23 ديسمبر، 2024 5:50 ص

-” ما أكثر الندوب في يديك وساقيك.. وكأنكِ خضتِ معارك شرسة “ضحكتُ بيني وبين نفسي، ولعلّ طيفَ ابتسامةٍ فرّ مني وزار مبسمي وأنا أتخيّل نفسي وكأني خالد بن الوليد رضي الله عنه وهو على فراش الموت: «لقد حضرت كذا وكذا زحفًا وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتفَ أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء»،
طفلتي التي كانت ترقد إلى جانبي تفحصني بيديها، كما يفحص الطبيب مريضاً، وأنا مستسلمة للمساتها الرقيقة ، أحاول استغلال تلك اللمسات لاستدراج استرخاء يتبعه نوم، أحاول أن أركّز على مسار تلك اللمسات، بل و أحاول أن أوجّهها في الاتجاه الذي يريحني علّ بعض عضلاتي المتشنجة ينالها قدر من التدليك يجعلها توقف استنفارها وتكتّلها وتستعيد انبساطها.. 
لكن الصغيرة لمحت شبح الابتسامة ..  :
” أمي هذه الندوب عند ركبتيك، ما قصتها ؟ هل هي عقوبات مدرسية ؟”
-” لا ، ليست عقوبات ، كنت قائدة الفصل بالمدرسة وبالتالي كنت نظامية وبعيدة عن العقوبات، قد تنالني بعض العقوبات الجماعية ، كتنظيف باحة المدرسة وما شاكل ذلك ، لكن ..”وسرحت في ذلك الزمن، حين كانت أحلامي كبيرة لا يسعها جسدي الصغير ، فتتفلّت  منطلقةً تركض وتمرح وتقفز و تتسلّق ، تقع، وتتعارك ، تجرّ معها ذلك الجسد ليتلقّى السحجات والكدمات والجروح ، وكأنه درع يحمي الروح من طعنات ربما كانت نافذة …”أمي تكلّمي ، أعرف أن لديكِ الكثير من المغامرات “.
” حسناً، على ركبتيّ وأكواعي الكثير من السحجات بعد عدة سقطات  أثناء ركضي ، وأثناء قيادة الدراجة والموتوسيكل “.
قاطعتني بذهول : ” الموتوسيكل ؟ هل كان لديك موتوسيكل؟! “.
ضحكت كثيراً ، وقد فقدت كلَّ أمل بالاسترخاء ، الصغيرة لن تتركني ، ستعرف قصة كل جرح وكل ندبة -” لا لم يكن لدي موتوسيكل ، لكني كنت أقايض أحدهم ، أعطيه دراجتي وبعض النقود وآخذ الموتوسيكل خاصته …طبعاً ننتهي بعراك لأنني أعيد إليه آلته متهالكة، الكثير من الحوادث والاصطدام بالرصيف والحائط .. – أغفلت ذكر حادثة صدمت بها جارتنا الشريرة – لكن بالنتيجة تعلمت قيادته بعد عدة انزلاقات خطيرة، كان لطف الله حاضراً .. “-” وهذه البقعة الداكنة على يدك ؟”-“حرق ! حاولت أن أساعد أمي بقلي البطاطا ، قلّ الزيت بالمقلاة فأضفت الماء ! فاشتعلت المقلاة بنار عظييييمة أكلت يدي التي كانت ما تزال تصب الماء ..!”
-” وهاتان الندبتان في أعلى كتفك ؟”
” ندبة ناتجة عن اللقاح،  أخذته عند الطبيب، إلّا أن معلّمتي أصرّت على أن آخذه مرة ثانية في إطار الحملة المدرسية الصحية ، تغيّبت على إثرها عن المدرسة أسبوعاً، وقد كنت حريصة على أخذه قبلاً في الصيف كيلا أتغيّب …!”
-” وهنا أمي ، وهنا ، وهنا “.
-” سقطة عن الشجرة ، ركلة من حمار  ركبته مع خمس من صديقاتي، سقوط على صخور بحرية ، وقوع في بركة زلقة ،”-” أمي ، كنت دائماً مجروحة أو معطوبة .. كنت في ألم دائم ؟”
-“لا أبداً … لم أكن أشعر بالألم ..جروح الطفولة لا تؤلم ، هي كوخزة دبوس ، آنية .. كنت أنظر إلى سحجاتي وكأنها وشم غجري جميل ..أحصيها كل ليلة قبل النوم …، لكن جروح الكبار لا تلتئم بالكامل ، وتنزّ كُلَّمَا عضّتنا الذكريات …”
ركضت عينها إلى جرح في ساقي، أصبت به  منذ سنوات في معركة صرعتني فيها الحياة .. زرعت في القلب خيبة .. وفي الجسد …-” أمي ، هذا الجرح في ساقك اليمنى ، أراك دائماً تضعين عليه ضمادة ، ما قصته ؟!”.