19 ديسمبر، 2024 12:27 ص

جدلية تقدم الشعوب .. وتخلف امة العرب..؟

جدلية تقدم الشعوب .. وتخلف امة العرب..؟

هل للعرب حضارة..؟
هذا الموضوع جاء ردا على رسالة استلمتها من اخي وصديقي الدكتور أياد الجصاني الأكاديمي المعروف حين يسئله صديقه الاستاذ نصير العلي ..هل للعرب والمسلمين من حضارة مثل الشعوب الاخرى..فأستجبت لهما في هذه المقالة المتواضعة..فأقول:
الدراسات الحضارية جديدة عند الشعوب ..و لم تكن مستقلة في المصنفات القديمة ..بل جاءت ممزوجة مع العلوم الاخرى كما عند اليونان والرومان..اما عند العرب والمسلمين فلم نقرأ لها من جديد الا ما جاء به ابن خلدون حين قارن بين البدو والحضر..كون ان منهج الحضارة يدل على الشمولية بينما منهج التاريخ يأخذ بمنهج التخصص.
منهج الحضارة وعلمها التطبيقي يشمل معرفة القوى المسيرة للتاريخ او القواعد التي تُحكم سير الحوادث في محاولة لوضع قوانين وقواعد تساعد على معرفة الطريق الصحيح الذي ينبغي على البشران يسيروا فيه لتوفير اسباب الرخاء والامن لضمان السعادة لهم.
هذا التوجه الحضاري تحقق في حوار الأرادة الآلهية مع آدم ..حين أُمر الله آدم ان لا يقرب الشجرة الملعونة ، فعصى ربه فأكل منها فهبط به الى الأرض…يفسر بعض الفلاسفة وانا شخصيا أقف بجانبهم ..ان هذا الذي حدث هو اول اعتراف للانسان (آدم) بحرية الرأي وحرية الاختيار..متمثلة بالآية الكريمة (لكم دينكم ولي دين) ومن هنا أيضاً بدأت الخيوط الذهبية لحضارة الأنسان.وفي الكتب السماوية الثلاثة التوراة والانجيل والقرآن جاءت الوصايا العشر في تطبيق الحق المطلق، والعدل المطلق، والوفاء بالعهد ، وحنث اليمن ، وعدم قتل النفس الا بالحق ، وعدم الاقتراب من الفواحش ، والصراط المستقيم..(الانعام 151-153). آيات حدية بمثابة القوانين التي يجب ان لا تُخرق ..وهذا يفسر لنا ان من الآديان بدأت الحضارة .
كل القوانين والدساتير الحديثة كُتبت بموجب هذه النصوص ويقف كاتب الدستور الامريكي جفرسن على رأسهم في التثبيت لها.ناهيك عن الدساتير العالمية الاخرى التي اخذت بهذا التوجه .فمن وجهة نظر التوجه الحضاري، ان الحضارة في موقف آدم قد رافقت الديانات والموقف من الحقوق والاوطان منذ بداية التنزيل للنص الديني ..فالى اي مدى التزم العرب والمسلمين بها ..هنا بيت القصيد أو مربط الفرس كما يقولون..؟ .
من دراسة النصوص التاريخية الموثقة والقريبة من بداية الدعوة الاسلامية ومرافقتها ،نجد تقدم نظرية السيف على العقل فيها لبداوة البيئة..متناسين الوصايا ..فضلت القوة تعاصرهم منذ البداية وحتى سقوط الدولة العباسية في 656 للهجرة..ومن يدعي خلاف ذلك فهو يفضل نظرية النقل على العقل..دولة عاشت كل هذا الزمن فاقدة لحقوق الناس وحرياتهم بالمعنى القانوني.. ومعتدية على الشعوب الاخرى بما سمته بالفتوحات في نشر الاسلام..وتلك أكذوبة كبرى تعلمناها من المنهج المدرسي خطئاً.. يشهد لها التاريخ..أنما كان غزوا اقتصاديا وطمعا في المال والجنس بتطبيق وما ملكت أيمانهم ..فهي لا تختلف عن غزوات العرب قبل الأسلام حتى سمي جهاد الرسالة في نشر الدعوة بالغزوات..وهذا مخالف للنص الديني..ولم تكن لنظرية حرية الاختيار وحرية التعبيرالتي نفذها آدم من أثر عندهم..وهما اساس الحياة الانسانية التي أمَرت الكتب السماوية بتطبيقها …وكفاية مبالغة في الدين والحضارة عندهم وتاريخنا اليوم وظلم الحاكم المستمر على الرعية وعدم التقيد بالنص الديني ..ما هو الا امتداد لعصور سابقة ..
