18 ديسمبر، 2024 8:17 م

جريمة جامع مصعب بن عمير وقرار محكمة التمييز

جريمة جامع مصعب بن عمير وقرار محكمة التمييز

تُعرض جميع الأحكام الصادرة بالإعدام من محاكم الجنايات الكبرى، و ” محكمة الجنايات الكبرى، تتألف من رئيس وقاضيين من قضاة الدرجة الأولى”، على محكمة التمييز، وحصراً تنظر من قبل اللجنة المخمسة،” وهي لجنة تتألف من خمسة قضاة من أعضاء محكمة التمييز برئاسة نائب رئيس المحكمة “، ومقرر بدرجة قاضٍ. كنت حينها، في بداية السبعينات من القرن الماضي، موظفاً في محكمة التمييز في اللجنة الخماسية، ومهمة اي موظف منا، هو؛ أن يقوم بدراسة، وتدقيق، الإضبارة الواردة من محكمة الجنايات الكبرى، والتأكد من عدم نقصان شيء فيها، ووجود محضر المبرزات الجرمية، وغيرها، من الإجراءات الشكلية. وفي النهاية، تعد خلاصة تقدم الى اللجنة الخماسية، مع الإضبارة، لغرض صدور القرار التمييزي، من اللجنة الخماسية، بالتصديق، أو النقض، لغرض تبليغه الى المحكمة المختصة.

أتذكر؛ إن قضية تمت عليها جميع الإجراءات التي تمت الأشارة اليها، وقدمت الى اللجنة الخماسية، في محكمة التمييز. وملخص القضية؛ أن جريمة قتل، حدثت لشخص، في أحدى قرى أرياف العراق. وقد جرى إلقاء القبض على القاتل. وثبتت فيها شهادات الشهود، في أدوار التحقيق، الإبتدائي أمام المحقق العدلي في مركز الشرطة المختص، وفي عرض أوراق التحقيق على قاضي التحقيق المختص، وصدقت جميع الأقوال قضائيًا. ونظرت القضية أمام محكمة الجنايات الكبرى، وأستمعت المحكمة الى شهادات الشهود، وهم عديدون، جميعهم على قول واحد، إن المتهم عبر” الطوفة” ويقصدون سياج دار المقتول المبني من الطين، كما هو الحال في قرى ريف العراق، بعد أن أتم جريمته ليلاً. وعند سؤال القاضي للشهود، كيف تبين لكم أن المتهم هو القاتل، والحادث قد جرى ليلاً، فكان جوابهم؛ إن القمر في تلك الليلة، كان بدراً، وأن الدنيا ” مسفرة “، أيٍّ بمعنى إن ضوء القمر، كان مضيئٌ بما يكفي، لتمييز شكل، ووجه القاتل. وبناءاً على شهادة الشهود البيّنة، والمؤكدة، صدر القرار بالإعدام على المضنون. وعندما عرضت هذه القضية على اللجنة المخمسة، في محكمة التمييز، لم تجد اللجنة أي شائبة على الحكم. إلا إن إلتفاتة القدر كانت حاضرة، فومضت في ذهن أحد القضاة، التأكد من تلك الليلة. فأرجع ليلة الحدث بتأريخه الميلادي الى تأريخه الهجري ليتبيّن من وضع القمر. فإذا هي ليلة ظلماء. ولم يكن القمر فيها بدراً، كما أدعى الشهود. نقضت القضية، وطلب من المحكمة المختصة أعادة المحاكمة، وطلاق سراح المتهم، لعدم كفاية الأدلة.

ما أثار الى طرح هذا القضية آنفاً، هي؛ قضية جريمة جامع مصعب بن عمير البشعة، وقرار محكمة التمييز، فقد بينت المحكمة وهي أعلى سلطة قضائية في العراق، بأن؛ القضاء الأعلى أوضح، أن “محكمة التمييز دققت القضية ووجدت إن الأدلة فيها غير كافية، لإصدار قرار حكم، سواء بعقوبة الإعدام، أم بغيرها، ذلك أن المتهمين أنكرا التهمة أمام قاضي التحقيق، وأمام محكمة الجنايات، مضيفاً، ان أقوال الشهود، والمشتكين، تناقضت أمام القائم بالتحقيق، والأدلة العلمية، غير متوفرة في الدعوى،

كما أكد القضاء، أن الدليل الوحيد في القضية، هو اعتراف المتهمين، أمام القائم بالتحقيق، في مرحلة التحقيق الابتدائي، وهو لا يكفي سبباً للحكم، سيما وأن التقرير الطبي الخاص بفحصهم، يشير إلى تعرضهم للضغط، ولكون تلك الأدلة المتحصلة، لا ترتقي إلى مستوى الدليل المعتبر قانوناً، لذا قررت المحكمة، نقض القرار الصادر بحقهم، والإفراج عنهم.

ليس لنا الحق في إقحام القضاء بالسياسة. لأن هذه المسألة هي في منتهى الخطورة. وإن تسييس القضاء، أو دفعه الى ذلك، لن يصب في مصلحة أحد. بل يدفع البلد الى مساحة مظلمة جدًا. ويعرض الحقوق للضياع. في هذه المسألة، قطعاً، سوف لن يكون الإنخياز، من عموم الشعب، إلا للقضاء. وهذه الهجمة، لن تصب في مصلحة أحد، إذ، إن التشكيك بالأحكام القضائية، لن يقود إلا الى إهانة القضاء، وهذا أعظم ما تصل اليه البلاد، من إنحطاط .. إذا ما حدث ذلك، فإلى أين، بعد ذلك، نحتكم، ومن هي مرجعيتنا.