22 ديسمبر، 2024 8:47 م

جدلية الخير والشر ..من وجهة نظر.. التاريخ والدين…

جدلية الخير والشر ..من وجهة نظر.. التاريخ والدين…

مصطلحان كبيران هما : الخير، والشر، وجمع الاول خيور، كما في قوله تعالى) :فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيراً ،سورةالنور 33) ، ومعناه ان علمتم انهم يكسبون ما يؤدونه بحق . والشر وجمعه شرور، وهو جند من اجناد الرذيلة ويقرن بالاباطيل التي يصادفها الانسان ويتخلص منها بعمل الخير.لكن كلمة الخير المطلق والشر المطلق غير معروضتين بمقياس التاريخ، لان كل خير قد يتولد منه شر كما في قولهم :(أتقي شرَ من أحسنت اليه ) ، والشر أحيانا يتولد منه الخير (حين يكون السلاح لحماية الأوطان ) ، والعكس صحيح. لذا لا معنى لهما محدد في قاموس الحياة والتاريخ، لكن معناهما عظيماً في الفلسفة والاخلاق .
ظل الانسان القديم عهدا طويلا من الزمن لا يعرف الا الشر والخُرافة..وظل الاعتقاد سائدا لكون البشر لم يستطع التوفيق بين وجود الشر وبين الأيمان بآله قدير كامل الصفات..وكذلك عدم قدرته على التوفيق بين العقيدة والحس العقلي التي تكشفت عنها معارف البشركلما تقدموا في الادراك المعرفي للحياة. وظل مفهوم الشر هو السائد حتى ادرك الانسان بمرور الزمن انه لا يمكن ان تدوم الحياة بكائن واحد.. فهداه عقله الى الايمان بآلهين سمى الاول آله النور وسمى الثاني بآله الظلام ..فجعل النور صفة للخير ،والظلام عنوانا للشرور.

لكن هذا الأبتكار الانساني ظل قاصرا عن ادراك معاني الحياة العقلية بكاملها لكي يتميزعن بقية المخلوقات ليستطيع ان يفرق بينهما حتى اهتدى الى مفهوم الحق والباطل،أي الحقيقة والوهم ..حين اعتقد ان الوهم هو الشر الذي لا نصيب له من الحقيقة ..وانه زائل بزوال المؤثر..فلا بد من ان يتبعه الخير الدائم الذي يريح النفس الانسانية بحلوله فيها..حين يقربه من الاخرين ولا يباعده كما في الشر..وبقيت فلسفة الخير والشر يتصارعان عبر الزمن حين اصبح الاعتقاد باللذة الموهومة مفضلة على الألم الموهوم..حتى اعتقد بعض الفلاسفة ومنه أفلاطون ان صفة الخير والشر متلازمتان في الوجود فالاول يدعم زوال الأخر..حين لا نشعر بلذة الشبع الا حينما نشعر بألم الجوع..وكذلك نكره القبح لأننا نحب الجمال. من هنا نشأت نظرية التكافل التي قادت الانسان الى التفكير بقدرة خارجية قاهرة لصنع هذا التكافل بين الخير والشر.
من هذه التصورات بدأ الانسان يدرك ان هذا الكون المحيط به لابد من مُسير له ..لكن الشك ظل يلازمه فترة طويلة عن القوة الخارقة –الآله- في صنعهما..ولماذا فرقت بين الأثنين ولم توحد بينهما في الكمال.فالآله القدير مسعف البشرية لماذ خلق في الانسان الصفات المزدوجة دون تحديد..اذن لا معنى لقدرته ان لم يكن قادرا في الاقتدار على ما يريد”كن فيكون”..
ثم بدأ التفكير في صفة الكمال المطلق وغير المطلق وهما نقيضان لا يلتقيان ..الا اذا آمنا ان الخالق الآله كان له حكمة التقدير التي بها يريد ان يمتحن الانسان في عمله للخير والشر معاً..وخاصة ان كل واحد منها قاصرا عن عمل الأخر..هنا فلسفة آلهية رائعة في تحديد قيمة ومعنى انسانية الانسان..وقد ثبت ان أظهار بعض المخلوقات الشريرة تستلزم أبقاءها في ساحة العدم حتى لا تتغلب على الخير فتفسد حياة البشر.

