يمثل يوم العيد لدى جميع المسلمين في عموم العالم يوم فرح وسرور وتزاور بين الأهل والأقارب والجيران وتتراحم فيه الناس ويصفح المظلوم عن الظالم ويرحم الإنسان أخيه الذي قصر في حقه بواجب معين, وهو يوم لقبول العفو عن الخطاء التي وقعت خلال الأشهر المنصرمة من تلك السنة, فالله تعالى يبعثُ في قلوب المسلين الرحمة في هذا اليوم, تجعل من المسلم متسامح ومتراحم ويحب تقديم الخير للآخرين, وخير دليل على ذلك ما تمثله المساعدات التي تقوم بتوزيعها المؤسسات الخيرية والتي يتضاعف عملها عدة أضعاف في أيام شهر رمضان المبارك, وما تمثله أيضاً زكاة الفطرة التي تُستخرج في صبيحة يوم العيد المبارك وتُعطى للأقارب والجيران وأبناء المنطقة الواحدة ممن لا يملك قوت سنته ولا يستطيع إن يوفر احتياجاته, وهي تترجم صلة الرحم الحقيقية التي أمر بها الله تعالى في كتابه ودينه وتبرز توحد وتماسك المجتمع والشعور بالمسؤولية الجماعية اتجاه الآخرين.
ولكن كل تلك الأمور ربما تتوقف وتتعطل وتذهب لذتها ما لم يتم تحديد يوم العيد والذي يتوقف على رؤية الهلال, وهذه المسألة من المسائل الحرجة والحساسة والتي يقع فيها الجدل والكلام الطويل بين أبناء المذهب الواحد فضلاً عن المذاهب الأخرى, لأن العالم اليوم يعيش كالقرية الواحدة ويطلع ويرى كل ما يحدث في دول العالم ويكون على اتصال دائم بالأحداث لحظة بلحظة.
ومسألة تحديد الهلال من الأمور المهمة والتي أوقعتنا في حرج شديد اتجاه الاختلاف الفقهي والعلمي لدى الفقهاء والعلماء في تحديد ذلك اليوم.
فإننا اليوم مطالبون بان نتوحد مع المذاهب الأخرى في كثير من المواقف والاتجاهات باعتبارنا أمة إسلامية واحدة وهذا من الصعب حصوله بسبب الاختلاف الواضح والكبير في أدلة المذاهب الإسلامية, ولكننا نطالب بالأمر الأقل ضرراً وهو ان يتوحد علماء المذهب الجعفري في إعلان يوم العيد الموحد للطائفة الشيعية, لان الزمان اليوم يختلف عن السابق فإننا اليوم لا نعيش في قرية أو دولة منزوية عن العالم الخارجي وان الطائفة الشيعية تتفرع وتتواجد في اغلب دول العالم وتشكل الأغلبية في البعض منها, وان الاختلاف في تحديد رؤية الهلال سبب لها الحرج والمشقة في التفاهم والتقارب مع انباء الطائفة الواحدة فضلاً عن الطوائف الأخرى, وربما يصل هذا الخلاف داخل أبناء المذهب الواحد إلى التشاجر والتناحر والضرب فيما بينهم جرى ذلك الاختلاف الناتج عن اختلاف العلماء فيما بينهم في تحديد الطرق الموصلة إلى معرفة ثبوت الهلال شرعاً التي يستطيع الفقيه ان يتنازل عن البعض منها ويتوحد مع الفقهاء الآخرين للمصلحة العامة وللمحافظة على وحدة المسلمين.
وأما طرق إثبات الهلال لدى العلماء والفقهاء فهي كثيرة ومنها:
الأول: رؤية الهلال في البلد أو في البلدة التي تقع على شرقها.
الثاني: اتحاد الأفق في البلدان.
الثالث: اتحاد البلاد الإسلامية في رؤية واحدة.
الرابع: اشتراك البلدان في الليل.
الخامس: الرؤية في العين المسلحة التلسكوب.
وهذه هي ابرز الأدلة التي يمكن للفقيه ان يفتي على ضوئها في ثبوت رؤية الهلال أو عدمه في جميع أشهر السنة, وهي كما تعلمون متباينة ومتفاوتة فيما بينها من ناحية تضييق الدليل وتوسعته وإذ, واذا عمل كل مكلف حسب رأي من يقلده من الفقهاء فان الأمة سوف تكون في اختلاف وحرج عسير يصعب تلافيه في الأيام القادمة وربما يفقد الفقيه السيطرة على الناس في الالتزام برؤية الفقهاء وقولهم.
