18 ديسمبر، 2024 8:01 م

جرائم صدامية مروعة / 14/ القتل والتعذيب بالتيزاب (2)

جرائم صدامية مروعة / 14/ القتل والتعذيب بالتيزاب (2)

نؤمن أشد الايمان بضرورة قراءة التاريخ , و اهمية تمعن العراقي الاصيل في احداثه و وقائعه وما مر على اباءه واجداده واسلافه , كي يكون عبرة للأجيال القادمة ؛ فالتاريخ من أهم العناصر التي يستند عليها أي شعب في تطوره ونهضته … ؛ و ان الاستهانة بما جرى على الاغلبية والامة العراقية ؛ او محاولة محو ما فعلته ايادي البعث الاثمة بحق العراقيين الاصلاء والابرياء ؛ تعني قتل الشهداء والضحايا مرة اخرى , والوقوع بنفس الاخطاء و السقوط تارة اخرى في شباك الاعداء .

تميز وضع حقوق الانسان بصورة عامة وحقوق الاغلبية العراقية الاصيلة بصورة خاصة في العراق في ظل النظام البعثي التكريتي الصدامي المقبور بشيوع العديد من الانتهاكات لحقوق الفرد المدنية والسياسية ، ويكاد يغيب كلية حق المواطن والعراقي الاصيل في الحرية والكرامة وفي الأمان على شخصه واهله …؛ فالعراقي الاصيل معرض ودون أبداء الاسباب للتوقيف او الاعتقال او الاعدام او الاختفاء ولا ننسى هنا المعاملة البربرية للشخص الشيعي العربي قياسا بإخوانه من باقي القوميات والاديان والطوائف الاخرى … ؛ وكيفية تفنن أزلام صدام في أساليب التعذيب والقتل ضد ابناء الاغلبية الاصلاء , والتي كان من ابشعها رميهم في احواض (التيزاب) السيئة الصيت وفي المقدمة منهم الشهيد عبد الصاحب دخيل , بالإضافة الى الانتهاكات اللاإنسانية التي أصبحت تعد من الممارسات اليومية الروتينية ضد كل فرد شيعي كالمحاكمات السريعة والاعدام بدون أي سبب سوى كونهم ( شيعة ) واساليب التعذيب المختلفة وقمع كل ما يمت الى الاغلبية العراقية الاصيلة بشكل فاشي قل نظيره في التاريخ … ؛ و لقد مارس صدام الطاغية ونظامه الفاشي ابشع الجرائم بل واقذرها بحق الاغلبية العراقية الاصيلة ؛ مستهدفا وجودها , ومحو هويتها العراقية العريقة .كما ان للتعذيب في زنزانات الطاغية المقبور صدام التكريتي طرق عدة و وسائل مختلفة ؛ كذلك الاعدام والتصفيات الجسدية ؛ اذ تفنن صدام وعصابته الطائفية والعنصرية الحاقدة بقتل العراقيين الاصلاء والمواطنين الابرياء ؛ فقد قتل العراقي بالرمي من البنايات العالية , وبواسطة الحيوانات الجائعة المفترسة , وعن طريق السموم والمواد الجرثومية والاسلحة الكيمياوية , وتفخيخ الضحية بالمتفجرات , وسحق الجثث بالسيارات والدبابات , ودفن الناس وهم احياء كالأموات في مقابر جماعية , وثرم الاجساد بالمثرامات , وحرق العراقيين بالبنزين والنار والاطارات , فضلا عن مقاصل الاعدامات ؛ ومن ابشع طرق الاعدام والتعذيب ؛ القتل والتعذيب بمادة التيزاب ؛ حيث يتم وضع العراقي المعتقل في احواض التيزاب ؛ فلا يظل اي شيء منه سوى شعر رأسه .

وسأذكر لكم الان بعض القصص المؤلمة والتي ستأخذكم الى عالم اخر مختلف ؛ تشيب من هوله الولدان , وكل القصص التي دونت وتفوه بها اصحابها او شهد بها الشهود حقيقية , بل هي لا تعكس الا نصف الحقيقة , فالجحيم البعثي والعذاب الصدامي والحقد الطائفي والعنصري الدفين لأبناء الفئة الهجينة ومن لف لفهم , لا تستطيع الكلمات التعبير عنه فكل الكلام لا يكشف حقيقة ما مر بهم اهلنا واباءنا واخوتنا ونساءنا واطفالنا من عذاب وبؤس واوجاع لا تقوى الجبال الرواسي على حملها .

