23 ديسمبر، 2024 1:34 م

جريدة الرقيب صحافة حرة في زمن الاستبداد

جريدة الرقيب صحافة حرة في زمن الاستبداد

سجلت جريدة الرقيب العراقية ومضة مشرقة في تاريخ الصحافة العراقية كونها صحيفة حرة وذات مبدأ في زمن كانت فيه الصحف تعاني الركاكة والضعف ومحاباة الحاكم بسبب الرقابة الصارمة حيث اعتمدت الطرق الحديثة للصحافة وهي سبقت عصرها حيث طهرت في المرحلة الأولى التي سبقت الحرب العالمية الأولى وأبان إعلان الدستور العثماني (1908) فهي صحيفة رائدة في مجال الإصلاح وفي ابتكار الأبواب والموضوعات التي تعبر عنها بطريقة مميزة لم تصل إليها حتى الصحف التي صدرت في ثلاثينات القرن العشرين.

صدر العدد الأول في شهر محرم الحرام سنة (1327) ه الموافق الشهر الاول من عام 1909 وبالتحديد في 28/1/1909وكانت ترويستها ((جريدة عربية تركية خادمة لترقي الوطن بكمال الحرية تصدر مرة واحدة في الأسبوع))

وجاء في أسباب صدورها

((تعقيب ما يمكن تعقيبه من أحوال الأمراء والمأمورين ,والأهالي على اختلاف مللهم وتباين نحلهم وتضاد أهوائهم ))

وهي تعتبر وسيلة جماهيرية تخاطب عامة الناس وقد نقدت من قبل البعض لعدم استخدامها لفن البديع والبيان فكان رد الصحيفة )): بلغنا أن بعض الأدباء على زعمهم أخذوا ينقدون الرقيب لعدم مطابقته لفني البديع والبيان, ونسوا قولنا في العدد الأول ,أننا لا نريد أن نحرر تحريرا مرصعا بحيث لا تفهمه العوام ,بل إننا نريد إفهام العوام أكثر من الخواص,وليعلموا ان الرقيب لا تلتفت إلى تنقيدهم ولا يقول لهم إلا سلاما))

تناول العدد الأول الموضوعات التالية

1- تقويم الرقيب الأسبوعي ,ويتناول الشروق والغروب وأوقات الصلاة

2- الازدحام على الجسر

3- تأديب الرعاع

4- تصحيح سهو

5- زلزلة في الحلة

6- وصول مبعوثي بغداد

7- تقدير حمية

8- حوادث الولاية

9- صدقة خيرية

10- قدوم

11- عقد قران

12- المباشرة بأعمال جر المياه إلى الولاية

13- يوم عاشوراء

14- إعلان باللغة التركية وترجمته بالعربية

15- تلغراف(أي برقيات وأخبار خارجية)

16- مصاحبة

هذه الأبواب تكاد تكون جزء من الجريدة أما الانتقاد فينصب دوما على المطالبة بالإصلاح فلا يكاد يخلو منه عدد من أعدادها

ملاحظة:كانت تدعوا إلى التعريب في زمن ظهور نزعة التتريك

و النص التالي يبين ذلك وهو موجه إلى الوالي ناظم باشا بما يشبه الكتاب المفتوح في هذه الأيام وهو تحت عنوان ( والينا ناظم باشا واللغة العربية) جاء فيه : ((قد كان حضرة المشار إليه أعلن عند قدومه الولاية عدم قدوم الأوراق التي ترد على الدوائر الرسمية باللغة العربية وتسرعنا الاعتراض على ذلك وذكرناه بالمحيط العربي الذي هو وال عليه …وهذا ما لم نكن نأمل وقوعه من وال في الزمن الغابر,او غاية ما كانت عليه الحال,إن الولاة كانوا يأخذون الأوراق العربية فيأمرون بترجمتها,وبعد جريان المعاملة لا يجيبون إلا بالتركية)).

وكانت نتيجة ذلك أن استدعى الوالي المتغطرس الصحفي الحر(عبد اللطيف ثنيان) وبدأ يضربه بعصاه أمام الناس ,فلم يجد الصحفي الحر بدا من الهرب ,فترك العراق الى السعودية مختفيا خشية السجن والعقاب.

كانت الولاية ترغم الأطفال على التعلم باللغة التركية مع انها تختلف عن لغة البيت فتصعب على الطفل في المدرسة الابتدائية أن يتعلم بلغة أخرى لا تمت بصلة إلى لغته ,ولهذا السبب امتنع الأطفال عن الذهاب إلى المدارس الرسمية.

