من المعلوم عالمياَ بان حقلي التربية والتعليم يحتلان الاهتمام الاوسع والاول بمعظم البلدان المتوزة منها والنامية وهما يشكلان عماد و أساس النهضة و التطور لدى المجتمعات كافة. والملامح او حدود لبداية التعليم او نهاياته بحياة الناس منذ الطفولة الى الكهولة (أطلب العلم من المهد الى اللحد). وعلى ضوء هذه المسلمات الاولية (وغيرها كثير لامجال للخوض ببحثه الان) قسم التعليم الى مراحل تغطي الطفولة المبكرة early childhood، الابتدائي primary، الثانوي secondary و الثلاثي Tertiary (العالي او الجامعي). وعلى ضوء هذه المراحل ترسم الاهداف والستراتيجيات وآعداد الملاكات التعليمية للمراحل الدراسية أعلاه وفق النظريات والرؤى المنطقية والعلمية المعتمدة عالمياَ من قبل منظمة اليونسكو (مثلا). فمنطقياَ وعلمياَ ان نرى ان هذه المراحل على اختلافها فهي مترابطة ومتلازمة ولابل منسجمة بالتخطيط والتنفيذ والنتائج وتلد واحدة من الاخرى آن صح التعبير لتبيان العلاقة الوثيقة مع مراعاة الاهمية والتأثير على المتعلمين بالمراحل الاولى بطبيعة الحال مع عدم آغفال الاخرى. وقد سبقني الدكتور محمد الربيعي بالتطرق الى الانظمة العالمية التربوية ومديات تطبيقها للنظام التعليمي الموحد (وزارة واحدة) او مفق نظامان احدهما للتربية والمعارف والاخر للتعليم العالي والبحث العلمي (نظام وزارتان) و أنا متفق بفحوى ما تفضل به الاستاذ الربيعي بهذا الصدد. مما يصدع الرأس ويخدض التفكير تأتي قرارات عليا (بيروقراطية) على اقل مايقال عنها ظرفية او حتى مزاجية لدمج او تفريق الوزارات علماَ ان هذا الأمر متاح حسب مقتضيات التنمية واولويات القطاعات.
على مايبدو ان مؤشرات تشكيل الحكومة الحالية (التي نتمنى لها كل النجاح) ان هنالك نية لدمج وزارتي التربية والتعليم العالي بوزارة واحدة ومع كل ما قيل وطرح من قبل مسؤولي و مشرفي التعليم العالي وما تضمنته ستراتيجيتها من تأشير مواطن الخلل بالتعليم لمراحله الاولى (ماقبل الجامعيةوعجز وزارة التعليم العالي من تناوله بالاصلاح والترميم لانه ليس خاضعاَ لسلطتها المباشرة فقد أرتأى بعض المسؤولين والستشارين الى اقتراح دمج الوزارتين معاَ. اما الرأي الاخر فتناول حجم المشاكل التي تعانيها قطاعات التربية لمراحل ماقبل الجامعية وآفاق حلها اولا بأول قبل الولوج بهذا المشروع لانه لاتوجد ضمانات لنجاحه حيث لم تأشر أليات او خطط عملية من قبل التعليم العالي وبالتالي منطقياَ سيرجعون الى مؤسسات التربية الحالية القائمة (لانه من غير المعقول الغاءها!) وعليه فنتائج المقترح يحمل بين طياته اخطار عدة منها:
– ازدياد البيروقراطية الادارية التي تعاني منها معظم دوائر الدولة العراقية بأضافة دوائر و مؤسسات تعرقل العمل أذ لاوجود لضمانات تسهيل وتفعيل الادارة الذاتية والعلمية.
– إضعاف استقلالية الجامعات العراقية الادراي والعلمي المنحى الذي تسعى له الجامعات العراقية أسوة بالعالم.
– تضاعف المسؤوليات الجسيمة للوزارة الموحدة الجديدة بشكل كبير جداَ لعظم المهام والواجبات والمشاكل. اذ لايخفى ان كلا الوزارتين تطمحان للارتقاء بمستواهما المتدني الى مستويات مصاف دول المنطقة على اقل تقدير. فبدلاَ من حمل وزر مشاكل قطاع واحد سيزداد الامر تعقيداَ.
– هنالك مبدأ بالادارة العلمية بتناولها لاسس حل المشاكل (اية) هو بتجزأة المشاكل بدلاَ من تجميعها وثم هيكلتها وترتيب اولوياتها ليسهل تناول حلها. وأعتقد هذا المبدأ يصح ايضا على تناول مشاكل الوزارتين كل على حده بدلا من تجميعها.
– ان الاستسهال باللجوء الى المعالجات بالوقت الحاضر و خصوصا قطاع التربية لايخدم التطور البناء الذي نطمح لتحقيقه بعموم العراق (والواقع يؤشر الكثير من الارث المتردي) فالامر هنا ليس عاطفياَ فمنطق حجم واحد لا يلبسه الجميع او حل واحد ليس بالضرورة يصلح او يلائم الكل، فالجدية بالتناول مطلوبة لضمان الاجادة وتحقيق الهدف.
مما يتضح انه لاتوجد ضمانات حقيقية ومادية لنجاح مشروع دمج الوزارتين وتأمينه للقضاء على المشاكل التي تعاني منها كلا الوزارتين أوالوثوب الى تحيق التطور التعليمي والعلمي بالمرحلة الحاضرة على الاقل.
أما الاجابة عن التساؤل: كيف نحقق التنسيق والتخطيط ورسم مشاريع ستراتيجية التربية والتعليم لتلازمهما (او مراحلهما) عضوياَ والوزارتان منفصلتان ولانستطيع خلق الجو الايجابي من التعاون والانسجام والتخطيط والعمل بالاجواء الحالية فهذا مؤداه التصارع السياسي الحالي على المناصب وتقاسم الوزارات أما بالوضع الطبيعي فالتنسيق بين الوزارات امر مهم و مشجع عليه من حكومات للبلد الواحد هذا اولا. أما اذا أردنا ان ندرك ونتدارك الاهمية الاستثنائية لهذا القطاع الحيوي والاساس لتطور بلدنا العزيز فبدلاَ من الدمج أود ان أقترح بتأسيس مجلس التربية والتعليم والذي يقترج ان يضم الهيئات القيادية والتخطيطية والتنظيمية لتحقيق جوانب التنسيق والتخطيط والانسجام والتطوير بالاتجاه النوعي لاضلاح القطاعين وبخطى و رؤية مشتركة. وكلنا يعلم ان امامنا تحديات هائلة بهذا القطاع الحيوي علينا تأشيرها ومعالجتها بخطوات صحيحة تضمن الانسيابية و دقة التنفيذ و توقيتاته المتوقعة وهي ليست بالمهمة السهلة و تتطلب تظافر الجهود الخيرة وبأقصاها عراقياَ ودولياَ كذلك. مع التوفيق.