الساسة المغرورون في الحياة يتصورون ان الاماني التي يريدون ان يصلوا اليها ..هي حقائق لا تقف عن تحقيقها معوقات..متمثلين بالقول :” ان احسن طريقة للتغلب على الصعاب اختراقها” .
لكن هؤلاء المتغطرسون الذين لا عقل لهم يتصرفون به..لايعتقدون ان بالعقل يستطيع الانسان العاقل التغلب على الظروف غير المواتية بدلا من الرضوخ لها وتركها تشكله كيف شاءت ..لهذا يبقى انسانهم المتخلف الذي يتصرف بعاطفته لا بعقله على هيئته وخصائصه المتدنية قاصرأ عن ربط الظواهر.. ولا يفهم الصراع الأزلي بين الغريزة والعقل ..والتي هي بطبيعة الحال اقوى ..لأنها مركبة في الطبع،في حين ان العقل مكتسب ،والغريزة دوما تنجح في التغلب على العقل وتذلله لرغباتها،وخاصة في حالات الاجرام والسلطة والاموال .
ولا يمس التغير جوهر العقل اذا سيطرت عليه الغريزة.. كتغير لون البشرة نتيجة لافرازات الجسم لصباغ يحمي وجهه من اشعة الشمس اللاهثة في المناطق الحارة نتيجة نشاط غدد العرق ليفرز افرازه لتبريد الجسم في الحر الشديد..لذا فأصحاب الغرائز يبقون يتعايشون مع الوهم الحياتي .. فترى الكبير والصغيرفي السلطة الخائبة يتعايش مع الفخفخة لا العقل والواجب ، فترى المسئول العراقي مهما كانت مكانته الوظيفية يضع العَلم العراقي بجانبه ليثبت مسئوليته في الحكم وتباهيه بقوة السلطة ..وهو يعلم انه عالة على الدولة والمواطن والعَلم..أي يتصرف بردود أفعالٍ غريزية لا أفعالاً معقولة.
وكذلك يستخدم المتخلف اخذ الادوية المنشطة عند شعوره بحاجة الجسم على مكافحة الوهن النفسي او الامراض المتوطنة كما في المناطق الحارة نتيجة لنقص المناعة عنده..لكن في الحالتين لن يصل الى الحقيقة الكلية ، لان التغيير مرتبط بالظروف وليس بالحقيقة العلمية التي يريد.
هذا التصور العلمي ينطبق على السود في افريقيا حينما يعتقدون ان غلبة الخفة والطيش والميل الى الغناء والرقص هو الخاصية فيهم لتخليصهم من سبب الركود الى الحاجة..لذا ترى ان الدافع عندهم الى العمل الشاق غير موجود في حساباتهم .. فلابد من ملئه ،ولأن وقت الفراغ متسع عندهم فلابد من ملئه بطريقة ما..اما بالحرب وهي وسيلة للتخلص من الملل وانفاق الطاقة الجسمية لديهم..واما بالرقص والغناء وهما متنفسان عن الضيق والضجر..وبمرور الزمن يبطىء التقدم الفكري عند الممارسين ويتبعه التخلف الحضاري عندهم ، في حين تتغلب الحياة عليهم لعدم قدرتهم على البناء والعقل والتفكير..وليس في الدنيا أخطر من العيش بدون تفكير..فيبقى الاعتماد على التصور والمبالغة في النفس التي تؤدي الى الغرور.
هذه الحالة انطبقت على قيادة النظام السابق تماما ..حين كانت تتصور ان الاماني التي تريد تحقيقها هي حقائق لا راد لها حتى ولو بمفردها ..لذا كانت تتخذ القرارات الخطيرة دون تفكير، كحرب الكويت عام 90 واعدام رفاقه ، والمعارضة السياسية دون محاكمة . هنا تشابه مع هتلر وموسليني حتى اسقطوا المانيا وايطاليا وانفسهم معاً..وانطبقت الحالة بعد 2003 عند غالبية من رافقوا التغيير في نظرية الترغيب والترهيب..”الرشوة او الرصاصة ” لذا اتجهوا نحو دستور طائفي مقيت سواءً بالانتخابات على القائمة المغلقة لا الشخص المعروف او الاستحواذ بالقوة ..فنشأ من هذا التصور برلمان غير مضمون حقوق للدولة والشعب، لايبالي بمن فيه ان كان سارقا او معتدلاً ، وطنياً أوخائناً..بجانبهم أحزاب اسلامية متخلفة تتحكم في عقول الجماهير بصبغتها الدينية الديموغوجية التي لا تقاوم في الاكاذيب والفتاوى الباطلة للتدخل في مسيرةالقانون ، وسرقة المال العام دون رقيب او حسيب..والخلط بين مفهوم الحلال والحرام ..واجهزة الباطل مستندة الى تقية الدين..كما تقول..
