أهالي بغداد من المثقفين والمتعففين والمؤدبين والمتحضرين وذوو الاخلاق الفاضلة تتجدد معاناتهم كل عام بما معدله اثنان وخمسون يوما مستمرة بالصياح والزعيق والضوضاء المنفرة والقذارة المزعجة التي تملأ الشوارع بحطب محترق ورماد وخرق سوداء وحمراء وخضراء بدل الاشجار والخضرة والهدوء … فقد احالوها الى سواد وصياح ونواح مدمرين راحة الموظف في ايام استراحته وبعد يوم دوامه مستهدفين استرخائه ولا يستطيع بها استجماع قواه الفكرية لكي يبدأ اسبوعا نشيطا جديدا .. يتمنى الطالب ان يراجع مادته للامتحان وتحضير واجباته ويريد المريض ان يريح جسده ويتمدد في هدوء ويهنأ بعلاجه وبنوم هاديء ويحتاج الرضيع ان ينام في الضحى بضع سويعات مع امه ولكن لا يستطيع اي منهم ان يهنأ بالهدوء اللازم طالما وجدت مكبرات الصوت في الشوارع وهي ظاهرة طارئة دخلت لنا هذه السنوات على الارصفة وفي واجهة المحال وحتى ملاصقة للمدارس ، يعلنونها حربا على الناس وعلى هدوئهم وراحتهم مذكريننا بايام الحزب القائد وما يفرضه من اغان تتمجد بالقائد ومتقصدين ان نكره عاشوراء والحسين والاصلاح الفكري والحضاري الذي كان ينشده من ثورته العظيمة .. تبدأ الازعاجات منذ اليوم الاول للسنة الهجرية مرورا بالعاشر من محرم وحتى بعد الاربعين من صفر بيومين … تصرخ مكبرات الصوت بآذاننا مخترقة جدران منازلنا لتعلن الثورة على الطفل الرضيع والطالب والموظف والعاجز والمريض عقابا لنا ولا تستطيع افضل العوازل الصوتية ان تنقذنا منها ما اضطر البعض الى بيع منزله واللجوء الى المناطق التي لا تشهد مثل هذه الممارسات المتخلفة فلا حقوق انسان ولا اخلاق ولا تربية ولا ضمير . نحن من شيعة علي والحسين نحزن لواقعة الطف بهدوئنا واحترامنا والتزامنا بالنظام وتخلقنا باخلاق آل البيت وصلاتنا ودعواتنا ان يشفعوا لنا بحبنا لهم ، فلماذا تريدون ان تفصلونا عنهم بهذه الممارسات والمعاملات المزعجة القسرية والتي تؤلمنا قبل ان تؤلم وتضجر وتزعج من لا يؤمن بقضية الحسين (ع) والدليل هو ان اثمان الدور والمحال القريبة من الحسينيات والمواكب تباع الان باقل من سعرها الحقيقي وخاصة المناطق (الشيعية ) وهناك هجرة طوعية منها هروبا من زعيق مكبرات الصوت الى مناطق سنية وصدقوني من يهرب هو الشيعي قبل السني بحثا عن الهدوء والراحة بعيدا عن الصراخ والعويل .. من ننادي اذا لكبح هذه الممارسات غير الحسين والحسين فقط ؟ لانه حي وهو اعرف بهم وبنفاقهم وباذيتهم للاخرين ولكنه نداء ايضا للمتنورين من رجال الدين وللمتحضرين والشجعان من المسؤولين لكي تبقى منارات واشعاع الحسين وعاشوراء بلا منغص ولا اكراه بل اقناع وفكر متحضر يراعي حقوق الانسان والمدنية .. اذا هلموا لننقذ عاشوراء والحسين من المتخلفين والمنافقين والغلو واستهزاء الآخرين وليكون يوما عظيما عزيزا ننتظره بفارغ صبر وليس اثنين وخمسين يوما مملة نسفّهُ فيها ثورة الحسين (ع) .