هذه اشكالية من الصعوبة الاجابة عليها دون الدخول في مسألة المنهج العلمي عند الباحثين. ان هذا الموضوع تتضارب فيه تفرعات جدلية الاشكالية نفسها لتضارب النزعات والميول التي تناقلتها الاجيال عبر الزمن بتأثير الكتب السماوية والأراء الارضية المختلفة وعدم تقييمها تقييما عقلياً ومنطقياً صحيحاً..لكن في حالة التوافق المنطقي فيها يجب ان يستند على المبادىء العلمية التي تستند الى المنطق والعقل السليم..والجرأة وعدم التردد عند المؤرخين والكتاب في خوض هذا الموضوع بغية التوصل الى الحقيقة في مجال التفكير الانساني السليم..وتطبيقه على الواقع خارج المصالح الشخصية .الأوربيون وصلوا الى هذه الحقيقة بعد فصل الدين عن السياسة وحلول القانون بدلا من رأي الفقهاء ومؤسسة الدين..
ولا اغالي عندما أقول ان ما أكتبه هو الحقيقة ..بل أراء توصلنا اليها بعد البحث والتدقيق ونطرحها للرأي الاخر بالقبول أوالرفض ..فالحقيقة العلمية يجب ان تستند الى دليل لقبولها..لكن المهم عند الباحثين والدارسين عليهم ان يتجردوا من العواطف الشخصية والدينية عند التقييم..ساعتها يمكن ادراك الحقيقة او التوصل اليها ..أما كوننا نعتمد على المؤسسة الدينية وخطب صلاة الجُمعة في الاصلاح فذاك زمان مضى لايستند الى واقع مقبول.
لقد كتب الكثيرون في تاريخ الاسلام السياسي والحضاري وفيه شروح ومقالات مُلئت رفوف المكتبات.. وبالمقابل ان ما كتب في الحضارات الاخرى ودياناتها قد شابهت ما كتب عندنا.. لكن الاشكالية ان بحوثهم انتجت لهم هذه التحولات الاجتماعية والسياسية العظيمة.. بينما نحن بقينا على حالنا دون تغيير.فاين العيب او اشكالية التوقف والتغيير ؟ اعتقد ان لكل نتيجة اسبابها..فاين سبب التوقف عندنا او فينا ؟.
عندنا نحن العرب والمسلمون ..كتاب وباحثون ومؤلفون وعلماء عقيدة ودين..وعندهم أيضاً ، تقصينا الحقائق وهم تقصوها..فاصبح الكثير منهم رواد علم وحقائق.. بينما نحن اصبحنا نهرول خلفهم لمعرفة الحقيقة ..لا بل بنوا بلدانا متقدمة اصبحت امنياتنا ان نصل ونستقر فيها .. لأنهم كتبوا بلغة الحقيقة ،فأنشأوا القوانين التي لا تُخرق .. التي أيدتها المكتشفات الحديثة،ويكفي أكتشاف الموبايل واحد منه .. بينما نحن لم نكتشف الا السبحة والمسواك والدشداشة القصيرة … لم نكتب في بحوثنا الا عروضا مقنعة مسبقة النتائج قبل ان نثبت ان ما توصلنا اليه يؤكد البحث والتدقيق انه سليم ..
لذا لم نكتب قانونا الا وغلفناه بالأباطيل.. ومثال ذلك قوانين المرأة..ونظريات الأحزان والموت المنتظر للانسان..وأبعدنا روح الحياة والتمتع بها وكأن الله ما خلقنا الا للحساب والجنة والنار..نظرة دينية تشاؤمية قاصرة زرعتها فينا مؤسسة الدين القاصرة عن معرفة نظرة الحياة الحضارية فصبغت حياة العرب بصبغة عاتمة لا ترى منها النور والحياة والحضارة..ولعل مرد ذلك هو قبولنا لرأيهم القاصر من الدخول في النص خشية تعارضه مع الحقيقة عندنا التي يجب ان لا تُخرق حتى ولو على حساب الحقيقة .
