18 ديسمبر، 2024 5:25 م

جرائم التاسع من نيسان وخروقات حقوق الإنسان

جرائم التاسع من نيسان وخروقات حقوق الإنسان

هكذا خرج هذا اليوم عن سياق الزمان ، حيث جاء المغول الجدد  ولكن هذه المرة على ظهور السفن بدلا من ظهور الخيول ليعيدوا من جديد أساليب الهمجية تجاه الشعوب . وأوجه التشابه واضحة بين الاحتلالين هي أن تسقط بغداد  بكل تلك البربرية ابتداءا من استهداف العمارة وصولا إلى معالمها الثقافية ، وهكذا استباحوا مقتنيات متحف الصالحية وفتحوا أبوابه أمام قطعان الحرامية.

أردنا بهذه المقدمة أن نقول إن متلازمة احتلال بغداد وتدمير معالمها لم يكن عملا مفاجئا لاي مؤرخ ، بل هي من مخرجات صراع الحضارات ، وهكذا أصر الرئيس بوش وأعضاء إدارته على الاحتلال . غير أن هذا الاحتلال كان صاعقا ومدمرا لاستعمال المحتل كل أسباب التدمير الحديثة ابتداءا من اليورانيوم المنضب مرورا بالقنابل العنقودية وصولا إلى قنبلة المطار المجهولة ،  وكل هذه الذخائر وتلك الأسلحة كانت محلا لاهتمام رجال القانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ، اما رجال النظام الجديد فإنهم لا زالوا يمرون على هذا اليوم ونتائج أفعال امريكا مرور الكرام ، غير أن كل تلك المخرجات ستكون محل اهتمام الأجيال القادمة لما تركته من آثار قانونية واقتصادية وبيئية واجتماعية وغيرها من آثار مدمرة لم يتعرض لمثلها أي بلد آخر . وهي على نحو سريع كالاتي .
اولا …..الآثار القانونية .
لم يكن تحالف الراغبين الذي قادته الويلايات المتحدة والمملكة المتحدة بقادر على استخراج قرار من مجلس الأمن يخول الفاعلين بإعلان الحرب على العراق ، لأن دعوى امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل كانت باطلة وفقا لأعضاء الأمم المتحدة ، ولم تك تلك الدعوى بقادرة على تحريك فعالية ما تقصده مواد الفصل السابع ، ولم يكن العراق في موضع يهدد فيه السلم والأمن الدوليين ، عليه فإن دخول القوات المحتلة كان مخالفا لميثاق الأمم المتحدة ، وبخاصة ما جاء بالفقرة رابعا من المادة الثانية من الميثاق . وهذا يرتب آثارا قانونية تأخذ به محكمة العدل الدولية ، وتضع شخصيا كل من الرئيس بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير هدفا أمام محكمة الجنايات الدولية ، اضافة الى مخالفة تلك الحرب لنصوص اتفاقيات جنيف فيما يخص المخالفات الكثيرة التي مست حقوق الإنسان ، وجعلت في كل الظروف من المدنيين أهدافا عسكرية ، وجعلت من الأبنية المدنية ابتداءا من البدالات والمدارس ورياض الأطفال ، مرورا بالطرق والجسور والوزارات والإذاعات وصولا إلى المستشفيات ودور رعاية المسنين أهدافا عسكرية ، وهذه لوحدها تعد من أهم ما تتضمنه أية مذكرة اتهام بحق المحتلين وما على المسؤول العراقي إلا التوجه نحو جمع الأدلة وهي باختصار كثيرة وعرضها على المحاكم الدولية .
ثانيا… الآثار الاقتصادية .
كانت العمليات العسكرية واسعة جدا بدءا من القصف الجوي والمدفعي وصولا إلى بندقية جندي البحرية ، وكانت ثالثا تنال من جميع المرافق الاقتصادية بدءا من المعامل الكبيرة وصولا إلى تعطيل الورش اليدوية ، ونالت الحرب كثيرا من مصافي النفط ومحطات التوزيع اضافة إلى تدمير الكثير من الأسواق الشعبية .
