الجمال لايعرف مكانا له؛ ينبتُ حيثما وجدت ارض له، وربما تساعد بعض الظروف في أن يكون هذا الجمال مميزاً عمّا سواه : منها الدعاية الاعلامية والعالمية في نشره. في حين بقيت بعض ايقونات الجمال حبيسة المحلية، ولم يعرفها سوى نزرٌ بسيطٌ من العشاق الذين يقدرون الجمال الحقيقي ويهيمون في حياضه . واستطاعت عدسات العيون المحلية أن تتغنى بماهو كلُ جميل برعم من عوامل المنع والصد التي تعترض عدسات الرصد التي غايتها الانقضاض على الفريسة حيثما وجدت . تعد الممثلة الفرنسية بريجيت باردو واحدةٌ من فاتنات السينما العالمية قلما ان يأتي بنظير لها في عصر تغيرت مقايس الجمال ،وأصبحت علميات الجميل هي من تصنع وجوه النساء اليوم ،ولا يستطع الانسان غير المتمرس أن يميز الجمال الرباني عما صنعته مباضع الجراحين ومساحيق الجميل. وحسب عبارة معلم اللغة الانكليزية الاستاذ سعد ” بأن بريجيت باردو قمر يمشي على الارض “. ربما بالغ كثيراً ، صديقنا في هذا الوصف، وساير الادب العربي في المبالغة وابتعد قليلا عن الواقعية الانكليزية التي درسها ، ويحرصَأن يقرأ بها بعض المجلات الاجنبية .
وهناك مثل يرده الكثير ” يخلق الله من الشبه اربعين ” ، ولكن أن تجتمع رائحة العطر الفرنسي الفواح برائحة (الزوري) يعدُ ضرباً من الخيال الشعري الحالم. أنها نصف القمر الثاني ( جسومة أم السمچ) التي زرعَ فيها الله كل محاسن وانوثة بادور حتى لا يستطع سوى من يعرف تلك المراة البسيطة أن يميز بين كلا الحسناوتين. الفرق بين الاثنين أن بريجيت نجد صورها وافلامها تعرض في جميع انحاء العالم، ولها مغرمون من شتى بقاع العالم، ولا يمكن أن يحصى عددهم وبلدانهم . الثانية (جسومة أم السمچ) هي أيقونة احدى الاسوقالشعبية ، يعرفها من يهوى ( الزوري ) وعدد من نساء المنطقة اللاتي يخشين على أواجهن من سحرها الفتان عند شراء السمك .
تجلس (جسومة أم السمچ) وسط ذلك السوق الشعبي، وهي تتوهيج خلف ( شليتها ) وعباءتها السوداء ، عناجةً وهي تنادي باعلى صوتها عن السمك الذي (يلو گ لحگ الحبيب). وبما أن مدرسة صديقنا استاذ سعد قربية من ذلك السوق الشعبي فأنه يجعل طريقه على أخت بريجيت باردو ؛لاجل أن يمتع ناظريه بهذا الجمال الرباني ، ويقارنه بجمال الممثلة العالمية. وعندما يقبض راتبه ،ويلاحظ زملائه زيادة أناقته وكثرة وضع العطور الفرنسية يعرف عندها هؤلاء الزملاء أن زميلهم سعد ذاهب كعادته شراء(الزوري ) من (جسومة أم السمچ) . عندها يبادره أحدهم عن الفرق بين باردو وجسومة، فيقول : كلاهما يشعان رقةً وأنوثةً، ويمكن تميزها من الرائحة فقط . علما أن هذا الرجل العاشق يؤمن أن الجمال لا تصنعهُالمعطرات ، أنما هو من إبداعات الخالق .
شاءت الاقدار أن ينقل سعد إلى مدينة أخرى لترك مدينة الثورة مفارقاًقمره وهو يتوسط السوق رغما عنه. ولكن زملائهُ الذين كانوا يتواصلون معه برسائلهم كلما شاهدوا (جسومة) تذكروا زميلهم سعد وبريجيت باردو حتى انقطعت هذه الفاتنة لمدة لتعاود الظهور مرة اخرى في نفس المكان. لقد تزوجت من قريب لها ، ولكن الظروف دفعتها إلى العمل مرة أخرى . لم يخبروا زملائهم بهذا الخبر المحزن الذي سيزل كالصاعقة على رأسهِ. وعندما زار في احدى الاجازات مدرسته القديمة، سأل زملائه عن اخبار ( جسومة )، ولكن الصمت كان هو الجواب ، فعرف أنها ارتبطت بشحص أخر، وكل ما فعله القاء نظرة الأخيرة على لوحة سحرته بجمالها وأخذته الى باريس وشارع الشانزلزيه والعطور الفرنسية وبريجيت بادور فعمد إلى صورة الاخيرة التي كان يعلقها في غرفة استراحة المعلمين ،ليقسمها نصفين ، وعندما سألهم أحدهم عن فعله هذا ، قال : اليوم فقدت بريجيت باردو نصفها الآخر .