وفي وسط هذا الجهل المطبق عليهم ..والرغبة في الاستزادة من المنافع المادية على حساب الشعب اخذوا يغلفون الامور بالكتل النيابية الخائبة للحصول على الاكثرية واستمرار السلطة بأيديهم..من هنا بدأ الفساد حين اصبح النائب والوزير و والرئيس يباع ويشترى كسلعة في سوق النخاسة ..أي انهم فقدوأ قيم الحياة المقدسة بنشر نظريات الفساد باعتبارها شطارة على المواطنين ..من هنا سقطت قدسية النضال عندهم..ولو كنا حقا نملك مرجعيات دينية صادقة لرفعت الراية ضدهم واعنت فسادهم ومقاومتهم ..كما اعلن الحسين ابن علي (ع) مقاومته لظلم الأمويين.
ان الرجل الاسود الذي بقي يتغلب على الحر والضجربالتعري ..والتجوال في الغابة وصيد الحيوانات الضعيفة وأكلها.. حتى حين اتسع الفراغ بينهم وتعاضدوا على شكل زرافات ووحدانا انشغلوا بالصيد والرقص والغناء والجنس، لذا ضلوا خامدين في اماكنهم دون تحرك حضاري مشهود لسيطرة الغريزة على العقل..ولا زالوا حتى اليوم في غابات الأمزون هم والحيوانات في فصيلة واحدة ..لا يتفرقون..
من هنا ظل العلم والتاريخ والجغرافية عندهم كله قائم على الوهم..بعد ان انعدمت الصيرورة الزمنية عندهم. وهذه الحالة لازمت جماعة المسلمين حين اتجهوا نحو الفتوح والكسب وما ملكت ايمانهم فنسوا كل تحديث..فبقيت العلوم عندهم جامدة لا تخلو الا من معرفة الطب النبوي القديم الموروث من عصر قبل الاسلام ..وطرق الرحلة ومشاهدة البلاد المفتوحة والأنبهار بها دون مساهمة في التطوير..مع ان الاسلام حثهم الى غير ذلك حين قال القرآن:”قل سيروا في الارض فأنظروا كيف بدأ الخلق “. وهكذا كان تصورهم مُخالف للقرآن ، ويتناقض مع الواقع ، ولا يتفق مع الفكر الاسلامي الخالص “في الحق والعدل والأستقامة” كما هو واضح اليوم في تصرفات كل العرب والمسلمين.مع كل هذا الذي اصابنا واصاب العرب الاخرين لا زلنا نؤمن بالبيئة العربية والتراث العربي الجامد والعادات والتقاليد البالية كالنظرة الناقصة للمرأة وعادات اللطم على الموتى .. ونعتبرها المحفز للتقدم ونيل الحقوق.
انا اعتقد شخصيا ً بأن البيئة والتراث ليست العامل الاساسي في قيام التقدم ونيل الحقوق..فقد قامت حضارات في بيئات مختلفة سبقت العرب ودينهم في التقدم ..كحضارة اليونان والحضارة المصرية واربع حضارات عراقية سابقة ولدت لنا القوانين.والقرآن استشهد ببعضها..يقول الحق:” وكتبنا عليهم فيها النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن…،المائدة 45 ،والنص موجود في قانون حمورابي ..بل بالعقل والتفكير والانسان نفسه تقمت الحضارة.
هناك اراء حضارية لا يتسع المجال لذكرها..ولأجناس اخرى شقت طريقها نحو العلم والتقدم والقانون وهي بلا دين دينها الاصنام التي كانت تستوحي منها القوة زلفى الى الله العظيم وبشهادة النص المقدس..يقول الحق :”ألا لله الدين الخاص والذين أتخذوامن دونه أولياء ما نعبدهم الا ليقربونا زلفى..،الزمر3.” لكنها كانت تملك نظم وقيم وقوانين لا تُخرق..كما في مجالس الملأ عند العرب قبل الاسلام..أنظر جواد علي في كتابه المفصل عند العرب قبل الاسلام (مجالس الملأ) والبوذيين واهل الهند والسند ،دائرة المعارف العالمية ..بعد ان كانت الآفاق متفتحة امامهم حتى ساروا في معارج التقدم..
وما علينا اليوم الا ان نقارن بين نيسان الأغبر عام 2003 ..ورفاق نيسان الأغبر الاتعس عام 2019 الذين يقبلون من ولي الفقيه الايراني ودولتة الاجنبية ان تطلب منهم بألأمر .. ان يخرجوا القوات الامريكية من بلادهم..وكأنهم محافظين أذلاء تابعين له ولدولته …ويصمتوا امامه خانعين أذلاء…
فهل يصحى أهل العراق… على زمانهم اليوم…؟ وليسقط خونة التاريخ…