18 ديسمبر، 2024 6:55 م

جدلية الصراع بين السلطة والدولة في العراق بعد عام 2003

جدلية الصراع بين السلطة والدولة في العراق بعد عام 2003

2ـ 2

تطرقنا في القسم الأول من هذه الدراسة الى مفهوم الدولة القانونية المعاصرة والى العلاقة بين السلطة والدولة في مسعانا لإضاءة العلاقة الجدلية بين السلطة والدولة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي. وسنتطرق هنا في القسم الثاني الى دورالاحتلال الأمريكي في أعادة بناء الدولة العراقية وأسباب تعزيز دور السلطة على حساب الدولة.
المحور الثاني. دور الاحتلال الأمريكي في أعادة بناء الدولة العراقية
أدى الاحتلال الأمريكي للعراق إلى تفكيك الدولة، بعد ان انهارت مؤسساتها السيادية، خاصة الحكومة والمؤسسة العسكرية، بناء على قرار سلطة الاحتلال وموافقة النخب السياسية التي عملت تحت ظله. أدت هذه الإجراءات إلى إنهاء وجود الدولة بمفهوما القانوني المتعارف عليه، بسبب فقدانها السلطة والسيادة التي انتقلت إلى سلطة الاحتلال، وفق قرار مجلس الأمن الدولي الذي اضاف على سلطة الاحتلال شرعية دولية. لقد ترتب على ذلك مجموعة من النتائج، من أهمها:
تولت قوى الاحتلال السلطة الفعلية في العراق، بعد اسقاط الحكومة العراقية المعترف بها دولياً.
أعادت سلطة الاحتلال بناء الدولة على أساس المكونات الطائفية ـ القومية وليس على أساس المواطنة، وثبت ذلك في دستور عام 2005 المادة الثالثة، وقد حصل هذا التوجه على موافقة القوى السياسية المتنفذة التي شاركت قوى الاحتلال بالسلطة.
تشكيل سلطة مؤقته ” مجلس الحكم” تتكون من الاحزاب السياسية المعارضة، تعمل إلى جانب سلطة الاحتلال، كما تشكلت حكومة ليس لها سلطات فعلية. وقد ترتب على هذا التوجه، اعادة بناء السلطة الجديدة على أساس المحاصصة الطائفية ـ العرقية التي اخذت صبغة سياسية في الظاهر، وطائفية عرقية في الجوهر.
حلت هذه السلطة محل الدولة واخذت كافة مهامها بالتدريج من خلال الدمج بين السلطة/ الحكومة، والدولة بحيث أصبح جهاز السلطة يقوم بمقام الدولة.
تم حل كافة مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش والقوى الأمنية، وتم تسريح جهاز الدولة البيروقراطي وأعيد بناءه ، وفق نظام المحاصصة، لتكون مطابقة لبناء السلطة، حيث تم توزيع إدارة كافة مؤسسات السلطة الجديدة على أساس المحاصصة الطائفية ـ القومية، والاستعاضة عن الكوادر العليا والوسطى في مؤسسات الدولة بمنتسبي الأحزاب السياسية، بعيدا عن الكفاءة والخبرة.
تشجيع نمو المؤسسات الأهلية، خاصة العشائرية، بتوزيع السلاح والاموال على رؤساء العشائر وتعزيز نفوذهم ليكونوا سلطة موازية تنافس مؤسسات الدولة، بهدف تكوين قاعدة اجتماعية مساندة لسلطة الاحتلال وتوجهاتها اللاحقة.
إنهاء دور الدولة في الحياة الاقتصادية، باعتماد نهج الليبرالية الجديدة الذي يقوم على عدم اعادة تشغيل المؤسسات الانتاجية الحكومية وتصفيتها تدريجياً، باستثناء استخراج النفط وتصديره، من خلال عمليتي الاستثمار والخصصة. لقد أدت هذه السياسة إلى جعل العراق سوقاً لتصريف البضائع الأجنبية.
العمل على تأسيس منظومة قانونية، على أساس قرارات سلطة الاحتلال، التي أصبحت لها قوة القانون وملزمة التنفيذ من قبل كافة مؤسسات الدولة.
