أبتداءً ماذا يقصد بالتشاؤم : التشاؤم لغة جاء بمعنى الشؤم ، اي الشر والنحس وهو خلاف كلمة اليُمن التي اوردتها المعاجم العربية،والتي جاءت بمعنى الخيروالمحبة .
يقول الفلاسفة : ان المتشائم يعتقد بأن عالمه هو أسوء العوالم الممكنة في حياة الافراد والشعوب،لأن النظرة فيه تنزع الى الشر،وهو فعلا كفة الشر والبلاء والشقاء،لكون المتشائم لا يرى الحياة والناس الا عتمة ظلام. ويقابلها كفة الخير والسعادة والصلاح. فتصور ان هناك عالمين الاول تشاؤم والثاي تفاؤل كيف تفصل بينهما بمقياس انسانية الأنسان.
التشاؤم كلمة لاتينية الاصل اوردها الفلاسفة اليونان منذ عصرهرقليط الاغريقي الاول ،حتى قال البعض ان التشاؤم أسماً فلسفياً للذين يعتقدون به، وان الشر هو الاصل في صنع التشاؤم وهذه الكلمة يقابلها كلمة مضادة لها هي التفاؤل .
والتشاؤم كلمة قصد بها قديماً الشر ،والشرهو صراع دائم مع الخير والسعادة ،لكن لا يعني ان كلمة الخير لا وجود لها منذ القدم ، بل يقصد ان كلمة الشر هي الأصل الذي يلحق بحياة الانسان وظروفه القاسية قديماً. وان الحياة لا تستحق العيش ضمن مفهوم التشاؤم كما يقول العالمان مالثوس وريكاردو. ويعتقد بعض العلماء ان المتشائمين دوما هم اصحاب العلل الاخلاقية التي تعذبهم ضمائرهم في فعلها،فاذا حدثتهم ترى التشاؤم معكوسا في تصرفاتهم ، لذا ترى ان خونة الأوطان ، وسراق المال العام ،وناكثي العهود ،وخونة الصداقة ،وأهل النميمة المفرقين للصفوف تسيطر عليهم هذه الظاهرة المعقدة رغم مظهريتهم المترفة ، كما في النازيين وغالبية القادة المنحرفين .
يعتقد البعض من العلماء المُحدثين ان الالم هو الأصل واللذة عارضة عند البشر حتى تحول الى مسلكٍ معين تجاه الحياة والمجتمع ،طبع بعض اصحابه بطابع التشاؤم فعاش الانسان فيه منطويا لا يرى النور والحياة بمنظارهما الجميل. في هذه الحالة اذا تغلب واصبح مسئولا او قائدا ينقلب الى ذئب تجاه الوطن والاخرين وترى هذا عند السياسيين المنحرفين .
اما التفاؤل : فأصله لغة التيمن ،وهو الابتداء في الانفتاحية والراحة النفسية. والكلمة مأخوذة من اليُمن اي البركة والبشارة الجميلة واصله من اليمين اي ضد اليسار،لذا ظلت الكلمة يقصد بها الاعتدال واليسار يقصد
2
بها التطرف حين انتقلت الى المنظمات السياسية والحزبية ،فأصبحت تعرف بالمعتدلة والمتطرفة او الراديكالية المتشددة.
ان الذي يعجبنا في الكتابات الغربية للفلاسفة الفرنسيين والانجليز ، هي وقفة التأمل في تحديد ما يعتقدون به ليعالجوا الاشكاليات الحياتية بروح رياضية عن طريق دراسات حافلة ومعمقة في تجارب الأمم بدلأ من التأمل المطلق ،وكان الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو منهم.
لقد أثبتت المؤسسات العلمية الاوربية أنها اداة عظيمة القدرة على تحديد المفاهيم الحضارية واعطت للاعمال الخيرية مكانة الصدارة والتكريم ، وحاولت جهدها اصلاح التعليم الثانوي وغرز فكرة التيمن والتفائل في نفوس الطلبة بمناهج منتقاة من اجل طرد نظرية التشاؤم منهم فنجحوا.
ونتيجة لهذا الأيمان العالي بالتطور والثقة المطلقة في العلم والعلماء والانسان،اخذ المفكرون يؤرخون للمستقبل، فوضعوا الخطط ورسموا الخطوط العريضة لما يقبل عليه تاريخ البشرية واوربا خاصة ،كلها تفاؤل ورخاء وحقوق وواجبات والتزامات وطنية وحسن ظن بالعلم والدولة والانسان.حتى بدأ التشاؤم يبتعد عنهم رويدا رويدا حتى امَنوا لهم قانون الحياة والامان والأمل.
وبمرور الزمن اخذت الحياة الانسانية تصل الى درجة الرقي التي تجعلها بعيدة عن النكسات والمحن، وان البشر قد تعلموا منهم دروس الماضي وويلاته،حتى اصبحوا يعتقدون بالاخوة الانسانية ،وان الحروب لا تفيد وهي شرور وضرر ، وان العداوات بين الشعوب عبث مدمر وسخف خطر، حينئذ اصبح التقدم العلمي والاعتراف بالحقوق والقانون سجل لحل كل الأشكاليات التي تواجه الشعوب، فعرضوا عن الخيانة والسرقة والتلاعب بمصير الاوطان، فظهرمفكرون اسرفوا في التفاؤل ،فبدأت المناهج المدرسية العلمية تظهر حتى اصبح الانسان الاوربي مغايرا لانسان الحقد والنحس والتشاؤم . ومع كل الذي حدث فلا زال العالم امامه شوط بعيد حتى يصل الى مستوى المدينة الفاضلة التي تحلم بها البشرية. تلك الحياة التي عبر عنها القرآن بكلمة الحق المطلق (ان الله هو الحق ) فاين نحن في الوطن العربي منها اليوم …؟.