· قتل السياسي الشيوعي سلام عادل في قصر النهاية على يد البعثيين والقوميين الذين استولوا على السلطة بعد تعذيب طويل بسبب صموده على موقفه ومبدأه حتى مقتله ، و لم يتبق من جسده شيئًا ؛ لأن البعثيون ألقوا به في محلول التيزاب الحارق … .

· اعتقل السياسي الشيوعي ابراهيم محمد علي مخموري بتاريخ 20 اب 1963 واستشهد في ايلول من نفس العام بعد ان ذوب بالتيزاب في مسلخ قصر النهاية وتم إلقاء ما بقى من جثته في نهر دجلة بأمر من الجلاد ناظم كزار … ؛ وقالت رفيقة دربه وزوجته المناضلة والسجينة السياسية السابقة (رهبية القصاب) : الشهيد ابراهيم محمد علي مخموري ذوِب جسده الطاهر في التيزاب ورُمي في نهر دجلة, هذه المعلومة جاءت على لسان المجرم (سالم الشكره) عند اعتقال ابو نبراس في قصر النهاية حيث (اخبره وقام بتهديده بان مصيره سيكون هكذا) … . (1)

· رمي المناضل التركماني الشهيد البروفسور(رضا دميرجي) في احواض التيزاب .

· العلوية ام علي , كعادتها قامت بتوديع ابنها الوحيد والذي جاء بعد خمس بنات ؛ عندما خرج لإداء الصلاة في الجامع القريب من بيتهم في مدينة الثورة , و كانت ضباع الحزب وذئاب الاجهزة الامنية في حالة طوارئ , بعد احداث جامع السيد قاسم المبرقع , والصبي علي والذي يبلغ من العمر 17 عاما , كان يعتقد ان الصلاة في بلد مسلم مثل العراق , مسألة طبيعية ولا تثير شكوك الناس , سواء كانوا مسؤولين او مواطنين عاديين , الا ان حظ الصبي العاثر ساقه الى ما لا يحمد عقباه , اذ بمجرد دخوله الى جامع الامام العباس , هجمت عليه ضباع صدام و وحوش تكريت , فأخذ بالبكاء كالطفل الصغير وتوسل بهم ؛ فكان جوابهم صفعات على وجهه الطري وركلات على جسمه النحيل … ؛ وهو يصرخ مناديا بهم : (( دخيلك عمو عوفني , عمو اني سيد فقير , عمو والله ما مسوي شي … )) وكبار السن في الجامع ينظرون لهذا المنظر المؤلم وهم يرددون : لاحول ولا قوة الا بالله … ؛ وبدأت رحلة العذاب للمظلوم علي , اذ مارست الأجهزة الأمنية مختلف الأنواع البشعة من التعذيب غير المشهود، حيث قامت بعد ضرب وتعذيب المعتقلين ومنهم الصبي علي , وكان معه في غرفة التعذيب ستة من الشباب … ؛ بصب محلول (التيزاب ) المخفف على اقدامهم ؛ مما ترك آثاراً بشعه على اقدامهم , وصرخ علي من شدة الالم حتى بح صوته , واصيب بالحمى الشديدة , و بالتهابات حادة , وجاء احد الاطباء المجرمين واعطاه مسكنات من دون اي اجراء طبي اخر …!!

وخرج علي من السجن عام 1990 , بعد أن أفنى زهرة شبابه في المعتقلات البعثية الرهيبة والزنزانات الصدامية المرعبة , وقد اجرى العديد من العمليات لقدميه , والاثار لا زالت باقية تذكره بآلام الزمن الاغبر .

· ومما ذكره السيد حسين الصدر في مقالته (لا تنسوا أحواض التيزاب ) : (( … ومن هذه الوسائل الرهيبة لازهاق الأرواح : (أحواض التيزاب) التي تُذيب الأجساد، ولك أنْ تقدّر حجم العذاب والعناء الذي يلقاه مَنْ يُلقى فيها ليذوق الموت الزؤام بكل أهواله آناً بعد آن، حتى تنطفئ عنده شعلة الحياة .

ان وصف العملية تنخلع له القلوب فكيف بمن ينغمس في أحواضها ؟

لقد قرأت شهادة أحدهم وقد كان حاضراً يوم جيء بمجموعة من الشباب لإلقائهم في أحواض التيزاب ، يرويها وهو يبكي بدموع غزار ويتذكر ما كان يسمعه من الصراخ والعويل والاستغاثات التي تُفَتِتْ الاكباد.

