لم اكن مقاتلا، وفارقت البندقية منذ نهاية حرب العراق وايران، لم اكن حزبيا لاني تعلمت انك تغلل فكرك، وتستلب ارادتك حين تنتمي لتكتل او حزب، تصادر حريتك، ويصبح سجانك منك وفيك، تسير في طريق متعرج وتدعي انه طريق مستقيم، تصدق الاكاذيب وانت لاتعلم انها محض افتراءات، وحتى عندما تكتشف انها اكاذيب تستمر في الدفاع عنها وكأنك مؤمن بها، وتستغرب للذين لايؤمنون بك، لكنني ربما اتجهت اتجاها بفعل العاطفة وانتبهت لنفسي في بداية الطريق، فاخترت حريتي، على اعتقالي لعقلي، فاصحاب العقل المعتقل لايبدعون، وانما يستدرجهم الفكر ومفكروه، فيضيعون وسط لجة كبيرة، لايستطيعون مغادرتها عاطفيا.
لم اكن متدينا فانا اكره اجتماع المتدينين، ولذا آثرت ان ابقى بعيدا عن كل الحركات الاسلامية، لا اعتقد ان الدين بالمتغيرات التي طرأت عليه يستطيع ان يمنع تجزئة بلد او تقسيمه، لم اكن اعلاميا ولذا لم يستطع اي رئيس تحرير ان يستدرجني للعبته السمجة، في افتتاح صحيفة ومن ثم تنشئة العلاقات مع المسؤولين والدخول في الدائرة التي لايستطيع احد مغادرتها، حيث الببغاوات التي تقلد الاصوات من كل القياسات والالسن.
لم اكن معمما، ليستدرجني منبري باتجاه واحد لا اغادره ولا استطيع مغادرته، وساكرر نفس المعلومات سنويا ونفس الاحداث التي تدعو للتمسك بي ومغادرة الآخرين، لم اكن فيلسوفا لاتلاعب بالالفاظ واول شيء اتناوله في فلسفتي المبتدئة، انني انفي وجود الله، لاسلك خطى نيتشة وماركس وغيرهم، ولم اكن فيلسوفا اخلاقيا لامنع الحب واعتبر الزواج هو المؤسسة المنتجة الوحيدة، وادع والى حفظ النوع، لم اكن جاهلا لاذهب للعمل ثم اعود لاتجامع وانام، واستيقظ لاعيد ذات الدورة من الحياة البليدة، لم اكن سياسيا لأتعلم الكذب والتزوير والغش والضلال، ولم اكن نائبا لأسرق اصوات المتعبين لافوز بحفنة دولارات.
احب المتدينين الواعين البعيدين عن الاضواء والتنطع بالاقوال المثيرة، واحب الشيوعيين الذين يحبون اوطانهم، حتى الذين غادروها بعذر شرعي، لم اكن زير نساء لكنني ادعو الى الحب، واحاول ان انشره بين الناس، حتى انني ربما شجعت الطلبة على الحب، حب العدو والصديق، ان تمتلك قلبا يستوعب العالم، خير من ان تمتلك دنيا فارغة تقضيها بالمؤامرات والخداع، اكره المسؤولية، وبذات الروح تقبلت ان اتسلم شحنة من الاغذية، لاذهب بها الى تكريت، اسمي احمد، لم اسمح
لاحد بان يذيع الامر او يهرج بعيدا عن غايته الاساسية، وصلت هناك ولم احمل بندقية، كان دوائي معي، سلمت الشحنة التي تألفت من تبرعات الطلبة في المدرسة، واطلعت قليلا على امر القتال، رأيت الجنود والحشد الشعبي متلونين بلون الارض، عندها فقط صدقت انهم مقاتلون، لم يكونوا بلون السياسيين، وحتى المتدين منهم لم يكن بلون المتدينين، الارض فقط هي من تفصح عنهم، ولانني بحال مزرية وبجسد متهالك، اصطحبني احد افراد الحشد من ابناء تكريت الى منزله.
تركنا كل شيء، تناولنا الطعام معا، وشربنا الشاي، لم نسمح لانفسنا بطرح اي قضية دينية، فقط كنا نتناول احوال الحياة، عائلته كانت تحيط بي، وكان متقصدا ليجعلني اشعر بالالفة، وانا شعرت بها عندما رأيت والدته تضع (الجرغد)، الذي يشبه الى حد كبير ( جرغد والدتي)، ذات الخيوط المنمقة، والسواد البراق، حيث تتدلى الخيوط على الجبهة، فيكسب المرأة حنانا كبيرا، ذهلت، ماهذه الالفة العجيبة، لم اسأل عن العشيرة ولا الدين ولا المذهب، وخجلت ان اجيب عن اي سؤال يتعلق بذات المفردات، عاد الى واجبه في الحشد وتركني في الدار مع عائلته، فكنت وسط اهلي واخوتي.