19 ديسمبر، 2024 12:08 ص

جدلية العلاقة بين الهوية الدينية والهوية السياسية

جدلية العلاقة بين الهوية الدينية والهوية السياسية

تعتبر مشكلة الطائفية السياسية من أهم المشاكل التي تواجهها شعوبنا في الوقت الحاضر، حيث انعكست آثار وتداعيات الطائفية السياسية في تمزيق مجتمعاتنا دينيا وسياسيا واجتماعيا. ومن هذا المنطلق فإننا بصدد دراسة إشكالية الطائفية السياسية وما يشكله الخطاب السياسي من هذا النوع على تماسك الدولة، وكذلك ترسيخ مفهوم التفرقة في المجتمع الواحد. أما الإشكالية الثانية فهي تتمحور في مدى تأثر السلطة بالطائفية المذهبية، الموجودة اليوم وبقوة في أغلب الدول العربية، بالإضافة إلى فهم التحولات الديمغرافية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وكيفية بناء نظام تعددي بعيدا عن الإشكالات الطائفية والمذهبية في السنوات المقبلة. لقد شهد العالم العربي صراع مريرا من حوالي 200 سنة بين الهوية الدينية والهوية السياسية.. حيث نجحت نظم الطغيان والاستبداد التي حكمت الشعوب العربية لفترات طويلة، في توظيف كل قدرتها لتمزيق الهوية الاجتماعية عبر الإفادة التامة من منطلق قاعدة (فرق تسد). ونتيجة لهذه السياسات المرعبة وغيرها من العوامل المساعدة أنتشر المرض الخبيث في مجتمعاتنا العربية، إلا وهو (الطائفية السياسية). إن الطائفية والمذهبية في بلادنا العربية تنمو اليوم وتزدهر وتستمر في ظل نظام اقتصادي سياسي تربوي فاشل ومفكك يقوم على أرضية مجتمع مقسم إلى طوائف متناحرة فيما بينها داخل البلد الواحد. ونتيجة لهذا أصبحت حركة المجتمع المدني تشق طريقها بصعوبة من أجل بناء مؤسسات مدنية فعليا، أي غير طائفية أو مذهبية وغير نفعية أو فردية. أن المجتمع المدني الحقيقي الذي يضم مواطنين من مختلف الطوائف والمذاهب اليوم مُغيب والمواطنة فيه متعثرة دونها عقبات وحواجز وجدار طائفي ومذهبي بغيض، يفرق بين المواطنين ويهدد وحدة المجتمع بالتجزئة والانقسام والتفرقة. ويعد العنف الطائفي من أخطر وأشرس داء ابتليت به شعوبنا ودولنا على مر التاريخ الحديث، وبالذات منذ فجر تأسيس الدولة الوطنية عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى. ومع التغييرات التي اجتاحت الأنظمة السياسية في المنطقة العربية بفعل تصاعد حركة الاحتجاجات الشعبية فيها، برزت حالة من إعادة الفرز المجتمعي والسياسي لهذه المجتمعات وفق أسس الانتماء الطائفي والقومي والديني. وقد انعكست هذه الحالة على العلاقات بين الدول العربية ودول الجوار لتشهد هي الأخرى توترا طائفيا ينذر بتصاعد احتمالات الصدام أو حتى النزاعات الأهلية والدولية في المنطقة عموما. وهكذا أصبح العنف الطائفي أعظم مشكلة بنيوية تهدد بتفتيت الأواصر المجتمعية لدول الشرق الأوسط وفق أسس طائفية بعيدة كل البعد عن الأسس الوطنية والمدنية وحتى الإنسانية لهذه المجتمعات. والواقع أن خطورة هذه الظاهرة قد انسحبت إلى قطاعات كثيرة في الدولة العربية المعاصرة ولاسيما قطاع المجتمع المدني لتعاني هي الأخرى من حالة التجاذب والاستقطاب الطائفي.

ورد في الموسوعة السياسية” أن الطائفية نظام سياسي اجتماعي متخلف، يرتكز على معاملة الفرد جزءا من فئة دينية تنوب عنه في مواقفه السياسية، ولتشكل مع غيرها من الطوائف الجسم السياسي للدولة، وهو كيان ضعيف لأنه مكوّن من مجتمع تحكمه الانقسامات العمودية التي تشق وحدته وتماسكه هذا يعني أن الانقسام يبدأ من بنية النظام السياسي لينتهي إلى طبقات المجتمع، في الوقت نفسه الذي يجعل فيه الولاء الطائفي أقوى من الولاء الوطني الذي يفترض توحيده لكافة الأفراد تحت مبدأ المواطنة”