فاذا اعتبرنا ان الشر مشكلة كونية أختبارية ، والخير مشكلة كونية عقلية فجدلية التناقض بينهما تسجل دوما لشعور الانسان بالسرور والبهجة التي تغلب على الألم ..فنراه دوما يتجه اليها..من هنا بدأ الانسان يشعر منذ القدم ان الشعور الانساني في هذه الجلية الغامضة يتطلب عون الآله الذي سماه الطاعة له اي الدين.اعتقد ان عقل الانسان هو الذي هداه الى الالتزام بقيم الخير، فبدأ البشر يتجه نحو ما سماه الألم دون معرفة المصدر بعد ان اختلطت احيانا بالخرافة والتعاويذ والشعوذة التي انبرى رجال لها لتزعم المجتمعات فكانت بداية التخريب العقلي للانسان البسيط..حتى اصبح العقل يتعسر عليه احياناً ان يوفق بين العقيدة الدينية في الخير وحقائق المعرفةالعلمية..وحين نصل الى النص المقدس الذي يقول :” وكان الانسان أكثر شيءُ جدلا،ألكهف 54..ندرك انها فلسفة آلهية رائعة لا يدركها الا العالمون.

لم يظهر الخير والشر في حياة الانسان الا بعد ان استقر ووعى ما يحيط به من شرور وآثام ، وحين ادرك ان العدوان عليه غير مقبول ، كما انه ليس بأمكانه الاعتداء على الاخرين فهو غير مقبول ايضاً.من هنا بدأ الانسان يضع اول خطوات السلوك الاخلاقي على الارض ويتعامل مع الاخرين، فكانت البداية حين وضع قاعدة سليمة للحياة المشتركة فيما بين البشر. يقول الحق:” ان الله لا يحب المعتدين ” ..آية حدية لاتقبل الأختراق.ثم تطورت مسئولية الحماية والالتزام ، الى حماية الارواح والممتلكات ، ثم تحولت من مسئولية الفرد الى مسئولية القيادة الجماعية،هنا بدأ التطور السياسي والاجتماعي يُظهر مسئولية الدولة، بعدها ، اصبحت القيادة الجماعية في الدولة هي صاحبة المسئولية من اي تقصير،حتى أشتركت في صنع رؤية جديدة لمستقبل الانسان قائمة على العقل والعلم والحرية، مما مهدت لظهورالحركات الفكرية في العالم ،كالثورة الفرنسية عام 1789 مثلأً. .
كل شيء يتطور بمرور الزمن حتى اصبح العمل جائز وغير جائز، فالجائز هو الخير، وغير الجائز هو الشر.ويعتقد علماء التاريخ ان هذا هو الذي أسموه الفلاسفة بعصر فجر الضمير. اي بداية ظهور العقل عند الانسان ، ويعني ادراك الاشياء وفهمها والربط بين الظواهر بعضها ببعض ، فكانت الخطوة الاولى في طريق الحضارة ، يقول الحق 🙁 ونفس وما سواها ألهمها فجورها وتقواها، الشمس 8).

ومن خلال دراسة حضارة المصريين والعراقيين القدماء ،نجد ان الكثير من الوثائق عندهم تشير الى هذين المعنيين ،وما تبعهما من الحق والواجب ، وما يليق وما لا يليق ، وقانون حمورابي في
الحضارة البابلية وردت في نصوصه كلمة الخير والشر(انظر بنود القانون في المسلة). وكذلك في البرديات المصرية القديمة المودعة في مكتبة الأسكندرية . الاسلام وكل الديانات الأخرى تبنت الخيروالشر كقانون ، في الاول للمكافئة والتقدير، وفي الثاني للملاحقة والعقاب. ( وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا، البقرة 190).