الراوي هنا مهندس كان يعمل في التصنيع العسكري، وكان يبقى في العمل أحيانا ليلاً مع طبيب مناوب … ؛ وقد سيق لحضور احدى عمليات الابادة لمجموعة من الشباب في أحواض التيزاب .

قال : ( لا أنسى منظرا لشاب سمين جداً حين أدخلوه في فتحة خزّان التيزاب فعلقت كتفاه في فتحة الخزّان وَقَدَماهُ أصبحتا في التيزاب … ؛ وبدأ يصرخ صراخاً يقطع الأنفاس والوجدان ويدمي القلوب ،وبدأ رجال الأمن بركله بالبساطيل وضربه بالأسلحة على رأسه حتى اسقطوه عنوة في خزان التيزاب ..!! )) .

· ويتحدث المعتقل خالد حميد عن تجربته المريرة في معتقل الشعبة الخامسة , قائلا : لم أكن أدرك خطورة مادة التيزاب ومدى التعذيب الذي تسببه لمن يتعرض لها، واذا بشخص شبه مسخ او مشوه يتلوى ويصرخ من شدة الالم و يستغيث ولا احد يستطيع مساعدته ؛ رماه الجلاوزة في غرفتنا المكتظة بالمعتقلين , وبقى على هذه الحالة لفترة من الزمن وتغير صوته وسقط من الإعياء والالم ميتا لا يتحرك , واصبحت رائحته كريهة ولا تطاق , وبقى في الغرفة لمدة يومين ؛ ثم جاء الزبانية وصرخوا بنا قائلين : (( طلعوا الجلب من الغرفة , مصيركم مثله ..!! )) .

في اوائل التسعينات، وبعد الانتفاضة العراقية الخالدة عام 1991 ، مارست الاجهزة القمعية والزبانية الصدامية والضباع التكريتية ؛ اقسى وسائل العذاب وابشع طرق الموت ؛ وامعنوا بقتل العراقيين في احواض التيزاب والمثرامات و دفنهم وهم احياء في المقابر الجماعية … .

 

· وقد ادلى السجين رحيم صحن بشهادته قائلا : (( كان معتقل الرضوانية في عام 1991 اشبه بمصنع كبير يحتوي على كافة الات العذاب ومكائن الموت , بل هو الجحيم بعينه … ؛ اذ لا زلت اتذكر تدحرج الرؤوس المقطوعة بالسيوف بين المعتقلين , ولا زلت اسمع صراخ وانين السجناء المعذبين , وكيف يقطع الجلاوزة ايدي وارجل المعتقلين البصريين والعماريين وهم احياء , و يتركوا ينزفون حتى الموت , او كيف يرش المجرمون الاحماض الحارقة على اجساد السجناء والتي سرعان ما تتشوه وتتغير , ويصعد صراخ المعذبين الى عنان السماء …؛ و صبوا على ايدي احد المعتقلين من قادة الانتفاضة محلول التيزاب ؛ ليأخذوا منه اعتراف عن بقية القادة الا انه لم يعترف و سقط مغشيا عليه من شدة الالم … ؛ ادركت حينها ان الله غير موجود – استغفر الله واتوب اليه – لكنه شعوري حينها , وبأن هؤلاء الجلادين ليسوا من صنف البشر فضلا عن ان يكونوا من اصول عراقية مسلمة , فما هم سوى وحوش كاسرة وحيوانات شهوانية …)) .

· واليكم قصة الشهيدة فاطمة علي طالب الحسيني ، زهرة قطف النظام الاجرامي البائد عطرها ، قبل أن يستقر ريعان شبابها الزاهي ، فهي من مواليد 1961م، خريجة الإعدادية … ؛ أدركت معنى ان يكون للإنسان عقيدة يدافع عنها حتى الموت .

شهران وهي تقاوم تعذيبا خرافيا فظيعا، تتحدى جبروت الطغاة، كالصخرة الصلدة لم تجرفها سيول تعذيب وحشي , يتبارى فيه الجلادون علي الخاقاني وفراس التكريتي ومهدي الدليمي، حيث تفننّوا به… ؛ بدءاً من حرق جسدها الطاهر بالكاوية الى الفلقة الكهربائية، وتعليقها بالسقف من خلاف.. وجدوها أقوى من تهافت جبروتهم الهش، فأحرقوا اجزاء من جسدها الطاهر بالتيزاب … ؛ ثم اعدموها .

