شهدت الانتخابات الأخيرة في البلاد عملية إقصاء غير مسبوقة للمئات من المرشحين، مما أثار جدلاً واسعاً حول فاعلية القانون في تغيير المشهد السياسي, فبينما يرى البعض في هذه الخطوة انتصاراً للنزاهة وتطبيقاً للقانون على المتهمين بقضايا فساد أو تزوير يرى آخرون أن العملية لم تحقق الغاية المرجوة منها، بل كشفت عن استمرارية نهج التوريث السياسي.
تطبيق القانون خطوة نحو الإصلاح أم تحوّل شكلي
كانت الهيئة القضائية المستقلة للانتخابات والمحكمة الاتحادية العليا قد اتخذت قرارات جريئة بإبعاد المئات من المرشحين بناءً على ملفات تدينهم بقضايا قانونية أو تتعلق بالنزاهة والفساد,هذه الخطوة التي وصفها الكثيرون بأنها الأكثر شمولاً في تاريخ الانتخابات العراقية استهدفت شخصيات سياسية نافذة وبعثت برسالة قوية حول التزام الدولة بمحاسبة المخالفين.
غير أن الجدل لم يهدأ فقد سارع العديد من الكتل السياسية إلى ترشيح أقرباء المرشحين المبعدين وفي مقدمتهم أبناؤهم هذا الأمر جعل المراقبين يتساءلون هل كان الإقصاء إجراءً جوهرياً للقضاء على ظاهرة الفساد أم أنه كان مجرد تحويل شكلي للنفوذ من الآباء إلى الأبناء مما يعيد إنتاج نفس الخارطة السياسية.
ظاهرة توريث المناصب تحدٍ جديد للقانون إن استبدال المرشح المبعد بابنه أو أحد أفراد عائلته يكشف عن إشكالية عميقة وهي أن النفوذ السياسي في العراق ليس مرتبطاً بشخص معين بقدر ارتباطه بأسرة أو كتلة سياسية هذه الظاهرة جعلت من القانون مجرد أداة لتغيير الوجوه دون المساس بالهياكل القديمة للسلطة مما أبقى الصراع قائماً.
فبينما يرى مؤيدو الإقصاء أن العملية كانت ضرورية، فإن معارضيها يرون أنها مجرد خطوة لم تكتمل فهم يؤكدون أن القانون لا يمكن أن يكون كافياً لإحداث تغيير حقيقي ما لم يرافقه إصلاح ثقافي وسياسي ينهي هيمنة العائلات والأحزاب على المشهد السياسي، ويفتح المجال أمام وجوه جديدة مستقلة.
رغم أن قرارات الإقصاء تمثل سابقة مهمة في تاريخ الانتخابات العراقية فإنها لم تنهِ الجدل حول طبيعة التغيير المنشود الصراع لا يزال مستمراً بين تيار يسعى لتطبيق القانون بصرامة وتيار آخر يستند إلى نفوذه السياسي لضمان استمرارية سلطته والرهان يبقى على ما إذا كان هذا المسار الجديد سيمهد الطريق لمرحلة سياسية قائمة على الكفاءة والنزاهة أم أنه سيبقى مجرد فصل آخر في قصة الصراع على السلطة في العراق.