23 ديسمبر، 2024 5:11 م

جريمة البلدات الأربع

جريمة البلدات الأربع

يشير الهجوم «الإرهابي» الذي تعرض له أهالي بلدتي الفوعة وكفريا على مشارف حلب، حي الراشدين، وهم يستقلون حافلات التهجير الكبير، إلى الهوّة السحيقة التي وصل لها الحال في سوريا.

البلدتان، الفوعة وكفريا، سكانهما من الشيعة الموالين لنظام بشار، والتهجير تم وفق ما عرف باتفاق البلدات الأربع، حيث تفرغ بلدات أهل السنة بقرب دمشق، الزبداني ومضايا، من السكان، أو من غالبيتهم، ويهجرون لشمال غربي سوريا، إدلب وغيرها، مقابل تهجير البؤر الشيعية في ريفي إدلب وحلب إلى الغرب السوري، أو «سوريا المفيدة» وفق القاموس الأسدي.

يعني بعبارة أكثر فظاظة، فرزاً سكانياً طائفياً، وتلاعباً بالخريطة الاجتماعية السورية، على أساس الهوية.

إنها جريمة كبرى، تغتال كل ما بقي في سوريا من تعددية وتلقائية وطبيعية، عاش عليها الأهالي من مئات السنين، رغم كل الفتن التي كانت تثور من حين لآخر، لأسباب داخلية، أو خارجية، أو معاً.

الهجوم الإرهابي الانتحاري الذي وقع على المهجّرين من أهالي الفوعة وكفريا، قتل 112 شخصاً، غالبيتهم من أهالي ومقاتلي الفوعة وكفريا. كانوا ينتظرون في منطقة الراشدين، بينما كان مقاتلو المعارضة وسكان مضايا القريبة من دمشق ينتظرون عند موقف حافلات الراموسة الواقع على بعد بضعة أميال. وكان من المقرر نقلهم إلى محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة.

حسب اتفاق البلدات الأربع، يتم على مرحلتين إجلاء جميع سكان الفوعة وكفريا الذين يقدر عددهم بـ16 ألف شخص، مقابل خروج سكان مضايا والزبداني.

المعارضة السورية وصفت، عن حق، التهجير بالنزوح الإجباري لمعارضي الأسد من مراكز حضرية رئيسية في غرب سوريا.

نعم ما جرى للأهالي أو حتى للمقاتلين من سكان الفوعة وكفريا، هو جرم واضح، مثلما ربما، لا سمح الله، سيجري للأهالي والمقاتلين من سكان مضايا والزبداني، في فعل انتقامي متوقع من قبل النظام الأسدي وميليشياته.

غير أن الجريمة الكبرى، مع هذه الجريمة، هي في تكريس الطائفية وترجمتها على ورق وجغرافيا سوريا والتلاعب بالحقائق الديموغرافية.
هذه جريمة موصوفة، وفزر سكاني همجي يجري أمام نظر العالم، في القرن الجديد، بعدما تخيّلنا أن حروب التهجير السكاني والفرز الهوياتي ولّت مع القرون الوسطى ومحاكم التفتيش الإسبانية الرهيبة.

النظام، والميليشيات التابعة له، وعصابات إيران الخمينية، ومعهم جيش بوتين، من طرف، وجبهة النصرة، «القاعدة»، التي أبرمت اتفاق البلدات الأربع، وطبعاً «داعش»، كل هؤلاء شركاء في افتراس الهوية السورية الحضارية التاريخية.
اتفاق البلدات الأربع، عار سوري جديد.

*نقلاً عن “الشرق الأوسط”