من اجل اعطاء استمرارية لتهميش مؤسسات الدولة، ، تم اصدار قانون اجتثاث البعث، الذي أدى إلى تسريح بقايا الجهاز البيروقراطي للدولة. كما أن تنفيذه” أي قانون اجتثاث البعث” بطريقة انتقائية، إدى إلى حرمان مؤسسات الدولة من قدرات قيادية في مختلف المستويات كانت الحاجة ماسة لها للمساهمة في اعادة هذه المؤسسات للعمل، إضافة إلى تنامي مشاعر الغبن والتمييز الطائفي لدى فئات واسعة من المواطنين.
المحور الثالث. أسباب تعزيز دور السلطة على حساب الدولة.
كثير ما يحصل تداخل بين السلطة والدولة، حيث ينظر إلى الدولة بانها السلطة/ الحكومة والسلطة هي الدولة، وهذا يحدث في المجتمعات التي لا تملك وعياً سياسياً ولا ثقافة ديمقراطية. وكثيرا ما تروج لهذا المفهوم النخب السياسية المتنفذة بهدف السيطرة على مؤسسات الدولة وتسخيرها لمصالحها الخاصة، واتخاذها، “أي مؤسسات الدولة “، وسيلة للاستحواذ على الثروة.
كما ان الخلط بين الدولة والسلطة، تلجأ إليه القوى الطائفية ، خاصة عندما تحصل على السلطة عن طريق الشرعية الانتخابية، بهدف شرعنة توجهها لتغيير طبيعة الدولة وفق معتقدات هذه القوى، وهذا ما يسعى إليه الإسلام السياسي بعد الفوز بالسلطة ” مثلاً إعتماد نظام ولاية الفقيه في أيران، مساعي أغلب حركات الإسلام السياسي لفرض إيديولوجيتها على الدولة والمجتمع بعد سيطرتها على السلطة، كحزب المؤتمر الوطني في السودان بعد 1989 وماحدث في العراق بعد عام 2003، محاولة أخونة المجتمع من قبل حركة الأخوان المسلمين بعد ثورة 25 يناير2011 في مصر.
وبخصوص العراق، هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى تعزيز دور السلطة على حساب الدولة، ويمكن تقسيم هذه الأسباب إلى قسمين، خارجية وداخلية،
أولاً. الأسباب الخارجية
1ـ القوى الإقليمية تشجع تعزيز دور السلطة على حساب الدولة، لأسباب عدة، منها، يتعلق بطبيعة هذه الدول التي تدمج بين السلطة والدولة، ومنها، المخاوف من وجود دولة قوية في العراق، نتيجة علاقات دول الأقليم المتوترة مع السلطة الحاكمة في العراق، قبل 2003، والتي استمرت بأشكال متعددة بعد ذلك، ومنها، الأسباب الاقتصادية التي تريد بقاء العراق سوقاً لتصدير بضائع هذه الدول. لذلك تفضل دول الإقليم التعامل مع النخب السياسية الماسكة بالسلطة التي قضت فترة طويلة في المعارضة وبالتالي بعدها عن ممارسة العمل الحكومي، مقارنة بأجهزة الدولة، التي تمتلك خبرة في التعامل في العلاقات الدولية وعقد الاتفاقيات مع الدول الاخرى، لما تملكه هذه الأجهزة من الفنيين والخبراء. لقد أدت هذه الاتفاقيات إلى أضرار كبيرة للاقتصاد العراقي وخسائر مالية ضخمة ().
عموماً إن دول الأقاليم تفضل التعامل مع سلطة متغيرة بالمقارنة مع دولة تقيم علاقتها الخارجية على أساس المصالح الوطنية وليس على أساس حسابات سياسية، كما هو شان الحكومات التي تولت السلطة في العراق بعد الاحتلال.
