منذ سنة وثلاثة أشهر تقريبا , غادر الرئيس جلال الطالباني العراق متوجها إلى ألمانيا للعلاج من آثار النزيف الحاد في الدماغ الذي أصابه , والذي أدخله في حالة غيبوبة , ومنذ ذلك التأريخ وحتى هذه اللحظة انقطعت أخباره تماما عن الحكومة و الشعب العراقي , إلا من خلال نافذة طبيبه الخاص الدكتور نجم الدين كريم محافظ كركوك , حيث كان يخرج بين فترة و أخرى بتصريح يطمأن فيه الشعب العراقي بأنّ الرئيس يستجيب للعلاج وفي حالة تحسن مستمر , و بالرغم من كل المناشدات الرسمية والشعبية التي طالبت بالوقوف على حقيقة الوضع الصحي للرئيس ومعرفة إن كان حيّا فعلا أو ميتا , إلا أنّ هذه المناشدات جميعها ذهبت أدراج الرياح بسبب حالة التكّتم والسرّية التي فرضتها أسرة الرئيس وطبيبه الخاص على الحكومة والشعب العراقي .
والحقيقة إنّ ما قامت به أسرة الرئيس وطبيبه الخاص الدكتور نجم الدين كريم , بإخفاء حقيقة الوضع الصحي للرئيس وعدم تمكين الحكومة والبرلمان العراقي من الاطلاع عليها والوقوف على حقيقتها , يعتبر جريمة كبرى بحق العراق شعبا وحكومة , لأنّ هذا التصرف اللاقانوني قد جعل البلد بدون رئيس طيلة هذه الفترة , خلافا لما نصّ عليه الدستور العراقي الذي يوجب انتخاب رئيس جديد للبلاد بعد ثلاثون يوما من خلو منصب الرئيس لاي سبب كان , والمشكلة ليس فقط في الجانب القانوني والمعنوي لغياب الرئيس وبقاء البلد بدون رئيس كل هذه الفترة , بل في النفقات الهائلة التي تدفعها الحكومة من أموال الشعب كمصاريف علاج وهي لا تعرف حقيقة وضعه وأين هو .
وجريمة قتل الدكتور الشمّري هذا اليوم وسط بغداد من قبل أحد ضباط فوج حماية الرئيس , قد سلّطت الأضواء على مبررات وجود هذا الفوج في بغداد , فهذا الفوج موجود أصلا لحماية الرئيس , لكن ربّ سائل يسأل ويقول أين هو الرئيس حتى يكون له فوج حماية في وسط بغداد يسرح ويمرح ويمارس الموبقات ؟ وإذا كان هذا الفوج هو جزء من القوات المسلحة العراقية وتابع لوزارة الدفاع الاتحادية , فلماذا لا يزّج به في الدفاع عن بغداد والتصدي للإرهاب ؟ .
أنا لا أريد أن أحمّل هذه الجريمة التي اقترفها أحد ضباط هذا الفوج بقتله الدكتور الشمّري مدير مكتب إذاعة العراق الحر والمدرس في كلية الإعلام في الجامعة المستنصرية , أكثر من طاقتها , فهي جريمة ككل الجرائم البشعة التي تقترف يوميا بحق الأبرياء والآمنين , والإجرام ليس حكرا على جماعة معينة أو مكوّن معين , لكنّ الطبيعة المأساوية لهذه الجريمة قد فتحت ملف وجود هذا الفوج داخل العاصمة بغداد والرئيس غير موجود , ولا وجود لأي أمل في رجوعه وممارسته لأعماله بعد هذا الغياب وهذا التعتيم المتعمّد على حقيقة وضعه الصحي فيما إذا كان قد التحق بالرفيق الأعلى أو لا زال يعيش على الأجهزة الطبية كما عاش شارون لأكثر من ثمان سنوات .
فإذا كانت الحكومة قد عجزت عن معرفة مصير الرئيس وتركت نجم الدين كريم يضحك على ذقون العراقيين طيلة هذه الفترة , فهذه المرّة نطالب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة بإخراج هذا الفوج من بغداد وعدم السماح له بالبقاء حتى عودة الرئيس , إذا كان لا زال على قيد الحياة , وتقديم الجناة إلى القصاص العادل وجعلهم عبرّة لمن اعتبر .