.وبعد ان أهملنا الاستفادة من الفلسفات الانسانية الاخرى وعدم التفاعل المبدع معها.لانها من وجهة نظرنا تقع في هامش الخطأ والباطل من الدين. ولان التفسير الفقهي وقف موقف المعارض من كل جديد ..فوقعنا في خطأ التقدير…بينما هم اخترقوا المحذور فوصلوا الى الحقيقة التي زودتهم بالعلم والحقيقة معا ..وبقينا نحن نرفض الحقيقة خشية ان يمس النص المقدس وما درينا انه نص قابل للتأويل لا التفسير اللغوي الترادفي الخاطىْ..فعشنا ولا زلنا نعيش في هرطقة احاديث رجال الدين..هؤلاء الذين يناصرون قوانين السلطة ولو كانت ظالمة وباطلة ولا تمثل كل حقوق الجماهير..كما في المذاهب الباطلة وقوانين رفحاء والعفو العام والطائفية المقيتة والمحاصصية وتفرقة الجماهير كما في عراق العراقيين اليوم.
من هنا زيفت الحقائق من قبل مؤسسة الدين.. دون رد واقعي منا..فظهرت لدينا ما سمي بالحضارة الاسلامية وديننا المحمدي تحت أطباق التحليل الخاطىء المتعمد والوقائع الشائهة والدعاية المخادعة حتى تراكمت علينا عبر الزمن فحسبناها حقائق لنا دون تمحيص..هنا كان مقتلنا.
لا نقول ان كل الكتاب والمؤلفين يشملهم هذا الوصف ..بل من خاض غمار المنهج العلمي الصحيح كان مصيره الاهمال دون أثر من رصيد بغض النظرعن الحق والصواب والعدل الذي يريد ونريد..حين اتهموهم بعلمانية الكفر والتزييف فكان مصيرهم الموت..كما في أبي ذرالغفاري و فودة المصري والمشذوب العراقي ..ولا زالت دمائهم مفقودة دون تحديد وغيرهما كثير ..
نحن بحاجة الى اقلام حقيقية وجريئة لا وهمية ..تكتب عن الحقيقة الاسلامية التي يعدُها البعض احسن واوفر حظا من العقائد الاخرى ..لتكتب اليوم على مسرح الاحداث بصدق ليتفهم القارىء العربي المسلم حقيقة الدور الاسلامي وما شابه من تزييف ولا زالَ مستمراً..والاخطاء القاتلة التي وقع بها الفقهاء والكُتاب وعرضوها للناس واصبحت منهجا دراسيا مقروءأ للناشئة رسخت في عقولهم وافكارهم وكأنها الحقيقة ..واصبحت جزءً من عقيدتهم التي لا يمكن نزعها من الرؤوس اليوم حتى اصبحنا اسرى التخلف بأمتياز..والمدارس الجعفرية الخاصة اليوم مثالا سيئا في التطبيق.
لقد وقعنا جميعا في وَهَم التشويش على ذهن القارىء لنرضي به السلطة الجائرة حين اخترعنا الف حديث وحديث في قدسية الاشخاص.. (قدس سرهم.. والقرآن يرفض التقديس،الآية 174 من سورة البقرة )وفي ذم المرأة.. والحلال والحرام ونسينا النواهي والأحكام.. وفي ابتداع المذاهب الأجتهادية التي أنتهى زمانها .. ولم تعد نظارات الصادق وابو حنيفة تنفع اليوم.،بفعل التكنولوجيا الهائلة والزمن الذي يلعب دورا في عملية التغيير.. حتى اصبحنا واصبحت اجيالنا تائهة بين العصور حين نرى الرادود باسم كربلائي يُلبس تاج الذهب وكأنه مخترعاً لاكسير الحياة في التاريخ..؟.