2ـ عندما قامت قوى الاحتلال، بأسقاط الدولة، ركزت على افراغ مؤسساتها ” الدولة ” من الكوادر ذات الخبرة المهنية العالية ومنعت مشاركتها في إعادة بناء الدولة، وبدلا عن ذلك تعاونت مع الأحزاب السياسية المعارضة، خاصة قوى الإسلام السياسي، التي لا تملك رؤية واضحة في بناء الدولة، بسبب منظومتها الفكرية، المرتكزة على مفهوم الإمامة/ الخلافة، وهو مفهوم يختزل الدولة ويدمجها مع السلطة. يضاف إلى ذلك ان هذه الأحزاب لا تمتلك برامج وخطط واضحة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. إن هذه السياسة من قوى الاحتلال ادت إلى انشاء سلطة عميقة توجه الدولة لخدمة مصالحها الخاصة.
ثانياً. الأسباب الداخلية
اصرار قوى الإسلام السياسي الماسكة بالسلطة السياسية على عدم وجود فترة انتقالية، يتم خلالها القضاء على مخلفات سياسة الاستبداد وتهيئة الظروف المناسبة لاعادة بناء الدولة على أسس وطنية بعيدة عن تدخل قوى الاحتلال.
عدم وجود نظام قانوني يضبط الممارسة الفعلية للسلطة الأمر الذي أدى إلى تعزيز قوة السلطة على حساب الدولة وبالتالي اضعاف دورها في ممارسة سلطتها في المجتمع. وسنشير لاحقاً إلى مساهمة سلطة الاحتلال في تأسيس بنية دستورية، بدأت بقانون إدارة الدولة، وقرارات قابلة لتفسيرات متعددة، وجرت صياغة الدستور العراقي لعام 2005 على نفس الأسس. كما تشير مقدمة الدستورالتي أعطت أهمية للمكونات، على حساب المواطنة الواحدة، وكذلك ما ورد في المادة 2 من الدستورحيث أشارت في فقرتها الأولى إلى الالتزام بحقوق الإنسان وفي الفقرة الثانية، عدم تشريع اي قانون يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، كذلك ما ورد في المادة 45 التي أشارات إلى ” تشجيع دور منظمات المجتمع المدني” والنهوض بدور العشائر والقبائل العراقية” كذلك جرى الابتعاد عن مبادئ المواطنة في صياغة المادة 92 التي تخص تشكيل المحكمة الاتحادية التي تشير إلى انها تتكون من ” عدد من القضاء ، وخبراء في الفقه الإسلامي “().لقد ساعد هذا الغموض، اضافة إلى عوامل أخرى، على تشكيل بنية قانونية، تعزز دور السلطة السياسية على حساب الدولة، حيث اعتمد البرلمان نهج المساومة، التي تكون منسجمة مع نظام المحاصصة الطائفية والقومية في أصدار التشريعات والقوانين وفق مبدأ ” السلة الواحدة “، وهو مبدا يتناقض مع الديمقراطية ولا يخدم بناء الدولة القانونية ، بل يعزز دور النخب الحاكمة ويهيئ القاعدة القانونية لاعادة نفس النخب السياسية وقياداتها إلى السلطة عن طريق انتخابات مشكوك في شرعيتها.
سيطرة السلطة على الجهاز الإداري الذي يدير شؤون الحكومة والدولة، عن طريق أحداث تغييرات سريعة في الجهاز الإداري، عبر إزاحة الكوادر المهنية ذات الخبرة والكفاءة، تحت ذرائع سياسية وفكرية، وتعويضها بأفراد من ” أحزاب السلطة” ليس لديهم خبرة وتخصص مهني.
قامت القوى المتنفذة بتأسيس مكاتب إقصادية في الوزارات التي جرى تقسيمها وفق نظام المحاصصة الطائفية ـ القومية، قامت هذه المكاتب باستغلال الموارد المالية لصالح احزابها، عبر المقاولات وشركات الإستيراد الوهمية.
عملت النخب المتنفذة على انشاء مليشيات مسلحة، كما أشرنا سابقاً، تنازع حق الدولة بامتلاك مصادر القوة واستخدامها، وتحمي مصالح الجهات التابعة لها.