· واليكم قصة (ابو ابراهيم الكربلائي ) , كان ابو ابراهيم طالبا في الحوزة الدينية في النجف الاشرف ؛ وفي عام 1981 اخذوه الجلاوزة من بيته وعائلته معه , وعذبوه بشتى طرق التعذيب الوحشية , حيث قلعوا اضافره ب ( بلايس) , و وضعوا قدمه في اناء مليئة بالثلج ؛ وقاموا بتقطير الماء الحار على رأسه … ؛ وعذبوه بأغلب اشكال التعذيب ؛ واردوا منه الاعتراف على بعض طلبة الحوزة ورجال الدين ؛ الا انه وعلى الرغم من قسوة التعذيب لم يعترف ؛ عندها جاءوا بزوجته وابنه الكبير ابراهيم وابنه الصغير علي والذي يبلغ من العمر 12 والذي روى لنا فاجعة ابيه وعائلته ؛ وقاموا بتعذيب الزوجة وابنه الكبير أمام ناظريه , ثم عذبوه امامهم وهم يبكون ويصرخون , ثم نقلوه الى قاعة فيه حوض (تيزاب ) وخيروه بين الاعتراف او رمي زوجته في حوض التيزاب ؛ فقال : حسبي الله ونعم الوكيل , وبقى يردد : حسبي الله ونعم الوكيل , وقاموا بضربه ضربا مبرحا وهو يردد حسبي الله ونعم الوكيل ؛ فقاموا برمي زوجته في الحوض , وصرخ الاولاد من هول الصدمة , وبقى الاب يردد : حسبي الله ونعم الوكيل , ثم سحبوا ابنه الكبير و القوه في الحوض , وارادوا وضع الابن الصغير في الحوض ايضا الا ان احد الجلاوزة اعترض وانقذه من الموت , واصيب الاب بالجنون ثم مات في المعتقل , وخرج الابن الصغير من السجن بعد ان امضى فيه 9 سنوات وخلال هذه المدة الطويلة رأى الصبي الصغير كيف تتفسخ اجساد المعتقلين الموتى , وكيف ترمى للحيوانات المفترسة …!! .

· واليكم قصة المواطنة ( أم نصير ) كوثر حمزة وهي زوجة لشهيد – قتله النظام البائد – و ام لأربعة اطفال حين تم اعتقالها عام 1979 ؛ من قبل مديرية امن بابل سيئة الصيت والسمعة ؛ فقد كانت مديرية امن بابل من اكثر مديريات الامن وحشية وبربرية في تعذيب المعتقلات والمعتقلين ، ومن بين طرق جلاوزتها في التعذيب : نشر اجساد المعتقلين لساعات وهي مربوطة بالحبال او الاصفاد وتحت اشعة الشمس اللاهبة وفي حر الصيف القائظ كما ينشر الغسيل …!!

ام نصير كانت حامل و في شهرها الاخير ، وكانت الطفلة تتحرك في رحمها ، وهذا الوضع الانساني لم يثني الجلاوزة من اغتصابها وتعذيبها بوحشية ، ثم صب مادة التيزاب الحارقة على جسدها من قبل اثنين من الضباط تعرفهما وتتذكرهما جيدا هما( صلاح وابو رائد) ، وقد حرق محلول التيزاب الذي صب على جسدها ؛ صدرها، وبطنها، وافخاذها ،وتسبب بقتل الطفلة البريئة في بطنها ، و بقيت ام نصير تعاني تشوها لا يستطيع أي انسان تحمل النظر اليه ، فضلا عن تحمل الامه واوجاعه ؛ ومعاناة الشفاء منه .

وقد تحدثت ام نصير من على شاشة فضائية ( الحرة- عراق ) بكل شجاعة وجرأة عما جرى لها ، و بينت مدة مكوثها في مديرية امن الحلة، وفيما بعد في الامن العامة في بغداد , وبينت فصول رحلة عذابها الطويلة . (2)