ويعتقد البعض ان اخفاق التقدم الحضاري في حل مشكلة السعادة والرفاه وابعاد الحروب قد ادى الى ظهور التشائمية في المجتمعات وخاصة بين العلماء واهل الفن لاخفاقهم في تحقيق ما كانوا يتصورون من تقدم وتنعم لابناء البشر،حتى بدأ البعض يقدم فكرة الدين على العلم في سعادة الانسان ورفاهيته لكنهم كانوا مخطئين،لأن الدين استقامة بينما العلم وجود .
ان الأفكار التفاؤلية التي تطرحها التوجهات الحضارية اليوم،انتجت مجتمعات منفتحة ومتقدمة وتشعر بحقوق الانسان والاوطان ،فبنت لنفسها الدساتير والقوانين التي عالجت ثغرات التخلف والانغلاقية المجتمعية فسادتها روح التعاون والاخاء والوحدة فيما بينها بفضل قيادات آمنت بشعوبها ورفاهيتها وتحصينها من كل خطر محتمل..
3
ومع كل هذا التفاؤل فقد بدا البرفسور أرنولد شبنكر ( ت1936) من المتشائمين نحو مستقبل الحضارة الانسانية،لأعتقاده بظهور بدايات لانهيار فكرة التقدم في اوربا والعالم الحديث نتيجة التخلي عن حقوق الشعوب والايغال في الحروب فتلاشت روح التفاؤل عند الغربيين.ان فلاسفة الغرب يُقيمون التشاؤم والتفاؤل وفق نظريات تقدم حقوق الانسان ومدى تقدم الفرد الاوربي في نيل حقوقه،بينما نحن نسرف في الاعتداء على الحقوق الانسانية لكننا نرفع شعارنا الواهي :(:تفائلوا في الخير تجدوه) .فرق بين النظرة العلمية للتفاؤل وبين النظرة الطوبائية له كما روجته مؤسسة الدين .
لقد اعتمد شبنكر في التقييس على مدى ما اتجهت اليه اوربا في الاعتداء على حقوق الشعوب واخذت سفنهم تمخر المحيطات بغية السيطرة على تجارة الدنيا وتخريب معالم الحضارة فيها ، وتدمير مصادر الصناعة والتجارة والمؤامرات في تخريب الاوطان كما يحصل اليوم في العراق وليبيا وسوريا واليمن. من هنا كان الاستنكار لهذا العالم الجليل الذي رأى في التقدم الاوربي بداية لانهيار فكرة التقدم التي قامت على التفائل بمستقبل الانسانية.
على أي حال ان هذا الامر التشائمي الذي وصلنا اليه اليوم في العراق المدمر كان نتيجة لان حكامنا يعانون من مركزية الذات،اي الاهتمام بالنفس دون الاخرين، ومن يراقب ندوات الفضائيات يجد ذلك واضحا لا لبس فيه ،بعد ان قلت غيرتهم على الوطن ، ولم يعد الوطن والمواطن في حساباتهم .وسوف لن نتحرر ونتخلص من كل الآهات والرزايا التي حلت بنا الا اذا ملكنا قوة الثورة على مركزية الذات للحكام الذين سخروا الوطن لهم ولأحزابهم وكتلهم اللاشرعية دون الناس.
ان التشاؤم والتفاؤل جزء من اخلاقية المجتمع والقيادة ، ومالم نكن مؤمنين بالقانون وحقوق الناس والمساوات في الحقوق ووجود القضاء العادل ستسقط الدولة رويدا رويدا كما سقطت دولة الاسلام في عهدي الأمويين والعباسيين رغم قوتها.
فهل تدرك قيادة التغيير في العراق المصير، وتعدل نحو التفاؤل من اجل الشعب بعد ان اصبحت سلطتهم مدانة امام القانون , لم تدرك لأنها اصلا هي ساقطة اليوم اخلاقياً، ولا ينفع معها دواء او رجاء…؟
مع الاسف نحن اليوم نُحكم من حكام اثبتوا انهم ليسوا حكام سياسة ،ولا يعرفون معنى القيادة السياسة ، وانهم لا يملكون رؤية مستقبلية،ولا خبرة عملية ،ولا غيرة وطنية ،ولا دين لهم، على وطن اضاعوه بأيديهم ومن اجل أنانيتهم وتشاؤمهم ومصالحهم الخاصة وحبهم للمال الجم بلا حدود ،وأنقيادهم للأخرين التي نشأوا عليها منذ الصغر ، وبذك ضربوا كل التراث الاسلامي والعالمي الايجابي وأنسانية الأنسان ورموه خلف ظهورهم دون مبالاة ، وهذا ما ترفضه المجتمعات المتحضرة التي تحترم شعوبها اليوم…؟حتى أصبحوا لُغزا محيرا ملفوفا بالغموض . ويحذرهم القرآن الكريم حين يقول : وألو استقاموا على الطريقة لآسقيناهم ماءً غدقاً،الجن 16.
نعم ان المتشائمين في الحياة هم أهل الباطل الذين يصفهم الأمام علي (ع) حين يحذر من السكوت عنهم فيقول :” حين سكت أهل الحق عن الباطل ،ظن أهل الباطل أنهم على حق.