17 نوفمبر، 2024 8:35 م
Search
Close this search box.

جدلية العذاب 

اسيرُ نحو تقاطع البهو قاصدا ً اياه وما بعده لكن لم اصل اليه فما ان وصلت الى المستشفى الجراحي على يميني حتى وجدتني انحرف يسارا ً نحو شارع كبير في الجهة المقابلة للمستشفى تماما  ً. سرت لمسافة قليلة ثم استدرت يسارا ً نحو فرع صغير وصلت حتى نهايته.كان يحدوني الامل بالوصول الى البهو وما بعده منطقة الادارة المحلية لكن المربع المشؤوم ذاته يدعوني بل يجرني اليه كأنه يصر ان يتحول الى دائرة تدور بها حياتي.
في ليلة ظلماء – تكرر الأمر – سرتُ كعادتي قاصدا ً ضوء ً كأنه بداية ُاشراق ٍ لصباح في نهاية الشارع الذي يبدأ بالبهو متربعا ً على يساره لكن ما ان وصلت لمستشفى الحبوبي حتى قادتني قدماي مكرها ً نحو فرع الشارع الكبير الواقع في الجهة المقابلة للمستشفى ثم استدرت مكرها ً نحو اليسار ليكتمل المربع .كان الشارع موحشا ً وكئيبا ً على يساري بيوت مقفرة كأن بداخلها بشر كالوحوش اتوقع بكل لحظة ان تخرج وتنقض علي ّ.كانا مقرين مخيفين للحزب الشيوعي وحزب الدعوة تفصلهما بناية يسودها الظلام تخرج اصوات من وسطها الحالك قرقعة شبابيك صرير ابواب اهات متقطعة خافتة ومتعبة حتى اعتقدت اني رأيت اجساد ً لضحايا معلقين عند الشرفات. وقد لفح الرعب وجهي عندما مررت بهذا المنزل ويبدو ان هذا هو كهف حزب البعث ومقره , ومقابل هذه المنازل الثلاثة -على يميني – كانت حديقة غازي.
في الليلة التالية سرت مجددا ً في الشارع ذاته لكن قدماي كانت ابطأ وأثقل وقلبي كان اسرع كأنني بداخل فقاعة من نوبة خوف تغلفني . التفتُ يمينا ً الى الحديقة رأيت عائلة فيها خمسة او ستة رجال ونساء يهرولون جنود يركضون خلفهم ويطلقون النار عليهم من بنادقهم كان هناك طفل مرتديا ً لجلابيته البيضاء ذات العنق المفتوح محاطة بحاشية زرقاء بالكاد يجري وعلى وشك ان يسقط بكل خطوة ; وجهه لا يبدو عليه الخوف كثيرا ً فقط استغراب فقد كان مبكرا ً عليه ان يفهم الخوف. فلا عقل راسخ لديه بعد كعقولنا لكي يُسلّم بالخوف والعنف فحتى عقولنا الناضجة عجزت ان تبرر او تفهم عنف الحياة المبهم .اوقعوا الطفل جعفر ارضا ً بطلقاتهم فشعاراتهم الثورية اكبر من براءة جعفر وأمه – بالتبني – الاميرة .
في الليلة الثالثة سمعت شخصا ً يصرخ فهد ….فهد كان صوتا ً خارجا  ًمن البناية الاولى على اليسار , وعندما وصلت للحديقة يمينا ً شاهدت كومات مرتبة قرب بعضها لم اعرف ما هي , كومات تغطي كل منها قطع ملابس غير مكتملة بدأ نظري يقترب منها ..انها اجزاء لانسان ثم بدأت تتجمع حتى عادت انسانا  ًكاملا ً تفرست فيه فإذا بي اعرفه … انه صباح اﻠﮔرعاوي وهو يشير الي ّ بالقدوم اليه هربت منه مبتعدا ً عن سور الحديقة مرتعبا ً وانا اصرخ  ” ابتعد عني ابتعد ” .
وفي الليلة الرابعة هبت عند مروري بالشارع رياح باردة مغبرة رطبة حتى احسست التيبس بعيني لم يكن الظلام شديدا ً فالقمر يضيء من خلف سحب بيضاء متحركة كأنها تفسح المجال لأشباح الظلام ان تتشكل صورها سرت وقد بدأت احس بوطأ قدمي كأنها تغوص في ارض دبقة سميكة تفحصت الارض تحتي فاذا هي دماء جامدة منذ اجيال وتعثرت بجسم ملقى على الارض مغطى بهذه الدماء .انار ضوء القمر في فسحة بين الغيوم وشاهدت وجه الجسد كان وجها ً يشبه وجهي ثم جثة ثانية وثالثة ورابعة ولها ذات الوجه… ودرجات تفسخها تشي انها تعود لعهود مختلفة .حينها فاق المي وحنقي على خوفي وهلعي قلت : من انت لتلعنني ماذا فعلت لك !! لم يعد يهمني لا بأٍس عندي ان اكون اول من يطلق سهمي عليك وان اصيح بك تقسم وتشظى وتبعثر فأنت لست بأهم مني وانا لست بأقل منك الا تفهم !! انسى وهمك انك ابدى مني فبدوني لم تكن لتكون ايها الكائن .اتلعن ابنك سألعنك بدوري وسأتوقف عن حبك واحبك على طريقتي سأحرق خريطتك الهجينة التي تقتلني لأجلها وسأعطيك خريطة جديدة تغير شكلك وتضطرك معها ان تغير تفكيرك فحياتي ثمينة لدي اثمن منك. فانا الكائن الحي والنرجسية ملكي وليست لك .قد خُلقت لأجلي لكنك نسيت لذا سأميتك وأخلقك من جديد بما يناسبني فأنت جماد عندما تموت تعود وتخلق من جديد اما انا فلا.

أحدث المقالات