تحت عنوان ( المجلس العمومي وبلاد العرب والعربية) كتبت الرقيب:

(( كلنا نرى أن الأولاد المتعلمين في المكاتب الابتدائية الذين حازوا الشهادة منها لا يعرفون شيئا من اللغة التركية لأن تلك المدة لا تكفيهم لتعلم اللغة تكليما فضلا عن القراءة والكتابة بها,ولا يعرفون شيئا من القواعد العربية فضلا عن التحرير فيها :فماذا حصل لهم من الفوائد من وجودهم في المكتب ؟أما لو كان التعليم في المكاتب الابتدائية بلغة الوطن العربية لتمكن الولد أن يتعلم في مدة بقائه فيه ما يمكنه من تحرير جواب كتاب يرد إليه ,ولا شك أن عموم الممالك العربية كسوريا واليمن والحجاز على تعدد ولاياتها تعاضدهم في هذا الطلب العادل ..أليس هذا غصبا للحقوق العربية ؟ أليس من الخزي والعار أن لا نجد في بلاد العرب من يحسن كتابة سطر بالعربية ؟أليس هذا من أعظم الأسباب لانقراض هذه اللغة الشريفة))

لم تكتف جريدة الرقيب بالدعوة لإنشاء المدارس بل دعت وبأسلوب راق ومتحضر ومنذ أعدادها الأولى الأهالي لإرسال أولادهم إلى المدارس بدلا من المكاتب التي كان يتعلم بها الأولاد آنذاك.

………………((أن من أهم ما يجب على الجرائد خصوصا وعلى الأمة عموما ,توالي الأبحاث في التربية والتعليم وتحسين الأخلاق .

إن البحث في هذه الأمور مهما طال لا يمل ومهما سعى في تقويمها الإنسان لا ينبغي له أن يكل لأنها روح المدينة بل أساس الإنسانية …وبسبب قلة وجود المكاتب الابتدائية في ولايتنا نرى ان من يعرف القراءة والكتابة لا يكون إلا بنسبة واحد في المائة على جهة المبالغة ,وهذا الذي نعده واحدا من ألف لا يوجد فيهم من يحسن الكتابة العربية والتركية الرسمية , ولو كان التعليم بصورة مناسبة وحسب القوانين لم نكن نسمع من الأولاد بل والرجال ممن هو معدود في المتعلمين تلك الألفاظ والشتم بأبشع أنواعه وبعض ما يؤول إلى الكفر والعياذ بالله من الألفاظ فاش شائع على السنة اغلب الناس أن أعظم سبب لهذه الأحوال هو الجهل ,ليس لنا من سبيل إلا أن نباشر بتكثير المدارس الابتدائية للذكور وان لانغفل مدارس الإناث إذ ربما كان ألزم وأحسن تأثيرا ,واللوم في هذا يقع على المعارف, فالولاية بحاجة إلى مائتي مكتب ابتدائي ولعلها لا تكفي ,أما التعليم فيجب أن يكون باللغة العربية وكذا في عموم العراق وسوريا والحجاز واليمن ,وأما التعليم في المدارس الرشدية فيجب أن يكون باللغة التركية ويضاف إليها دروس بالعربية المحضة ))

جاءت تلك الدعوة في زمن سياسة التتريك التي هي سياسة ولاة الدولة العثمانية وهي ربما أدت بصاحبها إلى شتى أنواع التعذيب والسجون ولكن الصحفي الحر أكد مبدئه وعمل وفق ما اقتضته مسؤوليته وأدى دوره كصحفي يتعامل مع قضايا عامة

وتهم أبناء شعبه إذ إن واجب الصحفي الارتقاء بمجتمعه فهو جندي في ساحة القتال أيضا وسلاحه القلم والفكر النير ولهذا نجد في الكثير من البلدان قيودا تحد من حرية الصحافة وفي هذا العصر فكيف بزمن كذلك الزمن الذي صدرت فيه (صحيفة الرقيب )

وهو لم يخض معركته لمحاربة الأمية بل ودعى إلى تعليم المرأة حيث تفردت جريدة الرقيب بكتابات كثيرة عن وضع المرأة المزري في الولايات العربية ,وبخاصة في ولاية بغداد مشيرا الى مسؤولية المسلمين المتعصبين بل ومسؤوليتهم الكبرى في هذا المجال يبين ذلك مقالا تحت عنوان( النساء في العراق)

