23 ديسمبر، 2024 2:48 م

جريمة 8 شباط الاسود لن تمحى من ذاكرة التاريخ

جريمة 8 شباط الاسود لن تمحى من ذاكرة التاريخ

تستذكر الشعوب على مر السنين، المآسي والمحن التي حلت بها، سواء على يد حكامها الدكتاتوريين او من خلال الممارسات اللانسانية التي تمارسها القوات المحتلة لبلدانها او خلال الحروب التي تنشب بين الدول، ويكون عادة ضحايا تلك الممارسات، عشاق الحرية والمناضلين من اجل التحرر والديمقراطية اضافة للناس المدنيين العاديين، وهناك أمثلة كثيرة على ما تقدم.
ففي عرقنا، حدثت مثل تلك الممارسات، في حقب زمنية مختلفة. فآبان النظام الملكي السعيدي، تعرض للسجن والاعدام والنفي المئات من المواطنين لا لشيء، انما لكون الضحايا كانوا يناضلون من اجل تحرر البلاد من النفوذ الاستعماري، و من اجل الحريات العامة واقامة نظام ينبثق عن اراد ة الشعب من خلال انتخابات حرة،  وهذه الامور تنص عليها كافة المواثيق الدولية لحقوق الانسان.
غير ان ما حدث صبيحة الثامن من شباط عام 1963 فاق كل ما تعرض له الشعب العراقي من انتهاكات خلال الانظمة السالفة الذكر. في صبيحة ذلك اليوم الاسود، تمكن شلة من سقط المتاع، من السيطرة على دار الاذاعة، وبدأوا ببث بياناتهم المليئة بالحقد على ثورة تموز ومنجزاتها وعلى القوى الديمقراطية، وقد كانت ساعة صفر الانقلابيين الفاشست المدعومين من الامبريالية الامريكية والغربية، بالتنسيق والتعاون مع الرجعيات العربية والاقليمية، باغتيال الشخصية الديمقراطية العسكرية واحد المساهمين في ثورة تموز المجيدة، العميد الركن الطيار جلال الاوقاتي قائد القوة الجوية امام داره صبيحة ذلك اليوم المشؤوم، ثم اعقبوا ذلك باصداربيان رقم 13 يدعون فيه قطعان الحرس الفاشي الذي شكلوه، والقوات الامنية الموالية لهم بأبادة الشيوعيين!! وبعد ان استتب لهم الامر في اليوم الثاني من الانقلاب جلبوا الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم ورفاقه الثلاثة، فاضل المهداوي وطه الشيخ احمد وكنعان خليل حداد الى دار الاذاعة وقاموا بتنفيذ حكم الاعدام بهم خلال دقائق! بحضور عبد السلام عارف، الذي عينه الانقلابيين رئيسا للجمهورية اضافة لعدد آخر من قادة الانقلاب الفاشي، في الحقيقة لم تكن هناك محاكمة حقيقية انما كان عملا انتقاميا بربريا لم تتوفر فيه ابسط مقومات المحاكمة القانونية العادلة.
بعد توالي الايام، تحولت النوادي الرياضية وعدد من البيوت الى معتقلات زج بها الاف المواطنين من ابناء وبنات شعبنا من الشيوعيين والديمقراطيين والقاسميين، بعد امتلاء السجون والمعتقلات بزائريها، وتحول قصر النهاية (القصر الملكي السابق ) وبناية محكمة الشعب والنادي الاولمبي في الاعظمية الى مسالخ بشرية، مورس فيها ابشع انواع التعذيب واكثرها همجية بحق المعتقلين، من انصار ثورة 14 تموز، في مقدمتهم الشيوعيين والديمقراطيين، كانت وسائل التعذيب تشمل، سمل العيون وقلع الاظافر والكي بالكهرباء وقطع الاعضاء البشرية بالمنشار والتعليق لساعات طويلة بالمقلوب من على المراوح الكهربائية، وانتهاك الاعراض، كانت تلك الممارسات الهمجية بحق المعتقلين من اصحاب الرأي، بعيدة كل البعد عن القيم العربية والانسانية التي كان يتشدق القائمين بها في ادبياتهم السياسية، انها كانت تجري بأيدي وبأشراف مباشر من قادة البعث الفاشي، أمثال علي صالح السعدي ومحسن الشيخ راضي وطالب شبيب وحازم جواد وعمار علوش وخالد طبرة وابو طالب الهاشمي ومنذر الونداوي وبهاء الشبيب وهاشم قدوري وعازم ناجي وعزت الدوري والفلسطيني عيسى خضر طه وغيرهم، وهو عار أبدي يلاحق مرتكبيها، كل تلك الانتهاكات لحقوق الانسان لم تجد لها صدى لدى الدول التي تدعي الدفاع عن حقوق الانسان وتطبق في بلدانها الديمقراطية، لكنها تحرمها على الشعوب الاخرى، وجرى تعتيم اعلامي متعمد وصمت مطبق في بلدان العالم (الديمقراطي المتمدن! ) عما كان يجري في العراق من مجازر وحشية وانتهاكات فضيعة لحقوق الانسان،، بأستثناء بلدان المعسكر الاشتراكي السابق التي قامت عبر وسائل اعلامها بفضح تلك الجرائم. بالرغم من ان النشطاء العراقيين الذين كانوا يقيمون او يدرسون في البلدان الغر بية، قاموا بنشر تفاصيل ما كان يجري من جرائم بحق ابناء الشعب العراقي