· وتروي المواطنة اميرة حسن علي قصة والدها المظلوم , والذي اعتقلته اجهزة النظام الهجين القمعية , و التهمة الجاهزة معروفة وهي ( الخمينية او حزب الدعوة ) فكل عراقي اصيل يصوم النهار ويقيم الليل ويلتزم بتعاليم الدين ؛ يتهم بالشعوبية والخمينية والصفوية والرجعية … الخ ؛ والذي حكى ما جرى له , قائلا : ربطوا يدي ورجلي بعمود حديدي ونزعوا ملابسي كلها ورشقوا التيزاب على جسمي … ؛ وبدأت بالصراخ من شدة الالم , فقد ارتفعت درجة حرارة جسدي , واشتعلت نار في احشائي , وصرت اتلوى كالمحروق بالنار , واصرخ ولا مغيث , حتى سقطت مغشيا علي , ولازمني الالم فترة طويلة … ؛ واكملت ابنته القصة قائلة : بعد الافراج عن ابي المظلوم , لم يفارقه المرض , وبقت اثار الحروق بادية على جسمه , وصار خائفا كئيبا متوجسا لا يخرج من البيت الا للضرورة , ولا يقبل بإغلاق باب غرفته لأنه يتذكر ايام الزنزانة الضيقة ويختنق ويضيق صدره , وبقى على هذه الحالة ولمدة عشرين عام الى ان وافاه الاجل وذهب الى ربه مظلوما معذبا مريضا اسيرا للماضي الذي لا يمضي , تشكو روحه الى بارئها جرائم صدام والبعث و وحوش تكريت والفئة الهجينة … .

· ويروي مزهر ناجي الدليمي في مذكراته ؛ ان المواطن كريم حمود الحسن الدليمي – من البوعلوان – يتردد على ابي دائما قبل مناسبات العيد لأخذ مساعدة من ابي , وجاء ذات مرة قبل العيد عام 1988 لأخذ مساعدة من ابي لشراء الكسوة لأطفاله , وبعد اخذ العيدية , ذهب الى اسرته في الخالدية , الا انه لم يصل الى بيته , واختفى فجأة , وتبين فيما بعد ان كريم كان مصابا بالإسهال الحاد مما اضطره لقضاء حاجته امام احدى صور صدام المنتشرة في الشوارع , وقد اعتقلته ضباع البعث وارسلته الى المخابرات في بغداد , الا ان اهله لا يعلمون بهذه القصة وتفاصيلها , والكل يسأل عنه , وقد بحثنا عنه في كل مكان الا اننا لم نعثر عليه , وبعد عام كامل امرني والدي مجددا بالبحث عنه مرة اخرى , ولم اعثر عليه في دوائر الامن ؛ فنصحني احد رجال المخابرات بالبحث عنه في دوائر المخابرات , و بعد اللّتيا والتي , اخبرني بعض رجال المخابرات بانه معتقل في معتقل قصر النهاية , الا انه موجود في معتقل في بغداد الجديدة تابع لمديرية التحقيق , وبعد التوسط دخلت هذا المعتقل الرهيب , وفتح لي الجلاد قاعة لا تزيد مساحتها عن 70 متر مربع وفيها 300 معتقل وكانوا مكدسين بعضهم فوق بعض ويأنون من العذاب و وجوههم صفراء متيبسة من شدة الاعياء والجوع والانهاك وسوء التهوية والتغذية , ويقضون حاجتهم في اواني حديدية ( تنك) … وقد ملئت الروائح الكريهة المكان البشع ؛ فلم اجده في هذه القاعة المكتظة بالمعتقلين , وكان الجلاد يأمر المعتقلين بالمشي وهم حفاة على الاسلاك الشائكة … , ثم ادخلني الجلاد الى ممر يتكون من مجموعة اعمدة كونكريتية وفي كل عمود باب صغير وضيق وكل عمود لا يزيد قطره عن 80 سنتمتر وفي داخل كل عمود يسجن انسان و هو واقف لا يستطيع الحركة , وعندما فتحنا بعض الابواب تساقطت بعض الجثث بسبب الاعياء , ورأيت كيف يعيش هؤلاء مع الصراصير والديدان وهم اشباه احياء واقرب للموت , والبعض منهم لا يستطيع النطق ,وكدت اتقيأ وانا اشاهد احدهم ميت والديدان تنهش بجسده , ولم اجد كريم , ثم ادخلني الجلاد الى قاعة اسماها قاعة الاموات , وعندما دخلتها وجدت جثث بلا رؤوس , و اخرين مقطعة اوصالهم واطرافهم … ؛ ولم اعثر على كريم ايضا , واخيرا قادني الجلاد الى قاعة احواض التيزاب , ورأيت كيف تغير لون التيزاب بسبب كثرة الاجساد التي رميت في تلك الاحواض , ورأيت بعض العظام طافية , وكان من ضمن الضحايا كريم الدليمي , وقد القوه في الحوض قبل مجيئي بساعات … !!