أن قرار الحاكم المدني بفتح مزاد العملة أطاح بقيمة النقد المحلي ، وفتح باب الاستيراد على مصراعيه مما تسبب في خنق الإنتاج المحلي للقطاع العام وشركاته العملاقة وأدى إلى تدمير القطاع الخاص الإنتاجي ، وصارت مصانع جميلة الصناعية مخازن للمستورد وعمالها الفنيين عتالين لدى تجار الصدفة الجدد ، وهكذا تراجع الاقتصاد الصناعي وتخلف الاقتصاد الزراعي وتوسع الاقتصاد التجاري ، وازدادت البطالة وبلغت نسبتها 25 بالمئة حسب وزارة التخطيط . وفي الحقيقة أكثر من ذلك بكثير ، والكل يعلم آثارها الاجتماعية المدمرة ،  وبلغت نسبة الفقر في الريف على سبيل المثال 39 بالمئة ، وهي نسبة تكاد تقل بقليل عن نسبتها في المدن وصارت شحة المياه عاملا جديدا لزيادة هذه النسبة ، وأصبحت المدن تعج بالمتسولين ، ومن هنا تبدأ الآثار الاجتماعية المميتة ، سييما وان البطالة والفقر مضافا إليها المخدرات هي من أهم عوامل الانحدار الاجتماعي وهذا ما هو حاصل الان ، بفعل الاحتلال ومن جاء معه من العرابين الفاشلين .
ثالثا…..الآثار البيئية والصحية .
قامت الويلايات المتحدة بإجراء التجارب الميدانية لكافة أسلحتها ومعداتها العسكرية ، كما وأنها قامت باستعمال أشد أنواع العتاد فتكا بالبشر ، ابتداءا من حربها على العراق عام 1991 مرورا بصولات التأديب لنظام صدام أيام حكم الرئيس بل كلينتون وصولا إلى حرب إزالة صدام عام 2003 ،
لقد تركت الحروب الأمريكية في العراق آثارا واضحة في انتشار التلوث الاشعاعي ، فقد اكدث دراسة لمجموعة من العلماء الأجانب بالاشتراك مع العالم العراقي محمد الشيخيلي( من منشورات الأمم المتحدة) شملت عشرة مدن عراقية من وسط وجنوب العراق حيث تم ايجاد تلوثا اشعاعيا خطيرا بلغ في بعض المناطق أكثر من ( ثلاثين ألفا ) عن الحد المسموح به دوليا ، وان استخدام اليورانيوم المنضب كان سببا وراء انتشار أنواع متعددة من السرطانات ، والتشوهات الخلقية الشائعة في ولادات مدينة الفلوجة ، فقد تأثرت الأراضي الزراعية والأنهار ، فقد سلط تقرير لوكالة فرانس بريس الضؤ على مياه ملوثة تستخدم في ري المزروعات . وهكذا ينتشر السرطان دون حدود اليوم في المدن العراقية .
أن مقال كهذا لا يمكن أن يحصر اثار الحرب على العراق ، ولكن أردنا أن نقدم لكل من يريد إعادة الحق للعراقيين أن الويلايات المتحدة مطالبة بتعويض العراق عن كل هذه الأضرار اضافة الى تعويضات هلاك الجنود والضباط والمدنيين والمقدر عددهم ب 600 الف شهيد ، وحسب معدل التعويضات الأمريكي لقيمة الإنسان ، فإن العراق يطالب الويلايات المتحدة بعشرات التريليونات من الدولارات كتعويض عن البشر والحجر ، وما على نقابة المحامين ووزارة العدل والكتاب والصحفيين إلا أن يوحدوا جهودهم بجمع المعلومات وهي واضحة جلية وتبني مذكرة اتهام ، بشقين الاول اتهام الدولة لدى محكمة العدل الدولية واتهام الأفراد لدى المحكمة الجنائية الدولية ، وهذا حق مشروع نطالب به الدولة الأعظم كما أرغمت العراق على دفع التعويضات للكويت ، فالحرب على الكويت لاتختلف عن حرب امريكا على العراق كل منها لا سندا شرعيا لها ، إلا حماقة القادة وسرعة تحرك الجيوش ، والجيوش عادة في الحروب لا تعرف معنى لحقوق الإنسان .