من هنا نشأ الالتزام الضميري عند البشر بضرورة التقيد بين الخير والشر ، وبمرور الزمن اصبح اشبه بالالتزام الديني الذي تحول الى قيام احساس بأن الالهة هي التي تحمي الناس من الشر، فظهرت ما سمي بملائكة الخير والشر؟ فكان نشوء الفكر الديني وتقديس الالهة عند المصريين الذي تبعه قيام الفكر القانوني والتزام البشر بالمحافظة عليه دون خرق متعمد. ثم اصبح الخير جزءًاساسيا من حياة الناس، فاعل الخير لا يٌمل ،وفاعل الشر من المكروهين عند الناس، لا يُستحسن التعامل معه ولا مجاراته في امور الحياة ، ولا يُركن عليه في شدةٍ ؟.

وهكذا من منطلق الفكر الديني نشأ الفكر القانوني ،فأن الخير يقابل بالخير من ناحية الناس ،ويقابل الشر بالعقاب من جانب السلطة الحاكمة ،وهذه المعاني والاصطلاحات كلها ادت الى نشوء أسس القوانين والتشريعات في المجتمعات الانسانية فيما بعد، خاصة بعد ان أكدت عليها الشرائع السماوية والوضعية ..فيما بعد.

ان النتيجة في الخير والشر يحددها طرق استخدام نعَم الحضارة بين البشر ،ويبقى المستوى الثقافي هو الذي يعين الانسان على اتخاذ موقف سليم من الحياة .هنا تدخل الدين والعلماء والفلاسفة لوضع حد للشرعلى الناس ،وفتح مجالات الخير المتعددة عند الانسان منها:

التحضر والتدرج في مراتب الحضارة لاكتساب العلم والمعرفة والخبرة والتجربة التي تنقل الانسان من الاعوجاج الى الاستقامة ، والخير الذي يبعد الانسان عن التبطر والدعة واستغلال الاخرين ،والانتفاع مما له فيه من حق، ويقربه من المساهمة في عون الاخرين.،فبالخير والشر تتحدد مقاييس البشر، لذا وضعت القوانين والتشريعات التي احكمت حياة الناس . ومن يقرأ القرآن واللاهوت والكتب المقدسة الأخرى يدرك ان هناك سرأ اودعه الله للبشرية أسمه الخير،لا احد يستطيع أدراكه الا العالمون .

لقد وقف التاريخ منه موقف الايجاب والحث على اتباعه، فهل يدرك الحاكمون اليوم ما نقول ، وهم بحاجة ماسة الى معرفة، سنن الله ، ومعاييرالضمير، وقوانين حقوق الانسان ومعاملة الناس بالحسنى (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته)،فلم ينَم الأنبياء والرسل واتباعهم ليلة واحدة ولم يدخل عيونهم غمض والناس في عوز الحاجة ، فهم ولاة امور الامة ، فهل ادرك الحاكمون الظَلمة اليوم تاريخهم بعد ان خانوا الوطن ، وسرقوا المال العام ، وعاثوا في البلاد فساداً. وهل باستطاعة الحاكم ان يدرك كل هذا دون ارضية ثقافية عالية مكتسبة من الفلاسفة والعلماء الاخرين . لذا وجب ايداع السلطة لمن تتوفر فيه الكفاءةة والمقدرة والوفاء للمبادىء والأخلاص للوطن ، وليس للفاسدين أو الذين لا هَم لهم بأمور الناس ، والذي لا يبالون بحقوقهم كما في قيادة العراقيين اليوم التي تجاوزت كل التصورات في الاعتداء على حقوق الناس دون وازع من ضمير (كل نفس بما كسبت رهينة ،المدثر 38)..