والشيء بالشيء يذكر ؛ فقد جاء في صحيفة (الدايلي ميل البريطانية ) خبر بعنوان : ( طبيب عراقي ارتكب جرائم تعذيب بشعة يزاول المهنة في بريطانيا ) والذي هرب من العراق , فقد سمحت الحكومة البريطانية للطبيب المجرم محمد قاسم البياتي ، بمزاولة الطب داخل المستشفيات البريطانية… ؛ على الرغم من اشتراكه في عمليات تعذيب بشعة كان يشرف عليها جلاوزة السفاح صدام ؛ واحالة ملفه على إحدى وحدات جرائم الحرب المتخصصة … ، إلا أن المجلس الطبي العام ما زال يبرئه ، ويعمل الآن في ويست ميدلاندز … ؛ وكان يخفف المجرم محمد البياتي من الآلام التي يشعر بها ضحايا التعذيب، كي يتم تعريضهم لمعاملة أكثر ترويعاً … ؛ واضافت الصحيفة قائلة : ومن الجدير ذكره أنه طوال سنوات حكم الرئيس صدام ، تعرضت أعداد لا تحصى من العراقيين للتعذيب والتشويه … , وكانت من أشهر الطرق التي تستخدمها الشرطة العراقية السرية مع المعتقلين العراقيين إبان الحقبة السابقة : قلع العينين، وثقب الأيدي بمثقاب كهربائي ، والتعليق من السقف، والصدمة الكهربائية، والاغتصاب وغيره من أشكال الاعتداء الجنسي، والضرب على باطن القدمين، وعمليات الإعدام الوهمية، وإطفاء السجائر في الجسد، والحمامات الحمضية (الاحماض الكيماوية ) … .

لم يفعل اي طاغية وحزب بشعبه كما فعل صدام والبعث بالعراقيين , اذ لم يفعل المغول والتتار والانكليز بالعراق والعراقيين ما فعله النظام البعثي التكريتي الصدامي من ظلم وقهر واذلال وتعذيب وتشريد وعنصرية وطائفية وفساد ورشاوى ومحسوبية وبؤس وتجويع وحرمان … الخ ؛ وفوق كل هذا الجور ؛ يزج النظام بالأحرار والشرفاء والاصلاء من الاغلبية والامة العراقية في المعتقلات والسجون ويكيلوا لهم اصناف من العذاب والقهر والذل وكأنهم يهود في عصر النازية , بل ان النازية لم تفعل باليهود كما فعل اللقطاء والاوباش من ابناء الفئة الهجينة بالعراقيين الاصلاء والمواطنين الابرياء .

وبعد هلاك دولة العذاب وسقوط نظام التعذيب والارهاب عام 2003 , اضطر ايتام وزبانية النظام الى الانخراط في المجاميع الارهابية لممارسة الاجرام , والذي لم يلتحق بهذه المجاميع , مارس الاجرام بحياته الشخصية وارتكب ابشع الجرائم الجنائية , والمتابع للصحف ومواقع الاخبار يجد ان اغلب الجرائم والتي استخدم فيها المجرمون مادة التيزاب هم من بقايا النظام ومن ابناء الطغمة الطائفية الهجينة … ؛ وقد أقدمت جماعة “داعش” الإرهابية ، على إعدام 25 شخصا في مدينة الموصل ، من خلال وضعهم داخل “حامض النتريك” حتى تحللت أجسادهم وتفتتت في السائل … , وقامت “داعش” البعثية الارهابية بربط المقرر اعدامهم بحبل ومن ثم تم إنزالهم إلى داخل الحوض الذي يحتوي على مادة النتريك حيث تتآكل أعضاء الضحية مباشرة … ؛ امام انظار المواطنين ليكونوا “عبرة لمن اعتبر” حسب تعبيرهم …!!

وتروي احدى السبايا العراقيات ؛ كيف ان المجرمين الدواعش اغتصبوها والقوا بابيها في حوض التيزاب وهم يضحكون …!! .

ما لم يتم ملاحقة مجرمي البعث والاجهزة القمعية الصدامية وذباحة الفئة الهجينة والطغمة الطائفية , وانزال القصاص العادل بحقهم , ومصادرة اموالهم التي نهبوها من العراق واخذوها عنوة من العراقيين , واكرمهم بها الطاغية الحرامي ابن العوجة لما قاموا به من جرائم ومجازر بحق الاغلبية والامة العراقية ؛ لا يستقر العراق ابدا .

………………….

1- الشهيد الشيوعي المُغيب (مرتين) ابراهيم محمد علي مخموري / شه مال عادل سليم .

2- نساء يشهدن امام الله والعالم / ماجدة الجبوري / بتصرف .