كثيرة هي جرائم الاحتلال الاميركي في العراق ، وكثير منها يرقى الى مستوى جرائم ضد الانسانية ، لكن من يتايع هذه الجرائم وحقوق الضحايا اذا كانت الحكومة ومسؤوليها ونوابها هم صنيعة ذلك االاحتلال او من المستفيدين منه ، لكن ذاكرة التاريخ يجب ان تبقى شاهدة حية . فالدماء البريئة التي ازهقها جند الاحتلال ومنها دماء أقارب لي لم يكن لهم من ذنب الا ان سيارتهم التي كانت تضم الاب مدير المدرسة وابنته ذات العشر سنوات المريضة التي ينقلها الى المستشفى ، وفجأة فتح رامي الرشاشة الثقيلة في احد الهمرات نيرانه على سيارة الاجرة فاردى الاب والبنت وهي في حضن والدها قتلى متخبطين بدمائهم على يد مرتزق شرير جاء من بعيد من مسافة الاف الكيلومترات ليمنح شعب العراق ديمقراطية وحرية على قياس الرعاع الذين اصطحبهم معه وسلمهم السلطة وعلى قياس راعي البقر الاميركي الذي يجيد القتل لسبب او بدونه .
المهم ان جرائم قوات الاحتلال الكثيرة ضد الشعب العراقي وضد الانسانية بمنأى عن المحاسبة بسبب هيمنة اميركا وحلفائها على وسائل الاعلام العالمية وسكوت الحكومات الصنيعة في العراق التي هي شريكة الاحتلال في جرائمه ، لكن تأبى عدالة السماء الا ان تفضحها ، لكن على يد جندي اميركي شريف ( وياليت جنودنا الميامين يكونوا مثله ) يدعى ” برادلي مانينغ ” .
برادلي مانينغ هذا كان يعمل في خلية تحليل الاستخبارات في مقر القيادة الاميركية في بغداد من 2006 لغاية 2011 وكان المسؤول عن ترحيل الاف التقارير الاستخبارية والمراسلات الدبلوماسية لسلطة الاحتلال من بغداد الى واشنطن ، فاكتشف الكم الهائل من التزييف والتلفيق للتستر على جرائم القوات الاميركية والى الاساليب الدنيئة التي تتبعها سلطة الاحتلال في ادارة شؤون البلد وتعاونها مع العملاء المحليين لتدمير البلد وبعضهم يحمل صفة رئيس وزراء ووزير ونائب وقائد عسكري .
كما هاله استهتار شركات الامن الخاصة مثل ” بلاك ووتر ” وغيرها بحياة العراقيين ، حيث كان مرتزقتها يمارسون هواية الرماية على السيارات العراقية على الطرق السريعة لمجرد التسلية لشعورهم بعدم المحاسبة ومعاملتهم الدونية للسكان المحليين حيث لا احد يدافع عن حقوقهم .. فلا حكومة وطنية ولا اعلام حر .. ويسجل الحادث … بانه دفاع عن النفس … تصوروا .. ويكون الجندي معذورا ولا تتخذ بحقه اية اجراءات … حتى ان من اغتصب الصبية عبير الجنابي في المحمودية وقتلها وحرق جثتها وجثث عائلتها وبالرغم من ادانة الجيش الاميركي له على جريمته ، الا ان المحكمة المدنية في اميركا برأته باعتباره كان واقعا تحت تأثير …. صدمة المعركة . ولم يحرك ساكنا اي واحد من فطائس البرلمان والحكومة للاعتراض على القرار ..ربما لان الضحية ليست علوية مصانة .