حيث قال فيه:(( إن حالة المرأة في مدينة بغداد حالة يستحي القلم من تحريرها لأنه لا يوجد بينهن واحدة من عشرة آلاف من تحسن القراءة,والسبب هو تعصب إخواننا رجال الدين علماء المسلمين الذين وقفوا ضد تعليمهن…إلا إنهم يتساهلوا فيه قبل مدة من الزمن فرخصوا في تعليم المرأة تلاوة القرآن الكريم بشرط عدم تناول القلم لخط شيء لأن ذلك محضور)).

كذلك التزمت جريدة الرقيب القضايا والأخبار الداخلية داعية إلى إنشاء مجتمع تسوده المحبة والوئام واحترام حريات الآخرين خاصة بعد إصدار الدستور ومؤشرة على بعض السلبيات التي يقوم بها البعض فنقرأ في مقال نشر في الجريدة بعنوان( الإسلام والحانات والمراقص والمساجد) :(( نوجه خطابنا هذا بعد الولاية وأركانها , لعموم إخواننا المسلمين ونخص منهم ذكر من حرك أو قام أو دافع أو حرض بما جرى في ولايتنا في 17 رمضان ,إذ قام بعض رعاع الأهالي يتقدمهم بعض الأشراف للمطالبة بالدين والشريعة والقرآن الكريم ))

ولو تتبعنا الأمر لوجدنا المقال يتحدث عن مظاهرة احتج القائمون بها على قيام بعض المحلات ببيع الخمور,هكذا ذكر صاحبها.

………….

لم يقتصر اهتمام الجريدة على الأمور الداخلية بل شمل الأمور الخارجية وتتبع أخبار المبعوثين حيث طالبتهم بالمساهمة بتطوير المجتمع وإفادته من المعلومات التي حازوها في بعثاتهم إلى الأستانة.

((وردتنا التلغراف الخصوصية مشعرة بوصول حضرات مبعوثي بغداد إلى الأستانة نهار الخميس فنحمد الله على سلامتهم ونأمل أن نسمع عنهم أحسن الأخبار لنذكرهم ونحن رافعي (هكذا الرؤوس مفتخرين بهم وأملنا بهمتهم واقتدارهم وان

لا يكونوا سببا لأن تنخفض الرؤوس أمام الولايات,فرحنا وترحنا موقوف على ما يصدر منهم من الأقوال ,وما يترتب عليها من الأفعال))

وقد اولت الرقيب اهتمامها لدور المنتخب في التعبير عن آمال ولاياتهم التي يمثلونها في البلاد العثمانية واكدت مهمته في الدفاع عن ولايته والمطالبة بحقوق من يمثلهم .

قالت تخاطبهم:

((قد عن لي أن أخاطب حضراتكم ببعض الكلمات فاستميح عذركم وعدم المؤاخذة سلفا , وقد أقدمت على ذلك لأن الصبر قد عيل ,والظن قد خاب ,والأمل قد انقطع ,والرزايا قد توالت والنكبات قد تتابعت والى متى والسكوت لا يجدي نفعا .أيها المحترمون اعلموا أن الأهالي لم تنتخبكم ,إلا وهي تؤمل فيكم الكفاءة لهذا المنصب الجليل والمآزق الحرج ولظنها الحسن فيكم ,إلا أنهم لم يعلموا إن فيكم جبنا أو خمولا فماذا بد لكم؟الأهالي لم تنتخبكم قصدان تفارقوهم وتسكنوا الأستانة ولا قصد أن تدخلوا في عداد المبعوثين لاغبر أو تتناولوا الرواتب وتتعرفوا على ما يجري هناك أو لتكونوا على الحياد,بل لتدافعوا عن حقوق أمتكم ,ولتسعوا من تأمين سبلها وترقي وطنها وتجارتها وإصلاح أنهارها وتكثير زراعتها..))

أخيرا أقول ما أشبه اليوم بالبارحة وكأن الزمن يعيد نفسه ولكن بمسميات أخرى وعناوين جديدة ولكني آمل أن تشرق في عراقنا الجيد شمس مضيئة تلملم جرحنا وتحنوا على آلامنا وإرادات خيرة تبني وطننا وتعمر مستقبل الأجيال القادمة .