ان مرحلة الاعداد الحضاري المسبق للذي يتزعم قيادة المجتمع مهمة تاريخية وهي التي تحدد امكانية الحاكم بالنجاح وحفظ حقوق الناس،فقديما في عصر الامبراطوريات الكبرى الرومانية والبيزنطية وحتى الفارسية لا يختار الحاكم لقيادة الدولة الا اذا توفرت فيه شروط الكفاءة والمقدرة والالتزام، والقانون الروماني ظهر قبل الاسلام بقرون وكان لديهم لجنة لتقييم تحديد كفاءة القائد ليصادق عليه مجلس البرلمان وبعدها يؤدي القسم وكلمة الخير تذكر في هذا القسم(راجع دائرة المعارف الرومانية،كلمة قسم).

وحين جاءت نظرية الحق اكدت على هذا المنحى العتيد حين يقول” دستور المدينة المغيب فقر6″ الذي كتب في السنةالخامسة للهجرة..بتصرف”:(ان على من يقود الامة ان يكون قادرا على ادارتها بالحق والعدل قولا وتطبيقاً )،لذا اصبح القسَم الدستوري شرطاً لازماً لمن يكلف بوظيفة القيادة في الدولة،ومن يخالفه يقدم لمحاسبة القانون ( انظر الوصايا العشرفي (سورة الأنعام 151-153) ، ألم يحاسب الحق الرسول(ًص) حين لم يجبر الأعراب على نصرة من يقاتلون بمعركة مؤتة سنة 9 للهجرة حين قال الحق مخاطبا رسوله:”عفا الله عنك لم َ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين،التوبة 43″ وحاسب الاعراب الذين امتنعوا عن النصرة،التوبة 120″.

ان المقصرين في الخير دوما يكونوا مُلامين وفي حيرة الزمن والتاريخ ..وأقصد بهم سرا ق الاوطان..قد يقتلهم الندم لما قصروا بحقوق الله والمواطنين ..ولربما يقدموا لمحكمة التاريخ..كما قدم كل الذين أستبدوا وقصروا بحقوق الوطن والمواطنين.. أنها نهاية صعبة يواجهها الأنسان وسيواجهون..كان الأولىَ ان يلتزموا بالضبط والدقة والأمانة وتحري الصدق ولا يعرضوا أنفسهم لما لا يرضاه القانون..؟.أنهم اليوم ليسوا بأشخاصهم أمام عيني ما يفعلون .. لكنني أرى فيهم كل ما يفعلون..

كفاية يامن تحكمون الوطن المُباع للأجنبي ، والمَسروق منكم ومن اولادكم وأنتم اليوم تتلاعبون بمصير الشعب والوطن ..وتحسبون الناس من المغفلين ..كفاية تذكروا التاريخ للحاكمين السابقين يوم عصفَ بهم الرب وجعلهم كعصفٍ مأكول ..الا تستفيقون..الا تشبعون.. الا تتعضون..يا دعاة السياسة واللاقانون…وأنتم تتصرفون في اموال الناس دون قانون..؟.
نعم أخي المواطن المظلوم…ستراهم غدا اذلاء يتحسرون..؟ وبعضهم اليوم اصبح مجنونا لا يدري ما يقول..
مصيرك بيدك اخي العراقي..لا تأمل من جاء بالخيانة الوطنية والتزوير سيحاسب احدا منهم..البرلمان في غالبيته مزور..والحكومة مكبلة من عصابات الشيطان ..ورئاسة الجمهورية مزورة.. لان الجميع قد اخترقوا الدستور في المادة 18 رابعا فيجب سوقهم الى محكمة القانون.. ولكن من يسوقهم وكلهم عصابة متحالفة عليك..(فلا تقول شعليه) فاولادك والاحفاد في خطر دائم نحو نهاية محتومة ان لم تزيلهم من الوجود .. انه يوم الصور…يولا ينفع فيه لا مالُ ولا بنون…الا من أتى الله بقلب سليم..؟ لم يبقَ للعراقيين غير الله ان سمعَ شكواهم.. وأمر بالتنفيذ .. أقلبها يا رب على رؤوسهم وأجعلهم مثل قوم صالح ..وأهلكهم بالصيحة .. كعادٍ …وثمودَ فما أبقى في العالمين..وسيرون..؟