أصبحت المساومة الطائفية – القومية عائقاً امام بناء الدولة، بدلا من اعتبارها عامل استقرار في المجتمعات التعددية ” حيث اصبحت بدلا من تكون عاملا في تحقيق الانسجام والتوافق في إدارة الدولة بين القوى السياسية المتمثلة للاتجاهات المتعددة، أصبحث أداة معوقة ليس إدارة الدولة حسب بل في بناء دولة المؤسسات”().

نتائج الدمج بين السلطة والدولة على تطور الدولة
يمكن تقسيم نتائج الدمج بين السلطة والدولة إلى ثلاث مستويات، سياسية واجتماعية واقتصادية.

أولا. النتائج السياسية
نشوء دولة فاشلة، سواء في نظامها السياسي او قدرتها على خلق الانسجام بين مكونات المجتمع العراقي، أو القيام بوظائفها السيادية والاجتماعية وتوفير الحماية الذاتية للمواطنين ().
المحاصصة الطائفية ـ القومية أدت إلى صعوبة تكوين الحكومات، وقادت إلى كثرة الأزمات الحكومية، وتحولها ” أي الحكومة” إلى إدارة لتصريف الأزمات، بدلا من القيام بمهامها الأساسية، في تقديم الخدمات للمواطنين ورعاية مصالحهم.
تماثلت السلطة التشريعية، مع السلطة التنفيذية، فشكلت أداة للاستحواذ على جزء من ثروة المجتمع بشكل غير شرعي، عن طريق تشريع القوانين التي تلبي المصالح الخاصة لاعضاء البرلمان والفئات الحاكمة، وتقديم رشاوى غير مشروعة لبعض الفئات الاجتماعية، بهدف كسب تأييدها في الانتخابات. ونتيجة لذلك تخلت السلطة التشريعية عن مهامها الرقابية بعد أن أصبحت اداة بيد القوى المتنفذة في السلطة، فقامت باضفاء شرعية على الفساد المالي والإداري بتشريعها قانون العفو العام عام 2016 الذي شمل العفو عن جرائم الفساد المالي والإداري. كما إنها فشلت في تشريع القوانين المهمة، النفط والغاز، المحكمة الاتحادية، قانون مجلس الخدمة الموحد، ومجلس الاتحاد، وقانون الضمان الاجتماعي الشامل.
ثانياً. النتائج الاجتماعية
زيادة التخندق الطائفي ـ القومي على مستوى النخب السياسية، الأمر الذي نتج عنه تشكل تحالفات إنتخابية أغلبها يقوم على أساس طائفي ـ مذهبي ـ قومي. نتج عن ذلك تصاعد الصراعات الطائفية والعرقية إضافة إلى زيادة مشاعر الغبن لدى فئات واسعة من المواطنين بسبب فشل النخب الحاكمة في معالجة مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية.
ظهور فئة غنية جدا من أصحاب الملايين نتيجة استغلال النخب الحاكمة السلطة لتحقيق المصالح الشخصية، اضافة إلى توفير وسائل الكسب غير المشروع للأشخاص المتعاونين مع النخب الحاكمة عن طريق المقاولات والتجارة بالعملة والعقارات والأراضي وشركات الاستيراد والتصدير الوهمية.
زيادة معدلات الفقر التي تقدر من 30 ـ 40 بالمئة حسب احصاءات وزارة التخطيط العراقية.
تفشي البطالة بين خريجي الجامعات والمعاهد والشباب بشكل عام ، بعد ان اصبح اشغال الوظيفة حكراً على أبناء النخب الحاكمة والمقربين منهم.
أصبحت الوظيفة العامة، بما فيها مناصب الحكومة، وسيلة للمنفعة الشخصية، تباع وتشترى، حسب المورد الذي تدره، بحيث تمكن الوزراء وكبار المسؤولين في السلطة، من سرقة مئات المليارات دون التعرض للمحاسبة، بل يشملهم قانون العفو العام.
انتشار الظواهر الاجتماعية السلبية، كالجريمة المنظمة وتعاطي المخدرات وارتفاع نسبة الطلاق والآرامل الأيتام والمشردين.
