامشية.

إنّ دور ألرومي في تجديد ألإسلام لا حد له، فمؤلفاته قرئت وترجمت وفسرت من طرف لآخر في ألعالم ألإسلامي، وهذه ألشعبية ألفريدة تثبت أيضا ألأهمية للإبداعية ألفنية وبخاصة ألشعر في تعميق ألحياة ألدينية وكما هو لدى كبار ألصوفية فألرومي مع حمية مولهة وقوة شعرية لا مثيل لها لم ينقطع عن تمجيد ألحب ألإلاهي:

“بدون ألحب سيصبح ألعالم بدون حياة”…(ألمثنوي 7-38).

إنّ ألشعر ألصوفي للرومي مغرق في رمزيات مستعارة من اجواء ألرقص وألموسيقى، وبألرغم من بعض ألتأثيرات ألأفلاطونية ألمحدثة فإنّ لاهوته معقد إلى حد كبير، فهو في آن واحد شخص تقليدي وجريء.

يصر الرومي على ضرورة ألوصول أو إدراك غير ألكائن لكي يستطاع ألوصول والكينونة وهذا ما يحمل ألعديد من إشارات ألحلّاج.

 

إنّ ألوجود البشري يتطور تبعا لإرادة ومخطط ألخالق. فألإنسان كان مكلفا من قبل ألله لأن يصبح وسيطا بينه وبين ألعالم.

ليس من ألعبث أنّ ألإنسان قد “ذهب من ألبذرة حتى العقل” (مثنوي 3-975)

” من أللحظة ألتي تأتي فيها إلى هذا ألوجود، هناك سلّم وضع أمامك لكي يسمح لك بألهرب”. وفي ألواقع إنّ ألإنسان في ألبدء كان معدنيا، وبعد ذلك نباتيا، ثم حيوانيا.

 ” ثم تكونت إنسانا موهوبا بألمعرفة وألعقل وألدين” وفي ألنهاية سيصبح ألإنسان ملاكا، وستكون إقامته في ألسماء، ولكن ليست هذه هي المحطة ألأخيرة:

“تجاوز حتى ألشرط ألملائكي، أدخل في هذا ألمحيط (ألوحدة ألإلاهية) من أجل أن تستطيع قطراتك من ألماء أن تصبح بحرا”. وفي مقطع شهير من ألمثنوي (2-53) يوضح الرومي ألطبيعة ألأصلية ألثيومورفية للإنسان ألمخلوق على صورة ألله:

” صورتي تبقى في قلب ألمليك: قلب ألمليك سيكون مريضا بدون صورتي. نور العقول يأتي من فكري، وألسماء خلقت بسبب طبيعتي الأصلية…. أملك ألعرش ألروحي….. لست أبدا ألمجانس للمليك….. ولكني أتلقى منه نوره في ظهوره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
مصادر البحث:

تأريخ ألمعتقدات وألأفكار ألدينية…… ميرسيا إلياد
المترجم: عبدالهادي عباس