فهل نحن بين عصر قبل الاسلام وشعره المعلقات السبعة وادبه الجم ومفاخره القبلية وكرمة ..ام بين دين جاء ليحقق العدالة الاجتماعية المركزية ..فرافقه القتل والجبرية والهرطقة والتفاضلية والظلم والقوانين العشائرية المتخلفة ..وقتل المخالفين وفتح بلدانهم بقوة السيف دون رحمة من نص او قرآن مبين والاستيلاء على السلطة وكأنها ملك للحاكمين؟..وحتى نتجنب الأخطاء في الاسلام أصبحنا نضعها خارج نطاق التحليل التاريخي العلمي ولا زالت تلازمنا على انها الحقيقة ..هذا كله بفعل جهل الحاكم وتأثير المجاورين.
ونحن نقول..ان الوقت قد حان اليوم للكشف عن حقائق الصلة بين النص والتطبيق لنضعه في مكانة الحقيقة والتكريم وليكون أكثر ملائمة من أي وقت مضى لتوضيح العلاقة بين العناصر الاساسية للدين ومشكلة الشعائر الكثيرة المخترعة والأحاديث الموضوعة التي نخرت فكر المجتمع العربي والاسلامي واوصلته الى ادنى مراحل الانغلاقية والتخريف..بوجهة نظر جديدة تنقذنا مما نحن فيه من تخريف.
لقد آن الآوان للفكر العربي ان يتحرر من مسلم والبخاري والمجلسي في بحار الانوار الخرافة..ومن قصص احزان عاشوراء وبناء القباب الذهبية لأضرحة مبتكرة القدسية ونظرية المهدي المنتظر الوهمية وولاية الفقيه الدكتاتورية المستمرة والتقيد بمدونات رجال الدين الباطلة الذين لا يعترف القرآن بهم ..ولا يمنحهم حق الفتوى على الناس .. ولا يميزهم بلباس معين.. في التاريخ.
علينا ان نغوص في عمق الفلسفة الفكرية الحقة لنتوغل في معرفة أكتشاف المعنى الحقيقي للنص الديني المفبرك اليوم..لنمهد السبيل الى التمييز بين الوجود في الأعيان،وصور الموجودات في الأذهان ، واقتفاء الحقيقة التاريخية الضائعة عندنا..تمهيدا لكتابة تاريخ امة جديدة .. بعيد عن تخريفات مؤسسات الهرطقة والدين.
كل هذا الذي مارسته السلطة وتمارسه اليوم تجاهنا ..هو نتيجة قبولنا لخطأ التفسير والتقييم للنص الديني المبهم من مؤسسة الدين صاحبة أفيون الشعوب وسارقة موارد الوطن .. وسكوتنا الجبان على قبول الباطل الذي يجب ان نرفضه ونثور عليه لنضعهم جميعا امام المحاسبة والقانون..لا ان نجلس في زوايا حجرات النوم لنحدث زوجاتنا عن خطأ التطبيق- جبن مقصود ومزروع في النفوس- فهم ليسوا الدولة كما قالها لويس الرابع عشر الدولة انا،وقالها المنصور العباسي (ت158 للهجرة) :”أطيعوني ما أطعت الله” وغيرهم كثير.
وبدون هذا التوجه سنكون خلف الامم الى ان يرث الله الارض ومن عليها. وسيكتب عنا غدا ..ما كتب عن عادٍ وثمود وغيرها من امم الغابرين في التاريخ.. ويبقى السئوال الهام : هل لنا فعلا حضارة ..؟
اقول :ان ما جرى على خلاف القياس…لغيره لا يقاس عليه..نعم كانت لدينا عادات وتقاليد نشمُ منها رائحةالحضارة التي تحدث عنها ابن خلدون ولكن ليست الحضارة المعروفة اليوم في حقوق الانسان وما جاء به النص والتي انتهت بحلول فرضيات مؤسسة الدين الباطلة علينا..فالاديان لا تصنع حضارات..بل تأتي بقوانين عدالة وتكون مراقبة لها..في التنفيذ ان صدق معتنقوها… وتحتاج لشجاعة النبي آدم في التنفيذ..؟