أصبحت الأعراف العشائرية هي التي تسير الأمور اليومية و تحل الخلافات سواء بين المواطنين أو مؤسسات الدولة والمواطنين بدلا من قوانين الدولة المدنية.
انتشار الإرهاب على نطاق واسع، في الظروف المعاصرة، كان من نتائجه احتلال ثلث مساحة العراق من قوى الإرهاب وتشريد الملايين وتحمل العراق خسائر هائلة بالأرواح والموارد المالية.
ثالثاً. النتائج الاقتصادية
تحول الاقتصاد العراقي كلياً إلى اقتصاد ريعي يعتمد على مورد النفط ، الذي أصبح ا يشكل أكثر من 90% من ميزانية الدولة، التي ارتفعت فيها النفقات التشغيلية إلى حوالي 75 %، بعد تضخم عدد العاملين في الدولة، الأمر الذي أدى زيادة البطالة المقنعة واستنزاف مبالغ كبيرة من ميزانية الدولة. ().
تدهور المشاريع الصناعية، حيث توقف عشرة آلاف مصنعا، منذ عام 2003 حسب تصريح وزيرالصناعة السابق محمد الدراجي الذي ذكر فيه إلى ان الصناعة كانت تشكل 14% من الدخل القومي، اما الآن فإنها تقوم بالإقتراض من الدولة لتسديد رواتب عمالها().
تدهور الزراعة، بحيث أصبحت غير قادة على تلبية حاجات المواطنين من المواد الغذائية
تدهور مستوى الخدمات الأساسية، التعليمية والرعاية الصحية وخدمات الماء والكهرباء والضمان الاجتماعي الشامل.
ضعف المحاسبة والرقابة سواء من السلطة التشريعية أو من مؤسات الدولة الاخرى، الرقابة المالية، هيئات النزاهة، أدى إلى هدر المال العام بكميات كبيرة، وتفشي الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة والمجتمع.
بعض الاستنتاجات
أولاً، ظهور مؤسسات أهلية تنازع الدولة على سيادتها على المجتمع، كالمنظمات المسلحة شبه العسكرية والمؤسسة الدينية والعشائرية، إدى إلى فشلها في استقطاب ولاء المواطنين للدولة وليس للبنى السابقة للدولة من دين وطائفة وعشيرة وعائلة.
ثانياً، نشوء سلطة عميقة، تتمثل بمجموعة من زعماء الكتل والأحزاب السياسية المتنفذة الذين تحكموا بالعملية السياسية والسلطة بعد سقوط النظام الدكتاتوري، واستمروا بالتحكم بالسلطة والدولة، سواء بالشرعية الانتخابية، أو عن طريق وكلائهم المنتشرين في كافة مفاصل الدولة، التنفيذية والتشريعية والإدارية.
ثالثاً، على الرغم من ان الدستور العراقي لعام 2005، تميز بطبيعته المدنية، إلى أن وقائع تطبيقه، لم تستطع منع ظهور أعراف طائفية ـ قومية، لتقاسم المراكز الأساسية في السلطتين التشريعية والتنفيذية على أساس المحاصصة الطائفية ـ القومية ، بعيدة عن مبدأ المواطنة الواحدة التي وردت في الدستور.
رابعاً، على الرغم من توسع الاحتجاجات الشعبية على سياسة السلطة، إلا ان زعماء النخب والكتل السياسية مستمرين في السلطة، بالضد من تصريحاتهم العلنية بالاعتراف بالفشل في قيادة الدولة وتقديم الخدمات للمواطنين، وهذا راجع إلى عاملين، الأول، استفادتهم من البنية القانونية غير الديمقراطية، وخاصة قانون الانتخابات، والتحكم بوسائل الوصول إلى الرأي العام، والاعتماد على سياسة التحشيد الإثني ـ الطائفي، والثاني، ضعف الوعي الوطني لدى المواطنين عن مفهوم الدولة، والديمقراطية، واستمرار ولائهم للهويات الفرعية كالطائفية والمذهبية والإثنية.