وإذا بقيه الأمر على ما هو عليه فان الطائفة الشيعية سوف تعيش بحرج شديد واختلاف كبير يصل إلى اختلاف العائلة الواحدة فيما بينها, فتجد ان البعض منهم صائم على فتوى فقيه معين والأخر مفطر على حساب فتوى فقيه أخر, وهذا العمل يضعف من وحدة المذهب ويثلم من قوته ويجعله عرضه للطعن والسب والشتم من جميع الطوائف ومن أبناء المذهب الواحد.
وللخروج من هذا المأزق الكبير الذي يحدد وحدة وكيان المذهب يتحتم على فقهاء الطائفة الشيعية تشكيل مجمع علمائي يتكفل بتحديد رؤية الهلال ويتكون من رجال دين ممثلين عن مكاتب العلماء ومن أهل الاختصاص في الفلك والحساب ويكون مقره في النجف الاشرف باعتبارها عاصمة المذهب الشيعي ويكون عمل ذلك المجمع هو تحديد رؤية الهلال والبت في اليوم الأول من كل شهر وتحديد يوم العيد, إما لعموم الشيعة في العالم أو للبلدان الإسلامية فقط أو لأهل العراق, وان يأخذ المجمع ويعمل بأكثر الأدلة اتساعاً لدى الفقهاء, لكي يتم الاتفاق عليه من قبل اللجنة, ويكون كلام المجمع ملزم للفقهاء في توجيه الناس على الأخذ بذلك القرار الذي تبثه اللجنة, وهذا ليس بالأمر العسير الذي يصعب على الفقهاء العمل به فان معظم فقهائنا يجيزون في الرجوع إلى أي فقيه أخر يجيز الصعود على جبل عرفة في الحج إذا كان الاختلاف مع المذهب الأخر بأكثر من يومين, من باب الحفاظ على مناسك العباد, وتدفع الضرر الذي ربما يُحلق بهم إذا تخلفوا عن الصعود, وفي مسألة الهلال الكثير من الأضرار التي تُلحق بالأمة جرى الاختلاف في تحديد رؤية الهلال من قبل الفقهاء, فإننا اليوم أحوج ما نكون إلى لمّ الشمل وتذويب نقاط الخلاف والتفرقة فيما بيننا كمذهب واحد يعاني الويلات والحصارات من قبل أعداء الدين والإنسانية, وان نبرز نقاط الاتفاق والوحدة فيما بيننا.
فان الأمر الوحيد الذي يخلصنا من فتنة الهلال اليوم هو تأسيس مثل هكذا مجمع وعلى العلماء وأصحاب القرار دراسة ذلك الموضوع بجدية تامة, وان تكليفنا هو ان تجبر الفقهاء ونضغط عليهم من أجل اتخاذ هذا القرار حتى لو اضطر الأمر إلى الخروج بمظاهرات تطالب الحوزة بإنشاء مجمع يوحد للمسلمين عيدهم الذي فقد منهم بسبب الاختلاف في مصادر التحديد.
فان العيد إذا كان موحداً بين أبناء المذهب الواحد فان ذلك سوف يظهر عزة المذهب وقوته اتجاه الآخرين ويوصل رسالة إلى كل الادعاء بان أبناء هذا المذهب هم كالجسد الواحد وهم متوحدون في كل شي وعند ذلك يصعب على العدو ان يتعرض لأي واحد منهم لأن ذلك الواحدة وراءه امة سوف تزلل الأرض إذا صدرت كلمة واحدة من قيادتها الدينية الموحدة.
وكلا للفقه الأعور الذي يحاسب الناس على إنهاء تعيش في صحراء أو غابة وينظر إلى المسلمين وكأنهم أفراد يعيشون على هامش الحياة, ولكل واحد منهم قرار ومصير يختلف عن الأخر, فهذا الأمر لا يصلح اليوم ولا يمكن لنا ان نميز ما بين الإنسان الذي يعيش في العراق أو البحرين أو إيران أو المدينة المنورة وغيرها من المدن الإسلامية، وكلا لفقه يعيدنا إلى ألف سنة للوراء ويميز بين قرية وقرية في اتخاذ الحكم والموقف فلكل عصر ولكل زمان حكم يختلف عن غيرة من العصور وان للزمان والمكان في تحديد الموضوعات الشرعية الأثر الكبير والفعال في نجاح وديمومة الشريعة الإسلامية وجعلها شريعة تخدم الإنسان وتعالج مشاكله وتضع لها الحلول المناسبة والصحيحة. وكل عام وانتم بخير وبركة.