 منذ الساعات الاولى للانقلاب أخذت عدة اذاعات تبث من بعض الدول الاقليمية المجاورة، هيئت لهذه الغاية مسبقا، تحرض الحرس الفاشي على ابادة الشيوعيين وتذيع اسماء قادة الحزب الشيوعي وكوادره وقادة المنظمات الديمقراطية والمهنية والشخصيات الوطنية وتدليهم على اماكن سكناهم.
لقد حطم الصمود الاسطوري لقادة الحزب الشيوعي العراقي وكوادره الذين مورست بحقهم ابشع واقسى انواع التعذيب، في اقبية قصر النهاية ومحكمة الشعب وباقي دهاليز التعذيب، اعصاب الجلادين، هؤلاء المناضلون الاماجد الذي دافعوا ببسالة نادرة عن اسرار حزبهم وشرف المبادئ والقيم السامية التي يحملونها، في مقدمتهم، الشهداء الخالدين، سلام عادل، جمال الحيدري، محمد صالح العبلي، محمد حسين ابو العيس، عبد الرحيم شريف، نافع يونس، حمزة سلمان، والكوادر الحزبية الاخرى، حسن عوينة والدكتور محمد الجلبي وابراهيم الحكاك وعدنان البراك وداخل حمود وصاحب ميرزا وصبيح سباهي وفيصل الحجاج ومحمد موسى، وجمال ماربين ومحمد الوردي وعبد الاحد المالح وادمون يعقوب وابراهيم اواديس ومهيب الحيدري والكاتب والصحفي الامع عبد الجبار وهبي (ابو سعيد) وابراهيم محمد علي مخموري والقادة العماليين والنقابيين الابطال، طالب عبد الجبار والياس حنا كوهاري وعباس نعمة الحداد وعلي الوتار وسميع جاني والمئات الذين لم تسعفني الذاكرة لذكرهم، لقد حطم هؤلاء الابطال اعصاب الجلادين واستشهدوا وهم واقفين شامخين لم يطأطئوا الرؤوس، ضاربين اروع الامثلة في الشجاعة والبطولة قل نضيرها في تاريخ البشرية الحديث. واستشهد برصاص البعثيين القتلة كل من جورج تلو ومتي الشيخ و هادي متروك، كما قام البعثيون الفاشست بدفن العشرات من المناضليين وهم احياء، منهم، اضافة الى المذكورين اعلاه، عبد الستار مهدي ولطيف الحاج واخرين، واعدم واستشهد العديد من الضباط الشيوعيين والديمقراطيين والقاسميين دونما محاكمات اصولية، منهم الشهداء الخالدين العميد الركن داوود الجنابي والعميد الركن ماجد محمد امين والعميد عبد المجيد جليل والعقيد حسين خضر الدوري والمقدم ابراهيم كاظم الموسوي والرواد والنقباء فاضل البياتي وخزعل السعدي وخليل العلي وكاظم عبد الكريم وفاتح الجباري ومهدي حميد وهشام اسماعيل صفوت وعمرفاروق محمود جلال وحسون اسود الزهيري ومنعم حسن شنون واخرين لا تسعفني الذاكرة بأسمائهم. واستشهد في وزارة الدفاع كل من العميدين وصفي طاهر وعبد الكريم الجدة والنقيب نوري ناصر، الذين قادوا المقاومة الباسلة للانقلاب الفاشي في وزارة الدفاع.
ان الجرائم التي ارتكبت في الاشهر التسع التي حكم فيها هؤلاء الاوباش العراق بحق العراقيين، لا تندمل جراحها مهما توالت السنن، وضحايا تلك الحقبة لا يجب نسيانهم ابدا.
ان الجرائم الهمجية البشعة التي تقترفها عصابات داعش الارهابية التكفيرية اليوم بحق بنات وابناء الشعب العراقي، هي في الحقيقة امتداد لجرائم عصابات البعث، وخريجوها من نفس المدرسة الفاشية وتستعمل نفس الادوات في تنفيذ جرائمها.
بالرغم من مرور اكثر من نصف قرن على تلك الجرائم. من المؤسف حقا ان لاينصف ضحايا انقلاب شباط الاسود من الشهداء والسجناء والمعتقلين ولا تنصف عوائل الراحلين منهم بالرغم من مرور اكثر من عقد على سقوط الدكتاتورية. ومن الغريب حقا، عدم قيام عوائل الشهداء باقامة دعاوى على بعض الجلادين الذين كانوا وما زال بعضهم على قيد الحياة بعد التغيير، ليقتص منهم القضاء على الجرائم التي اقترفوها بحق ابنائهم ايام انقلاب شباط الاسود.
ونحن اذ نستذكر تلك الايام السود، علينا أخذ الدروس والعبر من تلك الاحداث، كي نقطع الطريق على كل من تسول له نفسه اعادة مآسي الماضي الاليم، ولا يتم ذلك الا بوحدة قوى شعبنا الوطنية والديمقراطية وسائر محبي الحرية للوقوف بوجه الريح الصفراء التي تحاول الاطلال علينا من جديد وبثياب اخرى.