لكن الحادثة الاقوى التي حركت ضمير برادلي كانت قيام سمتية اباتشي فب مايس 2007 بمهاجمة مدنيين عراقيين في حي الامين ببغداد وقتل 11 منهم . وبعد التحقيق بالموضوع رفع البنتاغون تقريرا يبرر تصرف طاقم السمتية على اعتبار انهم تصوروا أن اجهزة التصوير التي يحملها البعض في التجمع اسلحة وتم تبرئة ساحتهم ، الا ان برادلي ، وكما افاد في المحكمة التي تحاكمه ب 22 تهمة تصل عقوبتها الى المؤربد او الى 20 سنة سجن على اقل تقدير بتهمة ” تسريب معلومات تهدد حياة اميركيين او التعامل مع العدو ” ، قال : ” بعد ان أعدت التسجيل مرات عدة وجدت ان طاقم السمتية كان يقرب صورة التجمع وواضحة صورة الكاميرات التي يحملها اثنين من المدنيين ، وكان الامر الاكثر ازعاجا له هو معرفة الطاقم بأن التجمع مدني ، لكن الطاقم بحاجة الى الترفيه لذا كان ابتهاج الطاقم ورغبته المتعمدة في سفك الدماء وملاحقته لمدنيين اصيبوا واستطاعوا الابتعاد قليلا عن المسرح الا ان الطيارين كانوا يتراهنون على قتلهم وكأنهم في لعبة كمبيوتر …ويختم برادلي قوله امام القاضي : ” ان الرؤية كانت واضحة جدا وان تصرفات الجنود كانت مجرد التسلية بلعبة قتل حقيقية وتصرفاتهم هذه تشبه تصرفات طفل يعذب نملة بحرقها بعدسة مكبرة “
اما بالنسبة لبرقيات وزارة الخارجية ، فقد اشار برادلي في المحكمة انها توثق لصفقات مستترة ونشاط اجرامي لا يعكس صورة اميركا ” زعيمة العالم الحر ” حيث تنغمس في صفقات وتحالفات مع ميليشيات وعناصر اجرامية وشراء ذمم مسؤولين في الحكومة ورالاحزاب ورجال دين …
اوضح برادلي انه بعد ان يأس من تنبيه الرأي العام الاميركي عما يجري من تجاوزات في العراق على الصحافة الاميركية ، لجأ الى نشرها في موقع ويكيليكي ( موسوعة التسريبات ) الذي لم يفرض اية شروط عليه وأن مافعله ” يرمي الى أن يتاح للجمهور الاميركي الوصول الى المعلومات الصحيحة لمعرفة حقيقة السياسة الاميركية في الخارج وان يثار نقاش جدي عن دور الجيش ، اي المؤسسة العسكرية مع السياسة الخارجية بشكل عام ، وان مايجري تحت مسميات الديمقراطية والحرية انما يخفي الكثير من الجرائم والتجاوزات بحق الجرية والديمقراطية وان اميركا لا تتعامل الا مع مجرمين ومن ذوي التاريخ المشبوه لتنصبه حارسا على الديمقراطية في البلدان التي تغزوها .
والجدير بالذكر ان وثائق ويكيليكس التي سربها برادلي تظهر الوجه المنافق لكثير من السياسيين العراقيين وازدواجية تعاملهم وسكونهم عن التجاوزات الاميركية رغم علمهم بها لانهم ببساطة لا يهتمون بما يعانيه العراقيون تحت سلطة الاحتلال …… حيث الكثير منهم لا يشعر بعراقيته كونه .. ذو جنسيات اجنبية ،اوقد يكون اميركي الجنسية فيتعاطف مع الجلاد على حساب الضحية ، الا انه يدّعي العراقية ليتبوا منصب يستطيع من خلاله سرقة و ” لغف ” مايمكن .
اخيرا نقول ان الجندي الاميركي برادلي مانينغ ، يبقى بما يملكه من ضمير حي ، حيث أبى السكوت على جرائم حكومته بحق شعب غريب عنه وسيتحمل الحكم عليه بالسجن لسنين طويلة ، اشرف بالف مرة من كل سياسيينا من كل الالوان والاطياف الذين ولغوا بدماء الشعب ويتصارعون حول المكاسب والمراكز ولم تهتز لهم شعرة واحدة امام معاناة العراقيين على يد الاحتلال لانهم ببساطة شركاء هذا الاحتلال في الجريمة .