لو أن انتخابات المحافظات جرت بطريقة مختلفة عن سابقاتها، لكان هناك ما يبرر تفاؤل البعض بالانتقال الى صفحة جديدة، فيها من التسامح ودولة المؤسسات ما يخفف العناء المتراكم في النفوس!!، ولو أن مشروعا وطنيا قد تم انضاجه في فترة الترويج لهذه الانتخابات لاستبشر المواطن خيرا بدل النكوص الواضح عن صناديق الاقتراع، في ظروف أمنية أخف من سابقاتها بكثير جدا، لكن المواطن بدأ يميز بين الوعود وفهلوات السياسيين، لذلك تراجع خطوتين!!
لم تختلف أجواء انتخابات الأمس عن سابقاتها في شيء، ذات الشعارات ونفس الوجوه و العناوين الاأرقام القوائم، مع جديد مؤلم يتمثل في شحن طائفي واضح ونرجسيات شخصية و رمزية في غير محلها، وتكرار الحديث عن الخروقات والتزوير وشراء الأصوات ، ما يعني أن العراقي ينتخب في المكان الخطأ والشخص غير المؤهل في أغلب الأحيان، فالعبرة ليست في تنظم انتخابات بل في كيفية توظيف نتائجها عراقيا!!
ولأن المشروع الوطني تم تغييبه عن أولويات المتنافسين، و لأن القوائم تجتر شعاراتها و شخوصها من 10 سنوات، فان انتظارالفرج من هكذا انتخابات هو رجم في غيب لا مقبول، ما يعني استمرار الخلل الى حين، طالما لم يوضع حدا لطمع الحيتان الكبيرة في التهام التكتلات الصغيرة، وطالما أن المرجعيات غالبا ما تتأخر في الادلاء بفتاويها، مثلما حصل بالأمس، ما يؤكد مرة اضافية حاجة المرجعيات الدينية لعملية تجديد ديمقراطية في الرؤوس والتوجهات و القدرة على صناعة الحدث لا الدوران فيه!!
أكيد أن اية انتخابات شعبية ستبقى أفضل ملايين المرات من النسب المئوية الجاهزة، والتزكيات الحزبية والفئوية، لكن في المقابل ليس هناك فائدة ترتجى من تكرار نفس سيناريوهات الكسب غير المشروع و النهب المنظم للخيرات، وشراء الأصوات، حسبما بدأت تلوح به حناجر المرشحين وقادة الكتل والقوائم، الذين تعودوا استباق الفشل بالتخوين والعويل، بطريقة لا تختلف قيد أنملة عن فشل انتخابي منتظر حيث تمحورت الحملات الانتخابية للمرشحين عند الصراع السياسي أكثر من التركيز على مشاكل وهموم المواطن، رغم أن انتخابات المحافظات هدفها المعلن أختيار الأكثر قدرة وكفاءة على تقديم الأفضل من الخدمات المباشرة للمواطن بعيدا عن بيع الكلام و جعجعة سياسية لا علاقة لها بتوفير الأقل من الطحين، ما يعني أن الحكمة لا تتمثل في تنظيم انتخابات بل في نتائجها على أرض الواقع، عمل منظم في مؤسسة مهنية لتقديم الخدمات بلا افضلية أو حسابات حزبية تؤهل لمكاسب سياسية لاحقة، أي جس نبض متقدم للانتخابات البرلمانية!!
سيستبشر كثير من السياسيين، و هناك من يوهم نفسه بأن مجرد عبور يوم الانتخابات بلا خسائر أمنية هو انتصار اضافي في معركة سياسية غير متوازنة، وطرف أخر مبتهج بنجاح اصطفافه الطائفي، وآخرون يمنون الأنفس بفوز مدفوع الثمن سيتم استرداده سريعا، لذلك سنبقى في ربع الدائرة المظلم، لأن كل الحسابات مؤطرة بأولويات شخصية، يغيب عنها العراق بشكل غير مسبوق، حيث المصيبة تتمثل في تحويل مؤسسات الدولة الى جدارعازل لاهمال حقوق المواطن ، ومع ذلك يطلون علينا بتصريحات نارية تشم منها كل روائح الفتنة الطائفية والتسقيط الحزبي والمذهبي ، فاذا كان هدف هذه الانتخابات الوصول الى تلك النتيجة، فانها كارثة ستعجل بكسر ظهر العراق لا أصلاح ذات بينه!!
ويتفق المختصون على حقيقة لم يفكر بها سياسيو الانتخابات ، وهي أن النجاح الأكبر الذي ينقذ العراق و أهله يتمثل في انكفاء التوجهات الدينية المغلقة ، وانهيار القوى الكبيرة في عناوينها لا مشاريعها العراقية، تلك التي تعودت الهيمنة وتكره بالفطرة الحوار وقبول الخسارة، بعد استنساخ مؤلم لرغبة السلطة ونفوذ المال مع اغفال مفجع لمصلحة البلاد والعباد!! العراق بحاجة الى رجال دولة يعملون لا تجار مناصب يتنافسون!!
رئيس تحرير” الفرات اليوم”
[email protected]