23 ديسمبر، 2024 12:48 ص

جسر بين الأجيال

جسر بين الأجيال

لطالما كانت علاقة الرجال بالأطفال والطفولة ملتبسةً وغير واضحة وأحياناً مربكة خاصة ً في بلادنا، ففي العديد من الثقافات حول العالم لا زال يعتقد الكثيرون أن التعامل مع الأطفال هو أمرٌ من اختصاص المرأة فقط، وتصل المبالغة بالبعض لحصر دور الأب في توفير المال للعائلة وحل مشاكلهم عندما يكون هناك حاجة لدور يتطلب بعض القرارات الحازمة دون أن يكون هناك مشاركةٌ فعلية ودور حقيقي في حياة أبنائه يخلق بينهم هذه الرابطة الوجدانية الضرورية لكليهما على اعتبار أنه سلوك ينتقص من (رجولته)..

ونظراً لعدم الوعي حول أهمية الدور الذي يجب أن يلعبه الأب بشكل خاص والرجل بشكلٍ عام بحيث يجب أن يكون مسؤولاً عن تصرفاته ويعي ما يعنيه في حياة الأطفال كقدوة ومثال أعلى ومصدر للحب والعاطفة بشكلٍ واعي، كجزءٍ من عدة عوامل تحقق التوازن والإستقرار والنمو النفسي السليم لدى الطفل وتشعره بالأمان وبوجود ملجأٍ وسند ومرجعٍ له يحظى بالثقة والتقدير ويمكنه الاعتماد عليه، سواءاً كان أباً أو أحد أفراد العائلة أو حتى أستاذه دون أن يتنافى ذلك مع دوره التوجيهي والتربوي ودون أن يكون ذلك على حساب عطائه العاطفي بالغ الأهمية بالنسبة لأطفاله، وحتى بالنسبة له كإنسان تعود عليه هذه المشاعر النقية بشكلٍ إيجابي يشمله حتى إن لم يكن الطفل إبنه..

ولا زال حتى اليوم في البعض من المجتمعات دور الرجل هامشياً في التعامل مع الأطفال، فقد تتقبل على سبيل المثال وجود رجل كطبيبٍ للأطفال لكنها لا تتقبل فكرة أن يكون هناك ممرضون من الرجال للإهتمام بالأطفال مع أنها مسألة دقيقة وصعبة وتتطلب الخبرة وامتلاك المهارات للقيام بالعديد من الإجراءات الطبية الهامة، كما وأن الأفكار والمشاريع والمبادرات التي تقدم للأطفال تحظى بقبولٍ أكبر من الناحية الإجتماعية عندما تقوم المرأة بطرحها، وفي بعض الأحيان يتواجد الرجل فيها لكن بشكل ٍ هامشي بطريقة مقصودة أو غير مقصودة مما قد يعطي انطباعاً سلبياً يصب للأسف في تكريس فكرة التعارض بين (الرجولة) والإهتمام بالأطفال مما يزيد الفجوة بينهم في الوقت الذي ينبغي تقليصها فيه..

لذلك يجب تعميم ونشر الثقافة التي تدعو الرجل إلى مساهمة أكبر في حياة الطفل بدءاً بأطفاله أو مع الأطفال في عائلته من دون شعور ٍ بالخجل بشكلٍ تدريجي للمساهمة في إعادة بناء العلاقة بين الأطفال والرجال بشكلٍ متوازن وصحيح والتشديد على ضرورة هذه العلاقة، وإعادة رسم الصورة وتصحيحها لتتحول إلى ثقافة عامة خاصةً في ظل تشويش وخلط متعمد للكثير من المفاهيم النفسية والتربوية والتي يساهم فيها الإعلام بشكلٍ أو بآخر، مما يعود على كل الأطراف بالمنفعة ويساهم في تحسن الصحة النفسية والإندماج داخل المجتمع، خصوصاً مع تزايد المشاكل النفسية لدى الأطفال التي يسببها التفكك الأسري في المقام الأول واختلال دور أحد الوالدين أو غيابه بشكل جزئي أو كلي، وهنا يجب التحدث بواقعية وصراحة دون اجتزاء للحقيقة ودون التذرع بأن الأجيال السابقة كانت أقوى أو تعيش بشكلٍ أفضل لأن الكثير منهم تجرأ على نفي هذا الإعتقاد من خلال الحديث عن تجاربه الشخصية، إلى جانب عدم وجود توثيق لدراسات أو احصائيات تثبت صحة هذه المفاهيم..

وبكل الأحوال فإن معايير الزمن الحالي مختلفة عن السابق لذلك لا تجوز المقارنة بين زمنين يحملان معطيات مختلفة، كما أن تفعيل دور الرجل في العلاقة مع الطفل يخلق حالة من الاستقرار التي ستؤدي حتماً إلى انخفاض ملحوظ في معدلات العنف والجريمة والاكتئاب والتي تبدأ منذ الطفولة المبكرة، فعندما نسمح لأنفسنا بالتواصل بشكل أكبر مع إنسانيتنا دون خوفٍ من أفكار نمطية تؤدي إلى تسميم الواقع وربما تدمير المستقبل، سنخطو خطوةً في الإتجاه الصحيح لبناء جسر بين الأجيال يبني معه المجتمع ككل لأننا بحاجة إلى بناء الإنسان والإستثمار فيه وفي أجمل التفاصيل في الحياة وأكثرها نقاءاً على الإطلاق..