18 ديسمبر، 2024 7:55 م

جدلية الحلم والواقع في المجموعة القصصية (الفراغ تفرعات في خط) للقاص عباس العلي

جدلية الحلم والواقع في المجموعة القصصية (الفراغ تفرعات في خط) للقاص عباس العلي

تمثل  المجموعة القصصية (الفراغ تفرعات في خط) للكاتب عباس العلي الصادرة عن دار ضفاف لعام (2014) واحدة من أكثر المجموعات التي تتناول في سردها الوجود بوصفه  معطى ثقافيا جدليا مابين المتخيل والواقع،  لذا يرفض الثبات،  كونه مندرجا ضمن صيرورة زمنية دائمة من التحولات النفسية والاجتماعية والفكرية ،لا يمكن الإمساك بها وفك سر تحولاتها مهما حاولنا من جهد، لان جودها لا يقف عند حدود أو فواصل زمنية، لذا كانت جميع قصص المجموعة المكونة من (15) قصة مع أبطالها تبحث عن سد ديمومة التحولات بالمتخيل السردي القادر على تجاوز الآني المتصدع والرجراج بالافتراضي( الحلم ) القابع خلف فراغ المعنى السائد، والذي يتشكل عبر جدلية البحث عن الذات في الآخر المختلف ثقافيا، ما يكشف ميلا واضحا لدى الكاتب لردم هوة المعنى باللامعنى والواقع باللاواقع عبر فعل التخليق (السرد  ).
جميع قصص المجموعة تنتظم حول  خيط  مركزي واحد  وهو السعي للخلاص من قيود الواقع البشري المزري الذي قيد وجودنا بقوانين من صنع عقولنا ظنا منا أنها قوانين مقدسة حتى فقدنا معها حريتنا وإنسانيتنا الضائعة ، نجد ذلك بوضوح في قصة حلم بلون العسل ..المر ، والحب الأول ، وشجرة الأحلام، وحلم تحت أشعة الشمس الحارقة ، حيث تنتهي جميع هذه القصص بخيبة أبطالها وفشلهم في تحقيق أحلامهم البسيطة (الحب) ، لذا كان الفعل السردي يقوم على كشف أسباب هذا الفشل المتكرر بالعودة إلى مرجعياته الرئيسية وهي الدين والعادات والتقاليد التي تعيق عملية الانعتاق من رقبة هذه المرجعيات المقيتة وذلك عبر تفكيك بنية الذاكرة التي تحيل دائما للماضي (للموت ) للوصول إلى المستقبل الذي يحيل (للحياة) قصة ( إلى من )ص7 .

استخدم الكاتب لغة سردية تعج بالمفارقات الفكرية المرتبطة بالمكان والزمان والتي تقوم على أساس تداعي الحلم أمام ثبات قناعاتنا التاريخية (الواقع) الذي بات يشكل عقبة معرفية خطيرة تقلص وجودنا الإنساني الحر(كثيرا ما سمعت أنه يرغب بالاقتران منها لكنها تصفه دوما أنه مختلف ولا يمكن أن يكون هناك حل لجمع النقيضين) قصة (قصاصة ورق ) ص38، كما إن البعد الزمكاني في المجموعة كان هو الآخر  له حضور طاغٍ ومؤثر في رسم خط سير الأحداث التي تمتد بين ما قبل الاحتلال وما بعده، حيث يرتكز الزمكان في بنائه على ثنائية حياة /موت كونه معطى ثقافيا تاريخيا ،لذا كانت الأحلام في جميع القصص أحلاما لا تكتمل إلا بموتها وفشلها على ارض الواقع الذي يقف بالضد من جميع أحلامنا  كونه منتج يتشكل وفق رؤى وتصورات نفس المرجعات البشرية السائدة، لذا كان وجوده وجودا مشاركا في قتل الأحلام ( استفاق على أخبار كثيرة يتناقلها الناس أن الجيش الأمريكي قادم  للعراق كمحاربين ) ((قصة حلم بلون العسل …المر)) ص17 .

يطرح الكاتب أسئلة عديدة ذات نزوع فلسفي ونفسي  تتمحور هذه الأسئلة حول شكل وجودنا الكائن وكيفية  تصحيح مسار المعنى والقيم التي تضمر القمع خلف دلالاتها المعلنة، نجد ذلك في قصة الموت على سرير الآلهة: ( سأكتب وصية للرب ليقرأها بدلا عني أحد ممن سيتقبله في مملكته لأنني قررت أن لا أمر بدربه بعد ما خاصمني العمر كله ) ص56 . تعمد الكاتب من جعل فضاء القص يعج بتناصات تاريخية وأسطورية ذات صبغة دينية، وذلك لمد زمن الحكاية وتوسيع مدلولاتها وهو ما يتيح للكاتب مساحة أكبر لإدانة الواقع بعد قتل أحلام  شخصياته (كرهت الحوريات من يوم ما عرفت أن ذاكرتي مملوءة حد التخمة بالهراء والكذب )قصة (حورية النهر الميت ) ص90. ما يؤخذ على المجموعة هو حتمية الفشل اتجاه تحقيق الأحلام والنهايات التي غالبا ما تكون نهايات رتيبة خالية من أي شد وتشويق وهو ما يكشف استعجال الكاتب في إنهاء حكاياته ، لكن في عموم المجموعة هناك قصدية واضحة وجريئة في نقد وتفكيك لكل مرجعياتنا الثقافية والفكرية التي ساهمت في ترسيخ واقع هش يعج بالتناقضات النفسية والاجتماعية التي ترفض التجديد والنقد والإصلاح بحجة المقدس والمدنس  .